ماذا سنفعل بهذا الفن؟ هل نعلقه على الجدران؟ هل نكتفي بالنظر اليه في المتاحف وأدلة المعارض؟ ماذا ينفع ان نرى سنجاباً على مائدة وبجانبه مسدس، او رسوماً متحركة في قصة مصورة عن الديدان، او زهرة كبرى من البلاستيك؟ لا منفعة هنا سوى ان تنظر او تمضي… او تضرب عن النظر من دون ان تصل الى نتيجة! المشاركة هي لب الحدث في معرض "ابرا كابرا: الفن الدولي الحديث" الذي افتتح قبل ايام في "تيت غاليري" معقل الحداثة في اوروبا. حالما يدخل الانسان الى الغاليري يرى حصاناً محنطاً ومعلقاً من السقف،وعند ذاك يشعر بأن عليه ان ينظر في كل اتجاه حتى لا يفوته شيء ما دام قرر ان يصل الى شيء. منظمو المعرض يعدون كلاماً للصحافيين في اليوم الخاص بهم. مثلاً انه "معرض للفانتازية والسحر والمداعبة". ولكنهم يتناولون الموضوع في كتاب المعرض بطريقة توحي بالجدية والعناية، ان هذا فن يحاكي الحياة، يقلدها، ويعيد استكشاف صورها المعتادة من جوانب عدة قد لا تخطر ببال، لأن الناس غارقون في بحرها، والاختناق مصير من يرفع رأسه فوق السطح ليرى ما يجري فيه. طبعاً ليست كل المعروضات هنا حيوانات، وان كان التشبيه والمقارنة معها لا يخفيان عمن يريد الوصل الى المعرض. 15 فناناً من اوروبا واميركا يقدمون مناظر من الحياة اليومية، اغلبها مجسمات والقليل منها رسم. وبعضها فيديو تطل منه مشاهد اشخاص يتحدثون او يسبحون. الفنان الفرنسي بيريك سورين يقدم شريطاً يرى فيه كتباً تقع على رأسه باستمرار. القصة هنا هي ان الحياة معقدة بما فيه الكفاية عيشاً وغيره، من دون الحاجة الى ان نضيف تعقيدات اخرى مصطنعة. الاسطورة هي الطريقة التي يسير عليها اغلب هؤلاء الفنانين الشبان. وعن طريقها يشركون الناس في اوهام مرحة جاذبة، كأن الهدف ان تصيب العين بالحيرة قبل الذهن. المداعبة والسخرية في الفن قد تكونان اقدم من اي مذهب آخر فيه. ومن البساطة ان يتوقع المرء شيئاً غير هذا في معرض للصيف والسياحة في الفن. الا ان منظمة المعرض كاترين غرينيي ترى ان هذه المجموعة تعبر عن قضايا المجتمع بعيداً عن الجدية والتنظير اللذين يشغلان المجلات الفنية الكبرى. يشبه المعرض ساحة ملعب للاطفال والكبار معاً، وهو منظم على اساس الحركة والتنقل والمشاركة… في الوسط تقف لعبة بليارد لكرة القدم من 22 لاعباً، وترى الزوار يساهمون فيها. وهناك معروضات يطل الجمهور على محتوياتها من خلال نوافذ صغيرة، مثل الصندوق الذي نشاهد في داخله صورة مجسمة"هولوغرام" للفنان وهو يقطع خشباً. لقد رأينا مثل هذه النماذج من قبل في الدادا والبوب آرت. لم تعد تثير في الذهن التفاتة،ولعل حب الاستطلاع هو الذي يواصل الربط بين النظر والقطع من هذا النوع. ولا تقل انها ازمة فنية ليس لها علاج لأن الفنانين يستغلون ذلك ايضاً ليوحون بها ويعبرون عنها. وهناك من يقول ان اعادة انتاج الادوات اليومية لا توحي بالبساطة، وانما تدعو الى التأمل في الارباك الذي يعاني منه الفرد في مجتمع اليوم. يعترف موريتزو كاتلان صاحب الحصان المعلق والسنجاب المنتحر ان اعماله ذات معنى سياسي متى اراد المشاهد ان يفهمها كذلك. وطبعاً فان حصاناً محنطاً ومدلى من السقف قد يثير التشاؤم او الاحتجاج، لكن تأثيره سرعان ما ينتهي. وتظل عدسات السياح شغوفة بالمنظر. محتويات المعرض ليست كلمة اخيرة في هذا الاتجاه، انها مجرد مساحة اخرى يفتحها الفنانون لكي يرووا قصتهم مع الابداع. الفرق بينهم وبين فناني الستينات انه لا يوجد هناك "صراع"، بل هو غياب الايديولوجية. ماذا يرى الناس في لوحات مرسومة بالشوكولا، او صاروخ من خشب، او شخص يقرأ رسائل موضوعة في خزانة من زجاج؟ الفنان هنا لا يتحمل رسالة تغيير لمجتمع… بل يكفيه ما عنده. الصورة التي تظل في الذهن بعد "التسلية" في المعرض هي قطعة الفنانة مومويو توريميتشو، عبارة عن روبوت لموظف ياباني ببذلة ونظارة وهو يزحف على بطنه في الشارع بين الاقدام كالحيوان، كما يفعل الملايين كل يوم: من البيت، الى القطار، الى العمل… ثم بالعكس.