أكد السفير الفرنسي لدى السعودية السيد برنارد بوليتي أن العلاقات السعودية الفرنسية متأصلة وعميقة وذات تطلعات مستقبلية واسعة، فهي ليست مجرد علاقات مصلحية آنية عابرة ولكنها شراكة استراتيجية شاملة وطويلة الأمد مستندة إلى الثقل السياسي والاقتصادي للسعودية إقليمياً ودولياً وأهمية الدور الذي تقوم به في المجالات كافة، وكذلك التزام فرنسا تجاه المنطقة. وقال أن الاستراتيجية السعودية متميزة في معالجة القضايا العارضة لها مثل ما حدث في نجاحها وبعض الشركاء في وقف انهيار أسعار النفط ومعاودة صعوده التدريجي، معتبراً انها قادرة على توظيف إمكاناتها بأفضل صورة ممكنة، وتجاوز ما قد يعترضها من أزمات. وذكر أن تعاون السعودية وفرنسا سياسياً يتجسد في تطابق مواقفهما تجاه معظم قضايا المنطقة، وستتحقق ملامح الشراكة في المستقبل القريب مع التبادل المكثف للزيارات من الجانبين خصوصاً الزيارات التي سيقوم بها الوزير الأول ليونيل جوسبان، ووزير الدفاع آلن ريشار، ووزير الخارجية هوبير فيدرين، إضافة الى حرص الشركات الفرنسية على إقامة علاقات تنمية وتعاون مع السعودية في مجالات التقانة والتدريب وتوطين التقنية في قطاعات الطاقة والإتصال والمواصلات ومعالجة المياه والإستثمار المشترك. وحول استقلالية الموقف الفرنسي في قضايا عدة، أوضح السفير الفرنسي أن فرنسا لها رؤيتها المستقلة لكن هذا لا يتعارض مع منطلقات حلفائها الأميركيين والأوروبيين، إذ أن الأهداف العامة مشتركة وثابتة لكن الاختلاف يكمن في أسلوب طرح التصور ومقترحات آلية العمل. وحول عملية السلام، عبَّر السفير عن تفاؤل بلاده بحكومة باراك ونزوعها نحو السلام، وأكد أن فرنسا بما لديها من علاقات قوية مع الأطراف العربية والاسرائيلية تحاول اقناع هذه الأطراف للوصول الى حل شامل وعادل يؤدي الى استقرار المنطقة وحصول الفلسطينيين على حقوقهم، وهو الموقف الذي جسده الإتحاد الأوروبي في هذا الخصوص. وأوضح أن من عوامل الاستقرار في المنطقة الانفتاح الإيراني المتمثل في حكومة السيد خاتمي الذي رحبت به السعودية وتشاركها فرنسا في ذلك، وهو التيار الأيجابي الذي في حال ترسخه سيكون له أثر مهم في استقرار المنطقة إجمالاً. أما عن الوضع العراقي، فلدى فرنسا اقتراحات بناءة يقوم مجلس الأمن بدراستها حالياً مؤكداً ضرورة المحافظة على أمن جيران العراق عبر تأمين رقابة على تسلح العراق، وأهمية أن تنتفي قدرته على تشكيل قلق في المنطقة ورفع درجة التوتر فيها. وهنا نص الحوار: هل الشراكة السعودية - الفرنسية مقتصرة على الملف السياسي أم أنها ذات طبيعة شمولية؟ - أود أن أراجع التاريخ لأشير الى أن العلاقة السعودية الفرنسية قديمة ومتينة، وكان اللقاء المهم بين الملك فيصل والرئيس ديغول سنة 1967 قد دفع العلاقات الى الأمام، ومنذ ذلك الوقت توسعت لتشمل الميادين كافة وعمقتها. ومع مرور الوقت، استمرت اللقاءات المتتابعة للقادة في البلدين ومن أهمها زيارة الرئيس السابق فرانسوا ميتران الى السعودية سنة 1981 والتي كانت أول زيارة له إلى المنطقة، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد إلى باريس سنة 1987، وزيارة الرئيس جاك شيراك إلى السعودية في تموز يوليو 1996 وكذلك الزيارة المهمة لولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز التي قام بها إلى باريس في شهر أيلول سبتمبر من العام الماضي، اضافة الى الزيارات المتبادلة للوزراء ولقاءاتهم المستمرة، خصوصاً الزيارات المتبادلة بين وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد. هذه السلسلة من اللقاءات المكثفة عمَّقت العلاقات الشخصية بين القيادات في البلدين، وكانت حصيلتها أن قرر الطرفان الدخول في شراكة استراتيجية كاملة وشاملة طويلة الأمد ومتناغمة الإيقاع تخدم المصالح المشتركة الثابتة وتوسع من دائرة الاتصال والتعاون والتنسيق والتوثيق في جميع الميادين الممكنة. إضافة الى هذه الزيارات، فإنه من الطبيعي أن نبني سوياً مثل هذه الشراكة نظراً إلى أهمية الدور الذي تلعبه السعودية وثقلها السياسي والإقتصادي على الساحتين الإقليمية والدولية، وكذلك التزام فرنسا تجاه هذه المنطقة. ونحن نتفق مع نظرة ولي العهد السعودي بخصوص أهمية الاقتصاد في إطار الشراكة وأهمية الاستثمار وتوطين التقنية. ونحن شركاء في التعاون العسكري منذ زمن طويل ليس فقط في مجال التسلح بمعنى الاقتصار على بيع الأسلحة بل أن الجيشين السعودي والفرنسي لديهما تعاون شامل ومتنوع وعلاقاتهما ممتازة جداً، ولعل أبرز الأدلة نجاح الاجتماعات الأخيرة للجنة العليا للتعاون العسكري. وهناك التعاون الاستراتيجي إذ تتطابق مواقفنا ومواقف السعودية حول أهم القضايا في المنطقة وفي العالم، وبيننا تنسيق في هذه القضايا جميعاً. وتشمل الشراكة التعاون الثقافي والتقني والعلمي. لدينا معاهد لتعليم الفرنسية في السعودية، واتفاقات بين الجامعات السعودية والفرنسية، ومشاريع بحثية مشتركة، وغير ذلك. الخلاصة أن مفهومنا للشراكة متناغم إذ ليست علاقتنا قائمة على المبادلات التجارية العابرة بل تستند تنمية العلاقات إلى آماد طويلة مثل الاستثمارات المشتركة، ونعتبر المملكة من أهم شركائنا في العالم في جميع المجالات. لفرنسا موقف متميز تجاه أكثر قضايا المنطقة، وهو يغاير أحياناً الموقف الأميركي ويختلف في بعض التفاصيل عن الموقف الأوروبي، إلا أن الحضور الفرنسي الفعلي لا يتلاءم مع هذه المواقف الايجابية. في رأيكم ما سبب ذلك؟ - لدي تصور أكثر تفاؤلاً مما تطرحه خصوصاً أن الدور الفرنسي يتحرك في مجال أوسع وهو المجموعة الأوروبية. نحن شعب مستقل في الرؤية مثلما هي حال السعودية وحال الأمة العربية، ولذلك لنا آراؤنا الخاصة في مواقف عدة ولكنها لا تتعارض جوهرياً مع منطلقات حلفائنا الأميركيين والأوروبيين، ومن ذلك الدور الذي قام به حلف الناتو في أزمة البلقان. ونحن اذ نشترك مع حلفائنا في الأهداف نفسها مثل اقرار السلام في المنطقة واحترام حقوق شعوب المنطقة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وانشاء دولته، لا يوجد اختلاف بيننا في هذه المسائل ولكن ربما كان لنا أسلوب خاص في طرح تصوراتنا ومقترحاتنا حول آلية التحرك وأساليب التعامل. وبالمقابل نتفق مع أصدقائنا في المملكة وفي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى اذ نسعى جميعاً إلى الوصول لسلام شامل ودائم يحفظ حقوق جميع الأطراف ويوفر الاستقرار الثابت في المنطقة. وبذلك يمكن القول إن وجود اختلاف في تصور طبيعة التحرك الملائم لا يتعارض مع الأهداف المشتركة ولا يعرقل تحقيقها بل ربما يوفر خيارات أكثر تنوعاً ومرونة. باعتبار العلاقة التاريخية بين فرنساولبنان، ما هو الموقف الفرنسي في ضوء الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة على لبنان؟ - كنا قلقين جداً لما حدث في لبنان وأكدنا موقفنا الثابت في ضرورة سلامة الأراضي اللبنانية واحترام سيادة لبنان، وأكدنا ذلك عبر لجنة تفاهم نيسان التي قامت وفقاً لمبادرة فرنسية. وكان الدور الفرنسي واضحاً وقوياً منذ قضية نيسان ابريل 9619. وتقوم هذه اللجنة بنشاط مؤثر وفاعل، ولكننا نعيد التشديد على ضرورة ضبط النفس واحترام سيادة واستقلال الأراضي اللبنانية. هل أنت متفائل بامكان تحريك مسارات عملية السلام بافتراض وجود مساهمة قوية وفاعلة من الاتحاد الأوروبي؟ - ان فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي تؤيد عملية السلام وتحريك المفاوضات على المسار الفلسطيني والمسار اللبناني - السوري. ونحن متفائلون جداً بأن حكومة باراك ستقوم بتحريك وتنشيط المسار السلمي، ونقوم بدور فاعل في هذا المجال إيماناً بضرورة الوصول الى سلام عادل وشامل. ونحن نشيطون جداً في الاتصال بجميع الأطراف وعلاقاتنا جيدة مع الأطراف العربية، خصوصاً الفلسطينية، وكذلك علاقاتنا جيدة مع الاسرائيليين وهو ما نحاول استثماره لاقناع هذه الأطراف للوصول الى حل شامل. إن فرنسا ودول أوروبا فاعلة في هذه المسألة، ولعل أوروبا هي أول من ساهم اقتصادياً في دعم السلطة الفلسطينية. ونتفاءل جداً بمستقبل السلام مع الحكومة الاسرائيلية الجديدة، خصوصاً أن اتصالاتنا وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين وكذلك العرب بمن فيهم سورية تدعم هذا التفاؤل وتفتح آفاقاً ايجابية مشجعة. ومع أن دول أوروبا تختلف في درجة قربها أو بعدها عن المنطقة ودرجة صلاتها، إلا أن الاتحاد الأوروبي لديه موقف موحد تجاه القضية الفلسطينية يتجسد في موقفه الأخير من الفلسطينيين في اقامة دولتهم، وهذه نقطة ايجابية ومتقدمة جداً. ولدينا رغبة قوية وإرادة للاستمرار حتى يتحقق هذا الأمر ونتوصل للسلام المنشود. على المستوى الخليجي في ظل انهيار أسعار النفط أخيراً وتأثيرها الواضح في دول الخليج، هل ترى فرنسا، بغض النظر عما طرأ على أسعار النفط من تحسن، أن اقتصاديات دول الخليج تمتلك الصلابة والتماسك والقدرة على تجاوز مثل هذه الأزمات، وكذلك القدرة على النمو المستقل خارج اطار النفط؟ - بلا شك نحن نعتقد بأن المنطقة غنية جداً ولديها موارد ضخمة وهي تستثمر هذه الامكانات وتوظفها بأفضل صورة ممكنة، وهي قادرة على تجاوز مثل هذه الأزمات وتقليص آثارها السلبية علماً بأن العالم أجمع يمر بظرف اقتصادي صعب. ولكن قدرة دول المنطقة تتمثل في نجاحها في وقف انهيار أسعار النفط واعادة تصحيح مسارها . ومن دون مجاملة، نحن نثق في اقتصاديات المنطقة وهو ما عبر عنه وزير التجارة الفرنسي في زيارته الأخيرة إلى السعودية. وهذا ليس موقفاً رسمياً فقط بل أن رجال الأعمال والاقتصاديين الفرنسيين لديهم هذه القناعة أيضاً. والاستراتيجية السعودية مميزة في هذا المجال ولقد سعدنا كثيراً لنجاحها بالتعاون مع بعض أعضاء أوبك في وقف تراجع أسعار النفط، وهو أمر له مردوده في تحقيق استقرار اقتصادي لأن الانخفاض الحاد في أسعار النفط لم يكن يضر الدول المنتجة فقط بل والدول المستهلكة أيضاً، لذا من الضروري التوصل الى سعر مناسب يخدم الطرفين. وباعتبارنا شركاء للسعودية وللدول الصديقة الأخرى، فإننا نهتم باستقرار المنطقة خصوصاً أن تعاوننا مع السعودية يتنامى ويتعمق مع الوقت ما يؤكد ثقتنا في اقتصادها. والاستقرار الاقتصادي مرتبط بالاستقرار السياسي ولا يمكن فصلهما، ومثلما رحبت السعودية بالانفتاح الايراني المتمثل في حكومة السيد خاتمي نرحب نحن به أيضاً ونأمل في أن يترسخ ويتعمق هذا التيار الايراني وهو الأمر الذي له أثر ايجابي ومهم في استقرار المنطقة اجمالاً. من جانب آخر نرى ضرورة أن ينتهي مصدر القلق العراقي وأن تنتفي قدرته العسكرية على تهديد أمن جيرانه، وتصعيد التوتر في المنطقة. لذا نعتبر أن استمرار الرقابة الدولية على العراق مسألة مهمة لتحقيق هذا الشرط، وفي الوقت نفسه نشارك السعودية والأمة العربية تعاطفها مع معاناة الشعب العراقي ونأمل انتهاءها في أقرب وقت. ومثل هذا التوافق اختبار عملي لصداقتنا ومصالحنا المشتركة الثابتة. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، أي ضرورة التوجه نحو رفع الحظر الذي يعاني منه بقسوة الشعب العراقي، والحفاظ على أمن جيران العراق الذي يتحقق عبر تأمين رقابة على تسلح العراق وانشاء آلية مالية مناسبة، لذا قدمت فرنسا اقتراحات بناءة يقوم مجلس الأمن حالياً بدراستها. كل هذه العوامل تقودنا الى أن الاستقرار والأمن في المنطقة يدعمان الفاعلية الاقتصادية للأهمية الاستراتيجية العالمية لهذه المنطقة ليس لكونها أهم مصدر للطاقة فقط ولكن لشراكتها الاقتصادية المهمة. أما الصعوبات الاقتصادية فهي مسألة متكررة الحدوث ولها ظروفها، وكما سبق أن أوضحت فإن الأزمة الاقتصادية ذات طبيعة عالمية. منذ فترة اختارت السعودية أن تنوع خياراتها الاقتصادية في جميع المجالات، لكن هذا التوجه السعودي على رغم التقارب السياسي الواضح مع فرنسا وعلى رغم زيارات المسؤولين السعوديين إلى فرنسا والعكس لم يثمر تطوراً في الشراكة الاقتصادية ولا يزال الحضور الاقتصادي الفرنسي في السعودية ضعيفاً مقارنة بالمجال السياسي وتوجه السعودية للتنوع الاقتصادي؟ - نحن حالياً نقوم بجهد كبير للوصول الى مستوى مناسب يتلاءم مع توجهات الشراكة بين البلدين، وهناك اتصالات مكثفة بين المسؤولين المعنيين في البلدين على المستويين الحكومي والخاص، لكن لا بد من تحرك فرنسي أكبر لخدمة هذه التطلعات. لدينا تقنيات متميزة في الطاقة، أي النفط والغاز والكهرباء والاتصالات والنقل البحري أو الجوي أو البري، وكذلك معالجة المياه على مختلف أشكالها. وهناك شركتان فرنسيتان من أكبر الشركات العالمية في النفط والغاز. أعني بذلك أن فرنسا لديها خبرة متميزة في التقنية العالية وليست فقط بلد العطور والموضة، وهي مسألة لا بد من ايضاحها وتبيان الامكانات الفرنسية الفنية. وأحب أن أوضح أن الشركات الفرنسية ترغب في تطوير تعاونها مع السعودية وتعزيز تواجدها، وهي لا تعتبر السعودية سوقاً لها بمعنى مجرد توريد البضائع أو انشاء المصانع وما شابه، ولكنها تنظر إلى السعودية كشريك بمعنى التواصل والتجاوب في توطين التقنية وتأهيل وتدريب السعوديين عليها. وخلال وجودي في فرنسا الفترة الماضية وجدت اهتماماً بالغاً من الشركات الفرنسية بالسعودية ورغبتها الجدية في الشراكة مع السعودية اقتصادياً عبر مشاريع طويلة المدى معنية بالتدريب والتأهيل والاستثمار المشترك المستمر والمتنوع والشامل لكل القطاعات بما فيها قطاعات النفط والغاز وكذلك قطاعات الصناعات والخدمات. وهذا التوجه يكمل نشاط الشركات الفرنسية الموجودة حالياً في السعودية والتي ترتكز مساهمتها على التفاعل الطويل المدى والمتكامل بما في ذلك التدريب المهني، وهي قضية حيوية وتتفق مع حاجة السعودية حالياً وحرصها المكثف على السعودة ليساهم مواطنوها بشكل أكثر عمقاً في تنمية اقتصادها وليقوموا بدورهم في ذلك. والحق أن كل الشركات الفرنسية لديها اهتمام جدي بالتعامل مع السعودية وهو اهتمام ليس مقتصراً على الشركات الكبرى مثل "توتال فينا" و "ألف اكتين" و"الكاتيل"، ولكن حتى الشركات المتوسطة الحجم والصغيرة تتطلع الى مثل هذا التعاون في كل قطاع ممكن. ونقوم في السفارة، بما لدينا من اتصالات واسعة في فرنسا، بتعريف الشركات بالواقع السعودي وحاجاته المهمة والأساسية بهدف خلق تفاهم مشترك بين رجال الأعمال في البلدين والتعريف بقدرات كل طرف وتسهيل التعاون في ذلك. وأعتقد بأن المستقبل سيثبت حقيقة هذه الشراكة، صحيح أن أزمة كوسوفو استولت على الاهتمام الفترة الماضية لكن الاتصالات استعادت الآن حيويتها وزخمها السابق اذ سيقوم الوزير الفرنسي الأول السيد ليونيل جوسبان بزيارة السعودية تلبية للدعوة الموجهة اليه من طرف صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حسب موعد يحدد لاحقاً من قبل الطرفين، كما سيزور وزير الدفاع السيد الن ريشار السعودية هذا الشهر، ويود أيضاً وزير الخارجية السيد هوبير فيدرين زيارة المملكة قريباً لمتابعة وتعميق المشاورات والتنسيق السياسي. وهذه الزيارات من الفرنسيين والزيارة المهمة لولي العهد السعودي وكذلك زيارة النائب الثاني وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز، اضافة إلى الاتصالات المكثفة بين الوزراء والمسؤولين في القطاعات المختلفة تأتي لدعم وتعزيز عرى الصداقة بين البلدين. هناك شكوى من القطاع الخاص السعودي من وجود بيروقراطية في الشركات الفرنسية وبطء استجابة، هل تعتقد بصحة هذه الشكوى؟ - البيروقراطية موجودة في كل مكان ولعل الحل الأمثل هو اللقاءات المباشرة بين المسؤولين في الشركات وبحث العوائق القائمة مما يمكن الحكومة في البلدين من معالجتها وتسهيل الاجراءات ان أمكن . في كانون الأول ديسمبر 1998 وقعنا اتفاقاً لترويج وتنشيط الاستثمارات المشتركة، وهذا يساعد في تسهيل الاتصال خصوصاً أن البلدين ينتميان للاقتصاد الحر. وفي السعودية ينتظر صدور نظام جديد للاستثمار يعَّول عليه كثير من المستثمرين. ونحن في فرنسا نحاول من جانبنا معالجة المشاكل القائمة، وعلى أي حال فإن هذه المسائل تخضع لمراجعات مستمرة بهدف خلق أجواء مريحة ومساعدة لتنشيط الاستثمار. هناك رأي يقول إن من عوائق تنمية الاستثمار المشترك اللغة الفرنسية خصوصاً أن معظم رجال الأعمال السعوديين ذوو ثقافة انكليزية ما يجعل التعامل باللغة الانكليزية أكثر سهولة وأسرع للحركة وأيسر للفهم تالياً! - لا أعتقد بأن هذه مشكلة جوهرية. من الطبيعي أن يرتاح المرء للغة التي يفهمها والتي يعرفها. واذا كانت اللغة الفرنسية معيقة بالنسبة إلى بعض السعوديين فإن اللغة الانكليزية يمكن أن تكون الوسيط بين الطرفين. ونعتق،د نظراً إلى أهمية السعودية عربياً واسلامياً وبالنظر الى شراكتنا معها، بضرورة فهم الواقع السعودي بجوانبه المختلفة وكذلك من المهم أن يدرك الجانب السعودي الامكانات الفرنسية. وهذه نقطة مهمة في الاتصال الاقتصادي. ونحن نسعى إلى توفير هذه الأجواء وتقديم المعلومات المهمة لكل طرف لفهم الآخر بشكل أكثر دقة وعمقاً. مع ملاحظة وجود تحرك ثقافي فرنسي في السنوات الأخيرة للتواصل مع السعودية، ألا تعتقد بأن هذا المجال يتطلب درجة أكبر من التفعيل؟ - اوافق تماماً، ومع ادراكي لمسألة الأصالة وضرورة المحافظة عليها الا أن التواصل الثقافي يخدم التطلعات المشتركة، ومع أننا لا ندخل منافسة مع أحد، إلا أننا نعتقد بأهمية تنشيط هذا المجال. وفرنسا مهتمة وذات علاقة وثيقة بالثقافة العربية ويكفي الدلالة على ذلك وجود معهد العالم العربي في باريس وهو الوحيد من نوعه في العالم بهذا الخصوص. وفي السعودية ثلاثة معاهد لتعليم اللغة الفرنسية، وهناك تعاون مع جامعات سعودية تدرس اقسامها اللغة الفرنسية بالاضافة الى القناة التلفزيونية الفرنسية الموجهة للعالم العربي وكذلك الاذاعة... لكني أتفق حول تفعيل هذا النشاط وتوسيع مدار تحركه. بهذه المناسبة كيف ترون امكانات فوز الدكتور غازي القصيبي في اليونسكو؟ - الدكتور غازي القصيبي شخصية معروفة جداً وبارزة ومحترمة ومؤهلة لهذا المنصب، لكن كما تعرف فان انتخابات اليونسكو بقي عليها أشهر عدة وباب الترشيح مفتوح حتى الأيام الأخيرة للتصويت. حالياً يوجد بضعة مرشحين والقصيبي من أبرزهم ولا تزال امكاناتة دخول مرشحين جدد قائمة. وفرنسا باعتبارها موقع اليونسكو تلتزم الصمت التام في هذه المسألة، على أننا سنقوم بمشاورات مع شركائنا الأوروبيين والفرنكوفيين عندما يحين الوقت لذلك. في سنة 1997 دعم الرئيس شيراك صفقة شراء دولة الامارات لطائرات ميراج في خطوة لافتة. هل يمكن اعتبار هذه الخطوة تبدلاً في السياسة التقليدية الفرنسية، بمعنى أن تدعم الحكومة ممثلة في قيادتها تطلعات الشركات الفرنسية في الفوز بصفقة معينة في بلد ما مثلما يفعل المسؤولون الأميركيون والبريطانيون في دعم حظوظ شركاتهم؟ - ليس هناك أي تغيير في سياسة فرنسا. ساندت السلطات الفرنسية، رئيساً وحكومة، باستمرار - ولا تزال تساند - الجهود التي تبذلها الشركات الفرنسية من أجل تطوير تعاونها وعلاقاتها مع البلدان الصديقة. والمملكة العربية السعودية على غرار دولة الامارات العربية المتحدة، هي من أقرب أصدقائنا وشركائنا وحلفائنا. بشكل عام، نعتبر أن مساهمتنا في تعزيز قدرات أصدقائنا الدفاعية في المنطقة تلبي احتياجاتهم المشروعة، وهي برهان يعكس مدى التزام فرنسا ازاء أمنهم وبالتالي ازاء استقرار المنطقة. كان هناك اتفاق على شراء السعودية لدبابات لوكلير الفرنسية، ماذا تم بخصوص هذه المسألة؟ - يترتب القرار طبعاً على السلطات السعودية، ان دبابات لوكلير انتاج عسكري ذو نوعية متميزة، تم اختبارها بنجاح في المنطقة ويتم حالياً نشرها في كوسوفو. الاتصالات والمفاوضات بين الفرنسيين والسعوديين تتوالى في الاتجاه الذي أشرت اليه منذ لحظات. ونتمنى التمكن من التوصل، عندما يحين الوقت، إلى نتائج ايجابية ومرضية للطرفين. هناك اقبال من السعوديين على زيارة فرنسا، إلا أن المشكلة هي الشكوى في تعقيد اجراءات منح التأشيرة والمغالاة في بعض المتطلبات مثل ضرورة إرفاق تذكرة مرجعة مع طلب التأشيرة، ما هو تعليقكم على هذه المسألة؟ - نحن مرتاحون باستقبال أفواج كبيرة من الأصدقاء السعوديين ونقول دائماً لهم أهلاً وسهلاً. الكل يعلم بأن فرنسا لا تضع أي صعوبات أو عقبات خاصة أمام طالبي التأشيرات من السعوديين، ولا نخاف ان يقوموا بأي عمل يمكن أن يمس من قريب أو بعيد أمن فرنسا وكذلك الأمر فيما يتعلق بموضوع احتمال الهجرة الى فرنسا، ألا ترى ان المملكة هي وطن الأمن والأمان؟ فلذلك لا نضع أي عقبة أو تعقيدات امام الاصدقاء السعوديين للحصول على تأشيرة دخول الى فرنسا، سواء كان ذلك بهدف السياحة أو الاعمال أو الاقامة. اسمح لي أن أوضح للقراء الاعزاء نقطة مهمة ومحورية. فرنسا احدى الدول العشر داخل الاتحاد الأوروبي التي وقعت على اتفاقية شينغن. تتعلق هذه الاتفاقية بدخول وتجول الاجانب داخل ما نسميه "فضاء شينغن". فعلى سبيل المثال، عندما يحصل زائر أو سائح على تأشيرة شينغن من سفارة فرنسا أو من إحدى السفارات التسع الاخرى المرتبطة بتلك الاتفاقية، كبلجيكا أو المانيا... الخ، فإنه يستطيع تلقائيا، ومن دون الحصول على أي تأشيرة أخرى، الدخول الى الدول المعنية بشينغن. تمثل هذه الاتفاقية إذن قفزة نوعية لتسهيل تنقل الاشخاص في غالبية دول الاتحاد الاوروبي. ولكن هذه الاتفاقية تفرض على الدول العشر الموقعة الالتزام بالقوانين والتقيد بالضوابط الموضوعة لاصدار تأشيرة شينغن، وهكذا يفرض على الجميع التنسيق والاستشارة وكلنا نستعمل الاسلوب نفسه وطريقة التعامل نفسها مع طالبي التأشيرات. ومع ذلك، تتعامل سفارة فرنسا وقنصليتها في الرياض وقنصليتها العامة في جدة مع هذه الاجراءات بصورة انسانية وبروح منفتحة باستمرار. ففرنسا هي أول بلد داخل "فضاء شينغن" يعطي قطعياً أكبر عدد من التأشيرات في المملكة ولا سيما للأصدقاء السعوديين. فعدد التأشيرات التي تمنحها سنويا قنصليتنا في الرياض وقنصليتنا العامة في جدة يقارب 40.000 تأشيرة. وأؤكد للقراء بأن الطاقم القنصلي في الرياضوجدة يقوم بعمل دوؤب ويبذل قصارى جهده يومياً لإصدار مئات التأشيرات للسعوديين. ألا يعني ذلك أن فرنسا هي الأكثر تواجداً في هذا المجال؟ لذا فهي في طليعة دول شينغن. ومهما كان الأمر، نأخذ بعين الاعتبار الشكاوى ونحاول تسهيل الامور لطالبي التأشيرات ونحن مهتمون جداً بهذه الناحية ونبذل ما بوسعنا لتحسين الوضع خدمة لاصدقائنا السعوديين. سعادة السفير قبل نحو عشر سنوات تقريباً كنت في السعودية وعدت إليها الآن مرة أخرى، كيف ترى شخصياً التغيرات التي عايشها المجتمع السعودي مادياً وإجتماعياً؟ - لا نبالغ إذا قلنا أنه طرأ على المملكة العربية السعودية تغييرات كبيرة. بالنسبة إلى زائر مثلي يعود بعد غياب دام عشر سنوات يصعب عليه التعرف على البلد. لقد تغير بصورة جذرية وفي إتجاه إيجابي. إن التطور الإقتصادي مذهل، تنوعت القاعدة الإقتصادية وإزداد نمو القطاع غير النفطي وكذلك القطاع الخاص، فالعنصران مرتبطان ببعضهما البعض. وازداد تطور البنية التحتية. أما الإنجازات المعمارية فهي تلفت الإنتباه: إمتدت المدن، أنشئت مبان ضخمة، تضاعفت الحدائق والتشجير. وبشكل مختصر، أصبحت المدينة أكبر وأجمل. المجتمع تغير أيضاً: إنه أكثر إنفتاحاً مما كان عليه منذ عشر سنوات في مسائل إجتماعية عديدة ومتنوعة. لكن هناك بعض الأشياء لم تتغير لحسن الحظ: تمسك السعوديين بجذورهم وبشخصيتهم، كرم ضيافة الشعب السعودي، وأخيراً الصداقة الفرنسية السعودية التي ما تزال قوية. برنارد بوليتي سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية - بدأ مسيرته الديبلوماسية في ليبيا 1975 - 1977. - وبعد ذلك في إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية 1977 - 1978 - وفي إدارة شمال افريقيا والشرق الأوسط 1978 - 1982 - في الإدارة المركزية من 1982 إلى 1986، وضع تحت تصرف رئيس الوزراء الأمانة العامة للجنة الوزارية المختصة بالأمن النووي. - يعرف السيد بوليتي المملكة العربية السعودية جيداً، فقد شغل منصب المستشار الأول لدى سفارة فرنسا في الرياض من 1986 إلى 1988. - احتل بعد ذلك منصب المستشار الثاني بالبعثة الفرنسية الدائمة لدى الاممالمتحدة من 1988 الى 1991. - ومن ثم عين سفيراً فوق العادة ومفوضاً في أبوظبي من 1991 الى 1994. - ومن ثم مديراً مساعداً لشمال افريقيا والشرق الاوسط منذ 1994 - حتى تشرين الثاني نوفمبر 1998. - نال وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس بتاريخ 14 أيار مايو 1991 - وصل إلى الرياض سفيراً لفرنسا لدى السعودية في الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1998. - يجيد السفير بوليتي اللغة العربية، وله دراية قديمة ومعمقة بالشؤون العربية. وقد كرس جل مسيرته الديبلوماسية، منذ دخوله الى وزارة الخارجية الفرنسية وحتى يومنا هذا، لشؤون العالم العربي. برنارد بوليتي سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية - بدأ مسيرته الديبلوماسية في ليبيا 1975 - 1977. - وبعد ذلك في إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية 1977 - 1978 - وفي إدارة شمال افريقيا والشرق الأوسط 1978 - 1982 - في الإدارة المركزية من 1982 إلى 1986، وضع تحت تصرف رئيس الوزراء الأمانة العامة للجنة الوزارية المختصة بالأمن النووي. - يعرف السيد بوليتي المملكة العربية السعودية جيداً، فقد شغل منصب المستشار الأول لدى سفارة فرنسا في الرياض من 1986 إلى 1988. - احتل بعد ذلك منصب المستشار الثاني بالبعثة الفرنسية الدائمة لدى الاممالمتحدة من 1988 الى 1991. - ومن ثم عين سفيراً فوق العادة ومفوضاً في أبوظبي من 1991 الى 1994. - ومن ثم مديراً مساعداً لشمال افريقيا والشرق الاوسط منذ 1994 - حتى تشرين الثاني نوفمبر 1998. - نال وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس بتاريخ 14 أيار مايو 1991 - وصل إلى الرياض سفيراً لفرنسا لدى السعودية في الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1998. - يجيد السفير بوليتي اللغة العربية، وله دراية قديمة ومعمقة بالشؤون العربية. وقد كرس جل مسيرته الديبلوماسية، منذ دخوله الى وزارة الخارجية الفرنسية وحتى يومنا هذا، لشؤون العالم العربي.