يعود تاريخ العلاقات السعودية - الفرنسية الى نهاية الستينات عندما التقى العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، لكن قمة سعودية - فرنسية أخرى سجلت مرحلة مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، عندما التقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الرئيس جاك شيراك في جدة عام 1996، واتفقا على إقامة شراكة استراتيجية. السفير الفرنسي لدى السعودية برنار بوليتي اعتبر ان المرحلة الحالية هي مرحلة "بلورة واقعية لهذه الشراكة". وقال ل"الحياة" ان "الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تسير في شكل تصاعدي، وتتبلور الآن على الأرض". وتابع ان العلاقات الفرنسية - السعودية "قديمة وودية، تتميز بثقة تامة، فالمملكة حليفة لفرنسا في المنطقة، ونرتبط معها بشراكة استراتيجية شاملة في كل المجالات". ولفت الى "أهمية مكانة السعودية ودورها اقليمياً ودولياً، من جهة، والتزام فرنسا أمن المملكة والمنطقة عموما من جهة أخرى". وشدد على أن بين البلدين "حواراً سياسياً مكثفاً". وتترقب باريس زيارة مهمة يقوم بها في التاسع من الشهر المقبل النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي وزير الدفاع والطيران الأمير سلطان بن عبدالعزيز، تلبية لدعوة من شيراك، وكان وزير الصناعة والكهرباء السعودي الدكتور هاشم يماني في باريس الأسبوع الماضي، وفي وقت سابق الشهر الجاري زار وزير الدفاع الفرنسي آلان ريشار الرياض. كما التقى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نظيره الفرنسي هوبير فيدرين في فرنسا في تموز يوليو الماضي، وزار وزير التجارة الخارجية الفرنسية السعودية للمرة الثانية. وفي قائمة الزيارات المنتظرة أعلنت السفارة الفرنسية في الرياض أن فيدرين "ينوي زيارة السعودية قريباً، وسيزورها لاحقاً رئيس الحكومة ليونيل جوسبان، اذا سمحت ارتباطاته خلال عام 2000". مصادر ديبلوماسية فرنسية، قالت ل"الحياة" إن المحادثات التي أجراها المسؤولون في البلدين خلال هذه الزيارات "اظهرت وجهات نظر متقاربة جداً". واشارت الى ان "مايظنه بعضهم تبايناً في المواقف بين فرنسا والسعودية، ليس صحيحاً، والزاوية التي ينظر أحد البلدين الى الموضوع من خلالها قد تختلف عن زاوية البلد الآخر أحياناً". العلاقات العسكرية ووصف السفير بوليتي تطور العلاقات العسكرية الفرنسية - السعودية بأنه "متناغم يغطي كل نشاطات التعاون، بخاصة الحوار الاستراتيجي، وزيارة الخبراء، وشؤون التسلح". وكانت الهيئة العليا العسكرية الفرنسية - السعودية عقدت اجتماعاً في الرياض في 17 و 18حزيران يونيو 1999، ويوجد ضابطان سعوديان كبيران في فرنسا، أحدهما من البحرية والآخر من الدفاع الجوي يتابعان دروساً في كلية القوات المشتركة للدفاع في باريس، بينما يوجد ضباط آخرون في كليات عسكرية فرنسية. ويجري الطيارون السعوديون والفرنسيون تمارين مشتركة، ورست الفرقاطة "لافايت" في جدة في تموز يوليو الماضي، ثم شاركت في تمارين مع الفرقاطتين "مدينة" و "هفوف" وسفينة التزويد بالوقود "ينبع" و السفينة "عمر". وسيزور قائد القوات البحرية الفرنسية في المحيط الهندي الجبيل قريباً في سفينة القيادة "فار" ويتوقع تنظيم تمارين مع البحرية السعودية. وتستمر المشاورات المتعلقة ببيع السعودية دبابات من طراز "لوكليرك"، وتغطي هذه المشاورات الجوانب الفنية، والاقتصادية. وغير بعيد من العلاقات السياسية والعسكرية تأتي العلاقات الاقتصادية، اذ وقعت شركة "طومسون سي. اس. اف" الفرنسية في أيار مايو الماضي عقداً لإنتاج مناظير للرؤى الليلية بتقنية متقدمة مع "الشركة السعودية للتقنيات المتقدمة"، ويندرج العقد في اطار البرنامج السعودي - الفرنسي للتوزان الاقتصادي الأوفست. وقال السفير بوليتي "إن فرنسا تصبو الى المحافظة على وجودها الاقتصادي ودعمه وترغب في مواكبة المملكة اقتصادياً من خلال التعديلات الجريئة التي اتخذت اخيراً وتهدف الى اشراك القطاع الخاص في مجالات لفرنسا فيها سمعة وخبرة، في قطاعات مثل ادارة الطرق السريعة والمطارات، والنقل بالسكك الحديد، والخدمات البلدية لمعالجة النفايات، وتوليد الكهرباء، والمناجم، وتحلية مياه البحر، والاتصالات". وأشار الى أن شركتي "توتال فينا" و"الفا" اقترحتا، بناء على الدعوة التي وجهها ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الى الشركات النفطية العالمية، خططاً استثمارية في مجالات انتاج النفط والغاز، وكذلك خططا لتقويم هذه المصادر في المملكة. وشدد على أن باريس "عازمة على نقل التقنية الى السعودية وتوطين التكنولوجيا من خلال أساليب أهمها التدريب"، ولفت الى "خطة فرنسية يصوغها فريق يمثل الحكومة والشركات الخاصة لتقديم عرض يتجاوب مع متطلبات السعودية ويقدم تدريباً مهنياً". وأكد أن بلاده "تتفهم جيداً توجه المملكة، وستتجاوب معه بإيجاد فرص عمل للشباب السعودي في الشركات الفرنسية التي تستثمر في المملكة"، معتبراً ذلك "بلورة واقعية للشراكة الاستراتيجية بين باريسوالرياض".