منذ كانون الاول ديسمبر 1997 تحتل مجموعة من الاسلاميين الفلسطينيين ساحة تقع جوار كنيسة البشارة في الناصرة مطالبين بتحويل المساحة بحدود 1850 متراً مربعاً الى مسجد. ويستند هؤلاء الى معلومات عن ملكية الاوقاف الاسلامية للمساحة المذكورة مع انها كانت تدعى الارض "الميرية" في العهد العثماني اي انها ارض تملكها الدولة. وكانت الناصرة، كبرى المدن العربية في اسرائيل، تعتبر في العهد العثماني مسيحية اذ كان اغلب سكانها مسيحيين، اما المسلمون العرب فقد سكن معظمهم بعد عمليات التهجير لسنة 1948، فأصبحت النسبة السكانية مناصفة تقريباً. وكنيسة البشارة مقدسة وتاريخية بالنسبة للمسيحيين، حيث هنا، كما ذكروا، بشّر جبرائيل مريم العذراء بمولد السيد المسيح، وان بناء مسجد لصيق للكنيسة يعني احراجاً للمشاعر المسيحية في المدينة، اذ ثمة مواقع اخرى لاقامة مزيد من المساجد. ان ملكية الاوقاف للارض لا دليل عليها، كما ان الزعم بأن ابن اخ صلاح الدين عولج على قطعة الارض يفنّده التاريخ. فالناصرة لم تحررها معركة حطين بل حررها بعد عقود من السنين الظاهر بيبرس. وتذهب اراء العديد من المراقبين الفلسطينيين الموضوعيين الى وجود محاولة من غلاة اليمين الاسرائيلي الديني لنسف الاحتفالات المقررة عام 2000 بعنوان "الناصرة 2000" والتي تسهم فيها منظمة اليونيسكو وبلدية المدينة. وكانت الاحزاب الاسرائيلية الدينية المتطرفة الاربعة وفي مقدمها "شاس" ضد هذه الاحتفالات لانهم يعتبرونها اعترافاً بنبوّة المسيح، بينما يعتقدون هم ان نبوّته منتحلة! النبي الكاذب على حد زعمهم. وجاء الحاخام بوريش نائب وزير في حكومة نتانياهو ليزور الاسلاميين في خيمهم، وليجلس معهم "تضامناً". وفي المقابل ذهب وزير الدفاع، موشي ارينز، لزيارة المسيحيين باسم التضامن "ضد التطرّف الاسلامي" وطلب منهم الانضمام للجيش الاسرائيلي لحماية انفسهم من غلاة المسلمين. وهكذا يتبين دور المتطرفين والغلاة الصهيانة في الدخول بين الطرفين، المسيحي والاسلامي، لكي يضرب احدهما الآخر، فتشتعل الفتنة الدينية، وهو ما يهدد بانتقال الحريق الى كل فلسطين بل الى المنطقة كلها. وقد اعترف أحد الاسرائيليين "المتضامنين" مع الاسلاميين في الخيمة بأنه عنصر من "الشاباك" الاستخبارات الاسرائيلية، وأدلى بتصريحه هذا لمراسل جريدة "يديعوت احرونوت". وهكذا تتجلى خيوط اللعبة - الدسيسة، الهادفة الى الغاء احتفالات "الناصرة 2000" وتحويل الصراع من فلسطيني - اسرائيلي الى مسلم - مسيحي، علماً ان هؤلاء المتذرعين بمعركة حطين والحروب الصليبية "نسوا" انهم قد هُجّروا مع عائلاتهم عام 1948، من قرى محيطة بالمدينة، وان عليهم المطالبة باستعادة مساجد مدن جرى تحويلها الى اغراض اخرى سواء في يافا، وحيفا، وصفد، وغيرها. وأرى ان جميع الفلسطينيين الاسرائيليين ذوي الوعي الوطني الصحيح مطالبون بوقف هذه اللعبة، واقتلاع بذور فتنة قد لا يمكن التنبؤ بعواقبها اذا اندلعت. ولعل فلسطينيي اسرائيل يحسنون صنعاً باعتماد موقف متوازن بين احترام قوانين الدولة التي يحملون جنسيتها، وبين هويتهم الثقافية الفلسطينية العربية، وان من واجبهم حسب اجتهادي المتواضع الوقوف ضد المتطرفين، أياً كان دينهم، ومن اجل حقوقهم الثقافية كاملة. وأرى ان الاعلام العربي مطلوب منه القاء الاضواء على الموضوع، واعارة اهتمام جدي به قبل ان يفوت الأوان! * كاتب عراقي مقيم في باريس.