بدت المساعي المتنوعة التي بذلها الرئيس الاميركي بيل كلينتون لانهاء النزاع في كشمير، عبر ممارسة ضغوط ديبلوماسية على باكستان، عاجزة منذ البداية. وعزز الموقف المتشدد الذي اتخذه المقاتلون الاسلاميون في الشطر الهندي من كشمير اخيراً، برفضهم التخلي عن مواقعهم، الشكوك لدى محللين دوليين بانه لن تكون هناك أي حلول سريعة لهذا النزاع. لكن ما يكتسب اهمية بشكل خاص في نزاع كشمير هذه المرة، مع ما يقترن به من تداعيات دولية ومناورات ديبلوماسية، هو الطريقة التي غيّرت بها الولاياتالمتحدة موقفها تجاه باكستان. كانت باكستان تعتبر تقليدياً، على رغم كونها دولة اسلامية، حليفاً للولايات المتحدة، مثلما جرت العادة ان تُدرج الهند، على خلفية "اشتراكية نهرو"، في خانة مؤيدي الاتحاد السوفيتي. وحتى في عالم القطب الواحد، في اعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، استمرت اميركا في تبني سياسة خارجية ايجابية فاعلة تجاه باكستان، وعدم تفويت أي فرصة لتوجيه النقد الى الهند على صعيد قضايا متنوعة تراوح من انتهاكات حقوق الانسان في كشمير الى سياسات حكومتها في شأن الاستثمارات الاجنبية. وفي هذا السياق، يبدو التحول في السياسة الاميركية، بتأييد الهند علناً وانتقاد باكستان بشكل صاخب، مفاجئاً ونشازاً. وقال ظفار عباس، مراسل هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" في اسلام آباد، ان "الادارة الاميركية اعتادت في السابق اتخاذ موقف نقدي تجاه المقاتلين الاسلاميين وقوات الامن على السواء في كشمير، لكنها كانت تتحاشى اتهام باكستان بشكل مباشر". هكذا، لم تبد الولاياتالمتحدة ابداً تعاطفها مع موقف الهند في شأن كشمير كما هو الحال الآن. وقال كارل ايندرفورث مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون جنوب آسيا "نركز الاهتمام بقوة على اعادة تثبيت حرمة خط المراقبة خط وقف النار. يمكن بعدئذ ان تكون هناك هدنة واستئناف لعملية لاهور. لم يكن من المفترض ان تتوجه حافلة لاهور - دلهي، من لاهور الى كارغيل في كشمير حيث دارت المعارك الاخيرة. نريد ان نعود الى لاهور". وكان بذلك يشير الى تسيير خط الحافلات بين الهندوباكستان والذي نتج عنه اخيراً تفاهم بين رئيسي الوزراء الهنديوالباكستاني. وكي يفهم المرء التحول في الموقف الاميركي لابد له ان يتفحص التغيرات داخل الهند، فضلاً عما طرأ من تغيير على خريطة السياسة الدولية. على صعيد الهند، ادى اغتيال رئيس الوزراء وزعيم حزب المؤتمر راجيف غاندي الى تحول في سياسات الهند تجاه العالم العربي والقضية الفلسطينية، كما دشّن بداية العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل. واُفتتحت قنصلية لاسرائيل في نيودلهي في 1992 وتطور التفاعل الثقافي والاقتصادي والسياسي بين البلدين. وعلى رغم ان اعتراف الهند باسرائيل كان متمشياً، من جهة، مع نمط عالمي عام فان هذه الخطوة شكلت، من جهة اخرى، تحولاً مهماً في السياسة الخارجية لان الهند كانت تقليدياً من اقوى المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وأدت قضايا مثل العولمة وفتح الاقتصاد الهندي المغلق وتدفق الاستثمارات الاجنبية، خصوصاً الاميركية، الى تغيير دينامية علاقة الهند بالمنتج الاميركي كسوق ومجهز للمواد الخام. ولقيت سياسات الهند الاقتصادية التقدمية والنهج العلماني لحكومتها، بخلاف الطابع الاسلامي للدولة في باكستان، استحسان الادارة الاميركية. وقال اشوك اغارول، وهو خبير في السياسة الاميركية في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، ان "الخوف من خطر اسلامي هو الذي يتحكم اساساً بالسياسات الدولية للولايات المتحدة، حتى في هذا الزمن والعصر". ووجدت اميركا في الهند، انسجاماً مع موقفها المتشدد تجاه حركة "طالبان" في افغانستان وخوفها من تعاظم نفوذ الحركات الاسلامية في العالم، شريكاً مناسباً وجاهزاً لاقامة قاعدة لها في منطقة جنوب آسيا. وبدا ان التعامل مع باكستان التي تنخرها المشاكل الاقتصادية وتعاني من عدم الاستقرار السياسي، اكثر صعوبة بكثير. هكذا، جاء التحول في السياسة الاميركية تجاه باكستان متمشياً مع سعي واشنطن للقيام بدور "شرطي العالم"، وكذلك انطلاقاً من مصالحها الاقتصادية. ومع ذلك وعلى مستوى آخر، عندما اجرى الرئيس كلينتون اتصالاً هاتفياً برئيسي وزراء الهندوباكستان ليحضهما على حل النزاع، كان يخطو بحذر شديد على ارض لم يكن احد من الغرباء سيجرأ على ان يطأها اطلاقاً. وعندما اقترح ان تستخدم باكستان نفوذها لسحب المقاتلين الكشميريين من اراضي الهند، كان يعبّر على الاقل عن مخاوف العالم المتزايدة من احتمال ان يتفاقم هذا النزاع المبهم ويخرج عن السيطرة. * صحافية هندية مقيمة في لندن.