شكّل العدد الأول من مجلة "بانيبال" التي تعنى بالأدب العربي الحديث، والذي صدر في لندن في شباط فبراير العام 1998، بداية مثيرة، لكن البعض شكّك في مقدرة المجلة على الإستمرار والحفاظ على استقلاليتها. وأن تستمر المجلة، بل أن تتطور وتُصدر أخيراً عددها الخامس أمر يدلّ على التصميم والإلتزام بالمشروع وقد مضى بهما المؤسسان، مارغريت المعروفة بماغي اوبانك، الناشرة الإنكليزية ورئيسة تحرير المجلة وزوجها العراقي صموئيل شمعون، الذي يتولى مهمة أمانة التحرير، لكنه يشغل في الواقع مهمات اخرى، بينها جمع معظم مقالات الكتاب وقصائدهم ومتابعة ترجمتها الى الانكليزية. وهو يتمتع بموهبة الإتصال بأشخاص بارزين ومن ضمنهم المخرج كوستا غافراس الذي نشر مقابلة معه في "بانيبال". لدى ظهور مجلة "بانيبال"، تساءل البعض بارتياب حول "من يقف حقيقةً خلف المجلة ويموّل صدورها؟"، كتبت ماغي أوبانك في افتتاحية العدد الثاني "لا يمكنني القول سوى أنني أقف وراء صدورها ولا أحد غيري. ثمة مجموعة صغيرة للغاية تقوم بكل شيء من الإخراج إلى إلصاق الطوابع البريدية وتسديد الفواتير". وبالإضافة إلى رئاستها تحرير المجلة، تقوم ماغي أيضاً بإخراجها وبإصدارها في المنزل على جهاز الكومبيوتر الخاص بها. من خلال العدد الخامس، أثبتت "بانيبال" أنها تلعب دوراً حيوياً في إيصال الأعمال الأدبية التي يضعها كتاب عرب، حيثما أقاموا وبأي لغة كتبوا نصوصهم الأصلية، الى جمهور من القرّاء بالإنكليزية. ويقول صموئيل انه بالنسبة الى ما يقارب 90 في المئة من الكتّاب الذين يظهرون في "بانيبال"، تكون المرة الأولى التي يُنشر لهم فيها عمل ما بالإنكليزية. وتشرح ماغي أنها تريد ان تفتح "بانيبال" ذراعيها الى الكتّاب العرب أياً كانت أعمارهم وبلدانهم الأصلية ومكان إقامتهم ومقدار تجربتهم. وتشير إلى أن معظم المترجمين، يجيدون لغتين، كعدنان وباولا حيدر، وعيسى بلاطة وسرغون بولس، وخالد مطاوع، وأنطوان شمّاس، ومنى زكي ونوئيل عبدالأحد، وهم لم يدرسوا العربية كلغة أجنبية. مجاة "بانيبال" شبيهة بمقهى أدبي كبير ملؤه الحياة والمرح، وليست مكتبة او معهداً أدبياً. البعض في مقهى "بانيبال" يحتفظ بطاولات دائمة ويسهم في جميع أعداد المجلة، كبيتر كلارك وعيسى بلاطة وسرجون بولس، وبين المشاركين الدائمين في التحرير الأصغر سناً، نجد الشاعر والمترجم خالد مطاوع المولود في ليبيا ولكن المقيم في الولاياتالمتحدة منذ سن الخامسة عشرة، وسمير اليوسف وهو فلسطيني مولود في بيروت، نشر قصتين قصيرتين وقد اسهم بعروض للكتب تتميز بالعمق والنظرة الثاقبة، والمترجمة فيونا كولينز وهي من اصل نيوزيلندي. واحتوى العددان الرابع والخامس من "بانيبال" بعضاًً من اسهامات من الشاعر والروائي والمترجم البارز جيمس كيركوب. استوضحت ماغي كيفية التوصل الى ان يعمل جيمس كيركوب ل"بانيبال"، فقالت: "قرأت مقابلة معه في صحيفة "الشعر الحديث في الترجمة"، فاتصلت به وسألته ما اذا كان يرغب في الإطلاع على عدد من "بانيبال" التي ذهل لدى قراءتها وأبلغها "انها مجلة أدبية رائعة". وكان كركوب، وهو في مطلع الثمانين من العمر ويقيم في ولاية اندورا، شديد الحماسة للكتابة معنا". وشارك عدد من الكتّاب الغربيين البارزين كيركوب موقفه المتحمس ازاء "بانيبال"، فكتبوا الى ماغي، وبينهم الروائي وكاتب القصص القصيرة الآرلندي وليم تريفور والكاتب الأميركي بول اوستر. اتخذت "بانيبال" هوية راسخة منذ عددها الأول، أمكنها الحفاظ عليها. وثمة 7 مستشاري تحرير، بينهم المستشار الخاص حول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لدى "المجلس البريطاني" بيتر كلارك وهو مترجم معروف من العربية الى الانكليزية، والأكاديمي الفلسطيني هشام شرابي، والزميل في "الحياة" والشاعر محمد علي فرحات. الرسوم على الغلاف وفي الصفحات الداخلية يضعها فنانون عرب، وكان مناسباً ان يتصدّر غلاف العدد الخامس الذي يحوي الملف الخاص عن المغرب، رسماً للفنان والشاعر المغربي محمد القاسمي. كذلك ثمة رسوم أخّاذة في المجلة، يضعها غالباً الفنانان العراقيان يوسف نصير وفيصل لعيبي. وتحوي "بانيبال" على الدوام افتتاحية بقلم ماغي التي تُطلع القارئ على آخر التطورات في المجلة، وتُلقي الضوء على بعض محتوياتها. وثمة ترجمات لقصائد وقصص قصيرة، أو أجزاء من روايات، وباب لعرض آخر إصدارات الكتب، وصفحة أخبار عن النشاطات يوم فلسطين الذي عقد اخيراً في جامعة اوكسفورد، ومقالات للكثير من الكتّاب العرب. لعلّ احد الأبواب البارزة لديّ في "بانيبال" هي سلسلة المقابلات المعمّقة. فالعدد الأخير تضمن مقابلة مع الكاتب المغربي محمد شكري وأخرى مع غازي القصيبي، الشاعر والروائي السعودي وسفير المملكة في لندن والمرشّح لمنصب مدير عام منظمة الأونيسكو. في المقابلات على صفحات "بانيبال" يتلمّس المرء حقاً شخصية الكاتب، ويكاد يسمعه متحدثاً. فهي تكشف الكثير عن حياة كاتب ما وعن نتاجه. وإحدى أكثر المقابلات إثارة للمشاعر في عدد سابق، كانت مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وأجريت بعد شفائه من الذبحة القلبية. تطبع "بانيبال" حوالى 2500 نسخة، ولديها بضع مئات من الإشتراكات وخصوصاً في جامعات من الولاياتالمتحدة وألمانيا والسويد، وهي تعلن عن نفسها في مطبوعات ك"لندن ريفيو اوف بوكس". لا يُخفى أن استمرار المجلات الأدبية مسألة صعبة، غير أن إحدى الميزات المهمة التي تتمتع بها "بانيبال" تكمن في أن المجموعة المتعاظمة من المشاركين والمترجمين الأوفياء بلغ بها دعم المجلة حد الإستعداد للعمل من دون مقابل. والمجلة يموّلها حتى الآن مؤسساها من مصادرهما الخاصة ومن خلال التبرعات، لكنها تبحث حالياً عن متبرّعين جدد. فهي، على سبيل المثال، تسعى الى الحصول على تمويل من مؤسسة "لندن آرتس بورد". وتقول ماغي ان كثراً يرون في "بانيبال" مرجعاً جيداً، لكن بعض القرّاء يريدون الحصول على مراجع اضافية. غير انها وصموئيل لا يرغبان في أن تُثقل المجلة المراجع والحواشي، وأن تصبح اكاديمية الطابع. والعدد الخامس احتوى على اعمال لكتّاب مغاربة، بينهم كاتبا القصة القصيرة محمود زفزاف وأحمد بوزفور، وعلى شعر لمحمد بنيس ترجمه الى الانكليزية جيمس كيركوب استناداً الى الترجمة الفرنسية التي وضعها برنار نويل. كذلك ثمة مقال عن بنيس وموقعه في الشعر العربي الحديث بقلم الكاتب السوري صبحي الحديدي. وبين الشعراء المغاربة الآخرين الذين شملهم الملف، نقرأ حسن نجمي، ووفاء العمراني ومصطفى نيسبوري الذي يكتب بالفرنسية، وقد قام جيمس كيركوب بترجمة قصائده، وكتب كذلك مقالة مهمة عن اعماله وصعوبة ترجمتها الى الانكليزية. والعدد الخامس احتوى مواد اخرى كثيرة الى جانب الملف حول الأدب المغربي، وهو يقع في 41 صفحة، بينها ترجمة جزء من قصيدة "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" للشاعر اللبناني أنسي الحاج، وقامت الأكاديمية الأميركية براندل فرانس بترجمتها، بمساعدة عدنان حيدر تتمة القصيدة ستنشر في العدد المقبل. وثمة قصيدتان للشاعر العراقي بدر شاكر السياب، قام بترجمتهما عدنان حيدر ومايكل بيرد، ونبذة شخصية عنه وضعها الكاتب العراقي فاضل سلطاني.