اسم الكتاب: فخ العولمة - الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية. اسم المؤلف: هانس - بيتر مارتين هارالد شومان اسم المترجم: الدكتور عدنان عباس علي مراجعة وتقديم: أ.د. رمزي زكي. الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - سلسلة "عالم المعرفة" الكويت . لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن هناك الآن سيلاً أشبه بالطوفان من الادبيات التي تتحدث عن هذا الموضوع، ولم يعد الامر يقتصر على مساهمات الاقتصاديين وعلماء السياسة او المهتمين بالشؤون العالمية، بل تعدى الامر ليشمل مساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والاعلاميين والفنانين وعلماء البيئة والطبيعة، ولا غرو في ذلك، لأن قضية العولمة لها من الجوانب والزوايا ما يثير اهتمام الجميع. ووسط هذا الكم الهائل من الكتابات والطروحات، يكاد المرء ان يحار في كيفية الإلمام بالموضوع او فهم حقيقته، خصوصاً ان كل كاتب يركز تحليله على جانب معين، مثل الجانب الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي او السياسي او الاعلامي، ولهذا اصبح هناك الآن ما يشبه التخصص في تناول قضية العولمة، ومن النادر ان نجد مرجعاً محترماً يتناولها من جميع جوانبها، من دون ان يكون ذلك على حساب المستوى العلمي او العمق في التحليل. بيد ان هذا الكتاب لمؤلفيه: هانس - بيتر مارتن وهارالد شومان يجيء استثناءً في هذا المجال، لأنهما استطاعا ان يحيطا بقضية العولمة من جوانبها المختلفة، من خلال رؤية عميقة موسوعية، وذات نزعة انسانية نحن في أمس الحاجة اليها عند تناول هذه القضية تحديداً، بعدما أفسد التكنوقراط والاقتصاديون ضيقو الافق الفهم الحقيقي لها، من خلال الطابع الدعائي والسطحي الذي اتسمت به معظم كتاباتهم في هذا الموضوع. ومهما يكن من امر، سيلاحظ القارئ لدى مطالعته الكتاب، ان المؤلفين طرحا مجموعة من الطروحات التي تستحق التأمل والتفكير لفهم قضية العولمة من منظور يختلف عن المنظور الزائف الذي غالباً ما تطرحه علينا وسائل الاعلام. ولد المؤلف الاول هانس - بيتر مارتين عام 1957، وحصل على الدكتوراه في العلوم القانونية من جامعة فيينا، ويعمل محرراً لدى مجلة "دير شبيغل"، الالمانية منذ عام 1986. اما المؤلف الثاني هارالد شومان فمن مواليد 1957 ايضاً، درس الهندسة في برلين، وعمل من 1984 حتى 1986 محرراً في صحيفة "تاغ تسايتونغ" في برلين، ومنذ 1986 وهو يعمل محرراً في مجلة "دير شبيغل" ويدير مكتبها في برلين. أول طروحات هذا الكتاب المهم، هو ان العولمة، من خلال السياسات الليبرالية الحديثة المعتمدة عليها، إنما ترسم صورة المستقبل بالعودة الى الماضي السحيق للرأسمالية، فبعد قرن طغت فيه الافكار الاشتراكية والديموقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية، تلوح الآن في الأفق حركة مضادة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات، وليست زيادة البطالة، وانخفاض الاجور، وتدهور مستويات المعيشة، وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، واطلاق آليات السوق، وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي، وحصر دورها في "حراسة النظام" وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين - وهي الامور التي ترسم الآن ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم - كل هذه الامور ليست في الحقيقة إلا عودة الى الاوضاع نفسها التي ميزت البدايات الاولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية 1750 - 1850. وهي الامور التي ستزداد سوءاً مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة الى الليبرالية الحديثة. ويؤكد الدكتور رمزي زكي مراجع الكتاب في مقدمته، ان "قتامة المستقبل الذي سيكون صورة من الماضي المتوحش للرأسمالية في فجر شبابها، تبدو اكثر وضوحاً، اذا سارت الامور على منوالها الراهن" ويشير المؤلفان الى انه في القرن المقبل، سيكون هناك 20 في المئة من السكان الذين يمكنهم العمل والحصول على الدخل والعيش في رغد وسلام. أما النسبة الباقية - 80 في المئة - فتمثل السكان الفائضين عن الحاجة الذين لن يمكنهم العيش الا من خلال الاحسان والتبرعات وأعمال الخير!. وإزاء هذا التدهور الحادث في اوضاع العمال والطبقة الوسطى ومختلف الشرائح الاجتماعية محدودة الداخل، راح المؤلفان يتحدثان عما يسمى ب"دكتاتورية السوق والعولمة"، على ضوء ما يروج له منظرو العولمة من افكار ومقولات وسياسات، فقد دأب هؤلاء المنظرون على إطلاق تعميمات ذات طابع غير ديموقراطي وشمولي وغير مبرر علمياً، كقولهم مثلاً: "إن مراعاة البعد الاجتماعي وحاجات الفقراء اصبحت عبئاً لا يطاق"، و"ان دولة الرفاه تهدد المستقبل، وإنها كانت مجرد تنازل من جانب رأس المال إبان الحرب الباردة، وإن ذلك التنازل لم يعد له الآن ما يبرره بعد انتهاء هذه الحرب"، او القول: "على كل فرد ان يتحمل قدراً من التضحية حتى يمكن كسب المعركة في حلبة المنافسة الدولية"، او الادعاء ب "ان شيئاً من اللا مساواة بات امراً لا مناص منه". ونستطيع القول ان هذه الافكار وجدت انعكاسها الواضح في السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي تطبق الآن في مختلف دول العالم من دون مشاركة الناس او موافقتهم. وفي ضوء التوحد الذي اصبح يجمع بين مصالح اصحاب رؤوس الاموال بشكل لافت للنظر، يعتقد مؤلفا الكتاب ان هناك الآن ما يمكن ان يسمى "أممية رأس المال". فهم يهددون بهروب رؤوس اموالهم ما لم تستجب الحكومات لمطالبهم، كمنحهم تنازلات ضريبية سخية، وتقديم مشاريع البنية التحتية لهم مجاناً، وإلغاء وتعديل التشريعات التي كانت تحقق بعض المكاسب للعمال والطبقة الوسطى، مثل قوانين الحد الادنى للاجور، ومشاريع الضمان الاجتماعي والصحي، وإعانات البطالة، وبما يقلل لهم مساهماتهم المالية في هذه الامور، وخصخصة المشاريع العامة، وتحويل كثير من الخدمات العامة التي كانت تقوم بها الحكومة، لكي يضطلع بها القطاع الخاص، واضفاء الطابع التجاري عليها. ومن القضايا العامة التي يناقشها الكتاب، القضية التي تزعم ان العولمة أدت الى انصهار مختلف الاقتصادات القروية والوطنية والإقليمية في اقتصاد عالمي موحد، بعدما "صار العالم سوقاً واحدة"، وأن التجارة العالمية تبدو كأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع، بعدما "غدا العالم قرية كونية متشابهة" تنمو وتتلاحم بجميع اجزائها، خصوصاً بعد الدور الذي لعبته الاقمار الاصطناعية وشبكة الانترنت ومختلف أشكال ثورة الاتصالات. ويشير الكتاب، الى انه بخلاف "التوحد التلفزيوني" الذي يربط بين شعوب افريقيا وآسيا وكاليفورنيا، وبخلاف بضع مدن تتركز فيها وسائل الصناعة الحديثة والتقنيات العالية، وتتصل ببعضها بعضاً وبالعالم الذي يتحول - خلافاً لذلك - الى جزر منفصلة، والى عالم بؤس وفاقة، ويكتظ بالمدن القذرة والفقيرة، ومن ثم، فقد اصبحت مساعدات التنمية التي كانت تُعطى للبلاد النامية في خبر كان، بخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وموت حوار الشمال والجنوب ودخول الدول النامية النفق المسدود للمديونية الخارجية. ويظل الفصل الثالث، الذي خُصص للحديث عن صندوق النقد الدولي والاسواق النقدية العالمية، من أمتع وأهم فصول الكتاب. ارتبطت العولمة المستندة الى الفلسفة الليبرالية الحديثة بتحرير الاسواق المالية والنقدية، بالتخلي عن معظم الضوابط التقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة. وكان من نتيجة ذلك ان الكتلة النقدية في ضوء عمليات التحرير هذه، لم تعد خاضعة للسلطة النقدية المحلية وهي البنك المركزي. فعمليات دخول وخروج الاموال على نطاق واسع، تتم في ومضات سريعة على شاشات الكومبيوتر، وعلى نحو جعل السلطة النقدية تقف عاجزة عن الدفاع عن اسعار الصرف واسعار الفائدة واسعار الاوراق المالية في البورصات، وهكذا، تحول العالم الى رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات والاوراق المالية، مستخدمين في ذلك بلايين الدولارات التي توفرها البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الدولية وصناديق التأمين والمعاشات. ويشير المؤلفان في هذا السياق الى عدد من الحالات والازمات التي سببها هؤلاء المضاربون، وأصبحت تشير الى مقدرتهم الفائقة على التحكم في رفاهية او فقر أمم ودول برمتها، من دون ان توجد اي سلطة، محلية او عالمية، لمحاسبتهم او ردعهم!. وأياً كان الامر، فعلى الرغم من موجة النقد العنيف التي قادها مؤلفا الكتاب لفوضى العولمة وطغيانها المدمر للعدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي، وإساءاتها الى البيئة، فإنهما لم يستخدما النتائج التي توصلا اليها لطرح تصور سياسي راديكالي بديل، بل هما في الحقيقة يدعوان الى اعادة طرح "مشروع دولة الرفاه"، ولكن في صياغة معدلة نسبياً، وهو ما يبدو واضحاً في عشرة أفكار اساسية طرحاها في نهاية الكتاب، وهي الافكار التي يعتقدان أنها كفيلة بأن تمنع قيام "مجتمع الپ20 في المئة" وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار التام. من هذه الافكار: "اتحاد اوروبي ديموقراطي قادر على النهوض بالتحولات المطلوبة - تقوية المجتمع المدني وتعزيز مشاعره الاوروبية - الاتحاد النقدي الاوروبي - توحيد القوانين الضريبية الاوروبية - فرض ضريبة مبيعات على المتاجرة بالمشتقات ضريبة توبين، وعلى القروض الاوروبية الممنوحة الى مصارف غير اوروبية - معايير اجتماعية وبيئية دنيا للتجارة الخارجية - اصلاحات ضريبية ذات أبعاد اوروبية لحماية البيئة - فرض ضريبة اوروبية على السلع الكمالية - النقابات العمالية الاوروبية - والتوقف عن تحرير الاقتصاد من دون تعزيز للرعاية الاجتماعية".