من الأهمية بمكان الاتصال بمراكز الدراسات في دول العالم، وبالذات في الدول ذات التأثير في الوضع الدولي والاطلاع على ما يصدر عن هذه المراكز من اوراق ودراسات تتعلق بقضايانا العربية، حتى نلم بوجهات نظرهم لقضايانا. وفي تقديري ان هذا الأمر ليس مطلوباً فقط من صناع القرار او المتخصصين، بل من واجب الدارسين والباحثين العرب الذين تتاح لهم مثل هذه الفرصة ان يسلطوا الأضواء على هذه الدراسات ويقومون بدراستها وتقييمها والتعليق عليها، وحبذا لو تم الاتصال بالجهات التي تصدر مثل هذه الدراسات وتزويدها بمرئياتنا وتقييمنا لما يصدر عنهم، ولا شك ان هذه المراكز تتصف بالليبرالية وعندها سعة صدر لسماع الرأي الآخر، ولذلك سيكون لاتصالنا بها وتزويدها برأينا صداه وتأثيره. ولقد اعتدت حين اقوم بزيارة للعاصمة الاميركية ان اتصل ببعض مراكز الدراسات المعروفة والتي تعنى مباشرة بمنطقتنا وتعد دراسات بخصوصها. وكثيرا ما تتحول هذه الدراسات الى مناهج لسياسات داخلية وخارجية. ولعلنا نذكر تلك الدراسة التي اصدرها معهد واشنطن للشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية من اعداد مارتن انديك مدير المعهد في ذلك الوقت عام 1993 تحت عنوان "الاحتواء المزدوج" للتعامل مع ايران والعراق. والتي تحولت بعد ذلك الى منهج للسياسة الاميركية في هذين البلدين. ومعهد واشنطن هذا يعد من مراكز الدراسات الاستراتيجية الهامة، والمرتبطة بالجماعات الصهيونية، وأحد أهم المراكز المؤثرة في صناعة القرار في الولاياتالمتحدة، ويمول هذا المعهد عدد كبير من القيادات الصهيونية ذات الاتجاهات اليمينية، وندرك اهمية هذا المعهد من خلال الشخصيات التي تعاونت معه، ولعبت دوراً أساسياً في رسم وتنفيذ السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، خلال الادارات المختلفة، وبعضها لا زال يلعب دوراً أساسياً في رسم وتنفيذ السياسة الاميركية في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. ومن هذه الشخصيات لورنس ايغلبرغر آخر وزير خارجية في عهد الرئيس جورج بوش، وروبر مكرفرلين مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريغان، وريتشارد هاس مساعد الرئيس بوش لشؤون الشرق الأوسط، والكسندر هيغ وزير خارجية في عهد الرئيس ريغان، وجين كيركباتريك اول مندوبة في الأممالمتحدة في عهد الرئيس ريغان وفي الادارة الحالية دنيس روس. منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، ومارتن انديك السفير السابق في اسرائيل، ومسؤول الشرق الأوسط في وزارة الخارجية حالياً وغيرهم. قبل عامين وبعد زيارة لي للولايات المتحدة كتبت عن دراسة صدرت عن هذا المركز تحت عنوان "اسرائيل والخليج، اطار جديد للأمن في الشرق الأوسط"، وكاتب هذه الدراسة هو السيد دوري غولد، الذي كان احد المتعاونين النشيطين مع معهد واشنطن، ثم اصبح بعد ذلك مستشاراً لرئيس الوزراء السابق نتانياهو، وأتوقع ان يعود الى واشنطن مرة اخرى ليعد مثل هذه الدراسات، خصوصاً انه الآن سيعود خبيراً، ينظر الى آرائه هناك بالكثير من الاهتمام. وهو في الدراسة ينصح بدق إسفين بين دول الخليج ببعضها بعضاً، وبإضعاف علاقة الخليج مع الدول العربية الاخرى وايران. ولعله من المفيد مع موجة التفاؤل غير المبررة لدى بعض الأوساط بوصول باراك الى رئاسة الوزراء في اسرائيل ان نؤكد على اهمية قراءة هذه الدراسة من جديد، لنرى بوضوح نيات اسرائيل الخبيثة تجاه العرب بصورة عامة والخليج بصورة خاصة. وقد صدر من معهد واشنطن حديثاً دراسة تحت عنوان "وسائل اعلام جديدة سياسات جديدة؟ من المحطات الفضائية الى شبكات المعلومات "الإنترنت" في العالم العربي"، أعد هذه الدراسة السيد جون الترمان، وهو باحث في معهد واشنطن للشرق الأدنى وله دراسات عن المنطقة. وفي هذه الدراسة يستعرض الترمان التطور التكنولوجي في الاعلام العربي المهاجر سواء المحطات الفضائية او الصحف، او "الإنترنت"، ويشرح النتائج المتوقعة لهذا التطور الذي سماه الثورة الإعلامية بين الدول العربية ومواطنيها، وبين الدول العربية بعضها بعضاً، وبين العالم العربي وبقية العالم. وفيما يرى ان المعلومات قوة، وفي العالم العربي حيث تتحكم الحكومات بوسائل الاعلام، اتاح التطور التكنولوجي الجديد، من المحطات الفضائية الى "الإنترنت" للمواطن العربي مدخلاً للمعلومات غير مسبوق، الى حد ان تغيير موازين القوى بينه وبين حكوماته. ان المحطات الفضائية التي غطتها الدراسة كنموذج هي محطة الشرق الأوسط MBC والجزيرة، ومحطة العرب الإخبارية ANN وأوربت، وراديو وتلفزيون العرب ART وقد حظيت "الجزيرة بالذات بالإشارة الى انها أنهت مفهوم الرقابة وعمقت مفهوم الحرية. وأما الصحف العربية المهاجرة، التي غطتها الدراسة فهي الشرق الأوسط، الحياة، والقدس العربي وخصصت الدراسة قسماً كبيراً للإنترنت ودورها في تحطيم الرقابة وفي خلق واقع جديد في عالم المعلومات. ويرى الترمان ان هذه التطورات التكنولوجية التي تخطت الحدود العربية، وألغت الرقابة من الناحيتين السياسية والاجتماعية ستشكل ولادة جديدة لهوية عربية. وان هذه الكمية الهائلة من المعلومات ستؤدي الى تطوير الاجهزة الاعلامية لتكون اكثر قبولاً وأكثر تأثيراً. كما يعتبر ان وسائل الاعلام العربية المهاجرة محتوم عليها ان تنمو مع نمو التكنولوجيا. ورغم ان الربح التجاري بصورة عامة هو الدافع لأصحاب هذه الأجهزة الا ان تأثيرها سيكون كبيراً ليس في السياسة فقط بل في مجالات الحياة المختلفة. وفي ما يتعلق بالسياسات الاميركية فيلاحظ الباحث انها تتمتع بتأييد من الحكومات العربية ولكن هذا التأييد مفقود لدى الرأي العام العربي. ويستنتج ان الاعلام العربي المفتوح هو بالنسبة الى الولاياتالمتحدة عملة ذات وجهين، فمن ناحية تدعم الولاياتالمتحدة حقوق الانسان بصورة عامة وحرية التعبير بصورة خاصة والتطور الجديد يخدم هذا التوجه. ولكن من ناحية اخرى فان الرأي العام الذي يعكس نفسه من خلال هذه الأجهزة هو بصورة عامة غير متعاطف مع السياسات الاميركية، ولذلك فان هذه التطورات ممكن ان تؤدي الى مزيد من الاستياء والعداء لهذه السياسات. والأهم من ذلك ان هذه الدراسة لم تكتف بتقويم وسائل الاعلام المهاجرة ومدى تأثيرها على العقل والوجدان العربي، ومساهمتها في صياغة الهوية العربية بل نقدم النصائح والتوصيات لصناع القرار. ويقول الترمان "ان برامج هذه المحطات الفضائية المتحررة من قيود الرقابة التقليدية، وصفحات الإنترنت ستكون ميدان المعركة لقلوب وعقول العرب في القرن القادم لذلك فان على الولاياتالمتحدة ان تقوم بحملة تتسلح فيها بالتقنية العالية من "ديبلوماسية المعلومات" وترقى الى مستوى التحدي المطروح". وأرى ان من الأهمية بمكان استعراض التوصيات او ما أطلق عليه السيد الترمان النصائح لصناع القرار الاميركي، فهو يرى "ان هناك طبقة عربية تتناغم دولياً بدأت في الظهور، فالتطور التكنولوجي في عالم المعلومات يساعد الى حد ما ويعكس الى حد آخر بروز برجوازية جديدة في العالم العربي، وهذه الطبقة بصورة عامة متعلمة تعليماً جيداً وكثيرة الأسفار. والعرب من هذه الطبقة هم الذين ولدوا بين عام 1960 - 1970 ورغم ان هذا الجيل ليس موحداً فكرياً فان هناك ما يجمع بينهم، وكقادة للرأي سيلعبون دوراً في تشكيل مواقف دولهم تجاه الغرب ومصالحه في المنطقة وحول العالم". ومن ناحية اخرى يرى الترمان ان على الغرب "ان يكسب تأييد العرب بين المتحدثين باللغة العربية من الطبقة الوسطى، وهؤلاء هم الذين يتعاملون مع وسائل الاعلام الحديثة من محطات فضائية وجرائد عربية دولية، وقد أبدى هؤلاء اهتماماً بالشؤون الدولية وتفهماً لوجهات النظر المختلفة. وعلينا في الغرب الاهتمام بالمساهمة في توجههم"، كما "علينا ان نتفهم اكثر ما يتعرض له الرأي العام العربي من تغيير، فرغم تعاطف الحكومات مع سياسات الغرب والسلام مع اسرائيل الا ان وسائل الاعلام أثرت تأثيراً معاكساً لدى الرأي العام العربي وعلينا ان نتنبه لذلك لو تؤثر على وسائل الاعلام هذه"، ثم يستعرض التوصية الأخيرة التي يرى فيها انه "رغم ان الحكومة الاميركية ادركت في السنوات الاخيرة اهمية تأثير الصور المرئية في تكوين الرأي العام في اميركا، ولكنها لم تفهم بنفس القدر تأثير هذه الصور خارج الولاياتالمتحدة. وتأثير وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمشاهدة سيزداد في العالم العربي، وبالتالي فان علينا في الولاياتالمتحدة ان لا نهمل اي وسيلة من هذه الوسائل، وان نرسم استراتيجية لذلك في العالم العربي واضعة هذه الحقائق في الاعتبار". وانطلاقاً من ذلك هل من حقنا ان نطالب مراكز دراساتنا وجامعاتنا ان تقوم بدور مشابه لما تقوم به مراكز الدراسات في الدول المتقدمة. هذه الدراسة وما حوته من تقييم لوسائل الاعلام وتأثيرها على الانسان العربي، والنصائح التي قدمها السيد الترمان في دراسته ما هو غني عن التعليق. فهم يدركون التأثير الكبير لهذه الاجهزة على عقل الانسان العربي ووجدانه ويسعون للوصول الى هذا الانسان والتأثير عليه بما يضمن استمرار تحقيق مصالحهم. فهل نحن مدركون بنفس القدر أهمية هذه الأجهزة؟ وهل نعمل بنفس القدر للتأثير على عقل ووجدان المواطن العربي بما يحفظ له هويته العربية الاسلامية، ويحقق التلاحم بين ابناء الأمة ويحفظ مصالحنا ويضمن لنا مستقبلنا. * سياسي قطري.