كل من المواضيع التالية يستحق تعليقاً مستقلاً، الا انني لا استطيع اهمال المواضيع الاخرى اياماً، لذلك رأيت ان اعلق على بعض المختارات اليوم قبل ان تضيع في الزحام. عقد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ندوة موضوعها "وسائل اعلام جديدة، سياسات جديدة. من تلفزيون الاقمار الاصطناعية الى الانترنت في العالم العربي". وقرأت تقريراً عن البحث وجدته حسن الاطلاع وموضوعياً. جون الترمان، مدير نشاطات الشرق الأوسط في المعهد الاميركي لدراسات السلام، لاحظ زيادة دفق المعلومات على العالم العربي بفضل التكنولوجيا الجديدة المتوافرة، ما يضمن حواراً يشارك فيه العرب المقيمون في الخارج. وهو زاد ان حرية وسائل الاعلام وانتشارها ستتأثر بعاملين، الأول القدرة الاقتصادية، والثاني القيود من الانظمة العربية غير الديموقراطية. اما البروفسور ابراهيم كروان، وهو من جامعة يوتاه، فقد قال ان زيادة تدفق المعلومات لا يعني تغييراً ثورياً في التفكير السياسي، فهناك عوامل اخرى مؤثرة. وأضاف ان للدول العربية وسائل فعالة للتأثير في الاخبار، ما يعني ان من السابق لأوانه الحديث عن انتهاء الرقابة. مرة اخرى البحث كله كان موضوعياً دقيقاً راقياً، الا ان ما توقفت عنده هو الاستنتاج العام ان الولاياتالمتحدة ستستفيد اذا اتصلت بالشعوب العربية من فوق رأس حكوماتها، او من وراء ظهرها، او ان الانظمة العربية ستقاوم مثل هذا الاتصال خوفاً من حقوق الانسان وحرية التعبير وما الى ذلك من شعارات اميركية. الواقع ان السياسة الاميركية غير شعبية اطلاقاً بين الشعوب العربية، وعملية السلام نفسها مفروضة على هذه الشعوب، فلو اعطيت خياراً لرفضت السير بها بالشكل الحالي. وهكذا فلو كانت هناك ديموقراطية في البلدان العربية لكانت ممارستها ضد السياسة الاميركية لا معها. وقد رأينا ردود الفعل السلبية على ضرب العراق الاسبوع الماضي. قرأت قبل ايام مقالاً نادراً في تحامله وخلطه السم بالدسم موضوعه ابو عمار. وما كنت اهتم بالمقال لولا ان كاتبه ماكس بوت هو المسؤول عن صفحة الافتتاحيات في "وول ستريت جورنال". ويبدو من اسمه انه يهودي اميركي، وهذا ليس مشكلة، ففي مقابل الليكوديين من هذا النوع أو امثال ا. م. روزنتال ووليام سافاير، هناك توم فريدمان وانطوني لويس وكثيرون غيرهما. ولن اسرّ بوت بنقل شيء من مقاله، وانما اسجل وصفه بأن سورية والعراق وايران "فتوات" يحملون الصواريخ، وان الرئيس عرفات هو اكبر خطر على استقرار المنطقة. ابو عمار اضعف من ان يهدد احداً، اذا افترضنا ان هذه رغبته، اما الخطر على المنطقة، فهو من دولة عسكرية توسعية تملك اسلحة نووية ووسائل ايصالها الى اهدافها، وتمارس جرائم ضد المدنيين كل يوم. الا ان بوت يرى خطر دول نؤيدها كلياً في امتلاك كل سلاح دمار شامل تستطيع ان تضع ايديها عليه طالما ان اسرائيل ترسانة مسلحة. ومرة اخرى، ما كنت اعلق عليه لولا عمله، فصفحة رأي او افتتاحيات لا يمكن ان تكون موضوعية في يديه. حذرت السفارات الاميركية في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والامارات العربية المتحدة من وجود "احتمال قوي" بتنظيم هجوم ارهابي على هدف اميركي او اكثر في المنطقة خلال الاشهر القادمة. ولم تحدد السفارات مصدراً لهذا التهديد، الا انها اكدت وجود معلومات في حوزتها عنه. شخصياً اشعر بأن هذا التحذير المتكرر يضر ولا ينفع، فالسفارة الاميركية في الرياض حذرت غير مرة، كان آخرها في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، من هجوم ارهابي ولم يحدث شيء. وتصبح مشكلة السفارات كالولد الذي صرخ "الذئب، الذئب" مرة بعد مرة حتى لم يبق احد يصدقه عندما جاء الذئب فعلاً. بكلام آخر، لا اصدق ان عند الحكومة الاميركية "معلومات" حقيقية عن هجوم ارهابي محتمل، فلم يحدث بعد ان احبطت عملية من هذا النوع في اي بلد في السابق، ما يثبت ان الاستخبارات الاميركية لم تخترق بعد اي تنظيم ارهابي معروف. في أهمية ما سبق ان نسجل شيئاً منطقياً جداً، فقد تعرضت اهداف اميركية فعلاً الى هجمات ارهابية، في الشرق الأوسط وافريقيا وكل مكان، والارجح ان تقع هجمات في المستقبل، فهناك ارهابيون يخططون لمثل هذه الهجمات، لذلك اذا صدر تحذير ووقع هجوم بعده، فهذا لا يعني البتة ان التحذير كان يستند الى معلومات حقيقية، وانما يعني ان التحذير والهجوم الارهابي التقيا صدفة، طالما انهما متكرران. ولو قلت كل يوم ان الدنيا ستمطر، فسيأتي يوم تمطر فيه، ولو كنت في الصحراء الغربية. افضل من عمليات التخويف التي تمارسها السفارات، ان يكون هناك جهد حقيقي غير معلن تشترك فيه اجهزة الاستخبارات الاميركية كافة مع اجهزة الأمن المحلية لدحر الارهاب بمطاردة الارهابيين وعدم ترك اي مكان آمن لهم يستخدمونه قاعدة للقتل والتدمير. وأفضل من هذا وذاك الا تمارس الولاياتالمتحدة سياسة تستعدي العرب والمسلمين عليها. اشعر بأنني اثقلت على القارئ فأختتم بشيء خفيف، فقد تلقيت دعوة لحضور قمة اقتصادية في موناكو. بصراحة، لا افهم في الاقتصاد شيئاً ولكن سأحضر مؤتمر "المصارف والمال والتجارة" الذي ينظمه منبر كران مونتانا لأنه في موناكو، فاليها تشد الرحال، ولو كان المعقود مؤتمر قعر لا قمة. اما لو عقد المؤتمر في غزة فسأرسل اليه وزراء اوبك الذين كانوا يجتمعون في بالي، ولا ندعى لمشاركتهم افراحهم، وصاروا الآن يتوقعون ان ننضم اليهم في موقاديشو بعد هبوط اسعار النفط.