تميز معرض لوبورجيه الجوي الذي أقيم في ضاحية باريس بين 12 و20 الشهر الجاري بحضور إسرائيلي لافت دل علي رغبة إسرائيل في الترويج لصناعاتها الحربية والتقنيات التي طورتها اعتماداً على الخبرات التي حصلت عليها من الغرب ومن المعسكر الشرقي السابق، عن طريق عشرات آلاف الخبراء والمهندسين اليهود الذين هاجروا اليها من روسيا. وعلى خلاف بقية الأجنحة لدول أكثر عراقة وذات معروضات أكبر وأكثر أهمية سمحت بدخول الزوار بكل حرية، تمسّك رجال الأمن الإسرائيليون بفرض إجراءات تفتيش صارمة على الزوار الذين دخلوا للتفرج على المعروضات في الداخل في حين أحاط طوق من رجال الأمن السريين الاسرائيليين ورجال الشرطة الفرنسيين بالمعروضات الخاصة بمؤسسة "الصناعات الجوية الاسرائيلية" على مدرج المطار الحربي، الذي تنظم فيه دورة مرة كل عامين في ضاحية باريس. وتعين على المشاهدين الزوار الذين قدموا للقاء العارضين الاسرائيليين أو التفرج على معروضاتهم المرور عبر أجهزة تفتيش بالأشعة وأجهزة التفتيش عن الأجسام المعدنية. وكان أبرز المعروضات صاروخ التقاطع "آرو" حيتس بالعبرية ومعناها السهم الذي تصنعه مؤسسة "الصناعات الجوية الاسرائيلية" والذي تراهن اسرائيل أنها تستطيع تطويره اعتماداً على المساعدات الأميركية لتجاوز خطر الصواريخ البالستية التي باتت في ترسانة دول عربية وشرق أوسطية عدة. وكان بالامكان مشاهدة الصاروخ مع منصته المقطورة، وتستطيع البطارية إطلاق ستة صواريخ. وحرص العارضون الاسرائيليون على وضعه في شكل بارز للفت أنظار المشترين المحتملين وللتدليل على ترويجهم لنظام سيكون في حال اكتمال التجارب عليه أحد أول الأنظمة من هذا النوع في العالم. وعرض الاسرائيليون تجهيزات عدة حربية وذات استخدام مدني وبينها جهاز تبريد لمحركات الطائرات تم التعاقد مع شركة أميركية لشراء طلبية منه بقيمة خمسة ملايين دولار. وأظهرت المعروضات، وإن كان بعضها بحجم مختلف عن الحجم الحقيقي للأسلحة والطائرات والمعدات على جاري العادة في معارض دولية من هذا القبيل، قدرة الاسرائيليين على استخدام الخبرات التي حصلوا عليها بالطرق المشروعة وغير المشروعة لتطوير الأسلحة المصنوعة في الولاياتالمتحدة وفي المعسكر الشرقي، لا سيما روسيا. وتطور اسرائيل طائرة "ميغ 29" ضمن مشروع ألماني - اسرائيلي مشترك، وذلك عن طريق تحديث راداراتها وأجهزة التصويب والاجهزة الملاحية ونظم الاتصال. ولم تُعرض هذه الطائرة في لوبورجيه بل عُرضت طائرة أخرى من طراز "ميغ 12 بيس" يتم تطويرها بين شركة "إلبيت سيستمز" الاسرائيلية بالتعاون مع شركة "آيروستار" الرومانية المعروضة للبيع حالياً في إطار برنامج تخصيص محلي. وكان النموذج المعدّل والمطور من الطائرة، ويحمل اسم "ميغ 12 لانسر"، عرض في معرض فارنبره في ضاحية لندن العام الماضي. ولكنه كان في وضع الثبات على الأرض. إلا أنه قدّم في معرض لوبورجيه عرضاً جوياً حياً قاده الطيار الاسرائيلي يهودا شافير الذي كان قاد الطائرة في أول رحلاتها التجريبية الأولى في تشرين أول أكتوبر الماضي. ويتميز هذا الطراز بأنه يملك إمكانات تشغيلية وأداء قتالياً أفضل لا سيما على صعيد القدرة على المناورة والاشتباك وعمليات الاعتراض والهجوم جو - جو وجو - بحر وجو - أرض، علاوة على القدرة على تنفيذ مختلف أنواع العمليات القتالية والاعتراضية في جميع الأحوال الجوية، وهو مزود بمقابس تسمح بتحميل الطائرة صواريخ وقنابل شرقية أو غربية الانتاج، وأجهزة تصويب بالليزر والتعرف إلى الأهداف. ويثير الجناح الاهتمام نظراً إلى أنه يقدم فكرة عن خبرة الاسرائيليين في التعامل مع أنظمة تسلح تعتبر رئيسية في بعض الجيوش العربية ومنها طائرة "ميغ 21" و"أف 16" التي عرض الاسرائيليون طرازاً معدّلاً عنها أكثر تطوراً من الطراز الأميركي الذي كان ينتج سابقاً، قبل إدخال تطويرات انسيابية على المحرك وزيادة قوة دفع المحركات. وتشكل صناعة الأسلحة والتجارة بها أحد أركان الاقتصاد الإسرائيلي وقطاعاً ذا بعد استراتيجي، لأنه يؤمِّن دخلاً بالعملات الصعبة ويخفّض فاتورة الواردات العسكرية ويمنح اسرائيل القدرة على تطوير أسلحتها في شكل مستقل عن المورّدين الدوليين، كما يتيح لها وضعاً فريداً للاستفادة من علاقاتها الخاصة مع الأنظمة الديكتاتورية التي لا تستطيع الدخول في عالم التحالفات الكبيرة وتسعى إلى التعامل مع مورّد للسلاح لا تحكمه الاعتبارات الأخلاقية التي تخضع لها السياسة الدولية أحياناً. وتعتبر إسرائيل أحد أبرز ستة موردين للسلاح في العالم، وهي تحاول تحسين موقعها الحالي في السوق الدولية لإدراكها أن احتمال توقيعها السلام مع البلاد العربية سيحتم عليها خفض إنفاقها الحربي ما قد يؤدي إلى تعطيل صناعاتها الحربية وتسريح عشرات آلاف العاملين فيها وخسارة عنصر تفوق استراتيجي تراهن اسرائيل عليه للابقاء على التوازن مع العالم العربي. وضمنت اسرائيل عام 1997 مبيعات بقيمة 5،1 بليون دولار، بعدما سجلت صادراتها الحربية نمواً قدره 12 في المئة في مدى عام واحد. وكانت الولاياتالمتحدة صدّرت عامذاك أسلحة بقيمة 21 بليون دولار شكلت 45 في المئة من سوق السلاح الدولية، في حين صدّرت المملكة المتحدة بقيمة 6،8 بليون دولار وفرنسا بقيمة 4،7 بليون دولار وروسيا بقيمة 5،2 بليون دولار. وتحاول إسرائيل التي لا تملك الأموال الكافية لتطوير أنظمة تسلح رئيسية كبيرة، والتي تعتمد علي سرقة الخبرات التقنية من الغرب وروسيا لتطوير أنظمتها الخاصة، التركيز على سوق محددة هي سوق تطوير السلاح الموضوع في الخدمة والأنظمة الحربية التي تتراجع أسعارها في السوق الدولية، مستخدمة لهذا الغرض الخبرة التقنية التي جمعتها شركاتها، ما يسمح بتحقيق فائض قيمة أكثر ربحية وأجدى عملياً مما قد تُدرّه عليها منافسة الشركات الغربية العملاقة التي تملك إمكانات تمويلية لا عهد للشركات الاسرائيلية بمجاراتها. وبين المشاريع الرئيسية التي تطورها الجيوش الغربية مشروع بناء طائرات تجسس صغيرة ذات قدرة على التحليق فترة طويلة في الهواء، وهي تشكل سوقاً بقيمة تفوق 20 بليون دولار في السنوات العشر المقبلة، وهي طائرات من دون طيار مزودة بمعدات تصوير ومراقبة متقدمة تتبارى الجيوش الغربية على تطويرها لاستخدامها في مسارح العمليات الحربية التي تعتمد على التكنولوجيا والقوة النارية الكاسحة أكثر من اعتمادها على القتال المباشر بين الجنود. وعُرضت ثلاث نماذج اسرائيلية من الطائرات من دون طيار باشكال ومديات مختلفة.. وبين أبرز المعروضات الأخرى التي شهدها الجناح الاسرائيلي في لوبورجيه طائرة "أم. آي 24 -35" المروحية الروسية الصنع التي تسمى الدباية الطائرة والتي سمحت نماذج مشابهة لها للقوات السوفياتية في أفغانستان بخوض حرب جبلية صعبة ضد عدو مُحْتَمٍ بالتضاريس الطبيعية. وتميز النموذج المعروض بامتلاكه أنظمة تصويب ليلية ونهارية وأجهزة تثبيت وكاميرا رؤية ذات شاشة ملونة وباحث تقصي يعمل بالليزر.