كان امكان التعاون في مجال الامن احد العوامل المؤثرة في قرار رئىس الوزراء الهندي بي. في. ناراسيما راو في كانون الثاني يناير 1992 اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع اسرائيل. فالتهديدات التي تواجهها الهند واسرائيل مختلفة، لكن التبريرات لتحديث ترسانة اسلحتهما او تعزيزها او تصدير السلاح متشابهة. ستتحمل المشاريع العسكرية الاساسية للهند اذا لم تتلق مساعدة خارجية اكلافاً وتأخيرات اضافية، وحتى في حال اكمالها لا يُستبعد ان تتقادم بسرعة. وعلى نحو مماثل، ستكون الخطط البعيدة المدى لاسرائيل مهددة اذا لم تتمكن من تصدير خبراتها او تحصل على تمويل خارجي لابحاثها. فالمساعدات الاميركية بلغت ذروتها وقد تتراجع فعلاً في المستقبل. ويذكر انه يمكن للهند واسرائيل ان يطوّرا تعاوناً امنياً قوياً يعود بالمنفعة على الطرفين ويمكن ان تصبح فيه اعمال البحث والتطوير والانتاج المشترك اكثر جاذبية وفائدة من مبيعات الاسلحة وحدها. وساعد انتهاء الحرب الباردة وتهدئة التوتر الدولي واستعداد البلدان العربية للتفاوض في شأن السلام مع الدولة العبرية، وعملية مدريد للسلام، على تمكين ناراسيما راو من اتباع سياسة جديدة تجاه اسرائيل. واعقب افتتاح سفارتين في اواخر 1992 سيل منتظم من الزيارات السياسية والتجارية. ولا يمكن للمرء ان يتجاهل العوامل الامنية التي اثرت على قرار راو. فغياب علاقات ديبلوماسية لم يمنع الهند من طلب المساعدة من اسرائيل والحصول على كميات محدودة من الاسلحة الصغيرة والذخيرة خلال ازمات مثل النزاع الصيني - الهندي في 1962 وحربي الهندوباكستان في 1965 و 1971. كان التأثير العسكري لهذه الاسلحة هامشياً، لكنه كان مؤشراً الى نوع من التعاون الامني. كما كان هناك تعاون مديد بين "جهاز الابحاث والتحليل" راو ونظيره الاسرائيلي "الموساد". واستمر مثل هذا التعاون حتى عندما كانت انديرا غاندي، التي اتسم موقفها بشكل عام تجاه اسرائيل بالفتور، رئيسة وزراء 1966 - 1977 و 1980 - 1984. وحسب احد التقارير، فان جهاز "راو" كان يوفد موظفيه الى اسرائيل ليتلقوا تدريباً متخصصاً. كما طُلب في نهاية 1984، في اعقاب اغتيال انديرا غاندي، من خبير امني اسرائيلي كبير ان يقدم المشورة في شأن الانظمة الامنية الخاصة برئىس الوزراء. وافاد التقرير ان من المحتمل ان يكون جهاز "راو" اشترى ايضاً معدات استخبارية الكترونية من اسرائيل. وحتى عندما كانت القيادة السياسية تتبنى سياسة لا يمكن ان توصف بانها ودية تجاه اسرائيل، كان شعوراً مختلفاً يسود المؤسسة العسكرية/ الامنية الهندية في ما يتعلق بتقديرها المهني لخبرة اسرائيل العسكرية. وكانت المؤسسة الامنية في الهند تتابع عن كثب مغامرات اسرائيل العسكرية ونجاحاتها، مثل قصف مفاعل "اوزيراك" النووي قرب بغداد في 1981 وتدمير طائرات "ميغ" سورية فوق لبنان في السنة التالية. على سبيل المثال، ادى اسقاط طائرات ال "ميغ" السورية في معارك جوية دون اصابة اي طائرة اسرائيلية الى إثارة مخاوف الهند لان طائرات ال "ميغ" كانت تؤلف العمود الفقري لسلاحها الجوي. وفاقم التوتر في قيادة سلاح الجو قرار الولاياتالمتحدة في تلك الفترة تزويد باكستان طائرات حربية من طراز "إف - 16" التي اثبتت تفوقها في عملية وادي البقاع. المخاوف العسكرية المتبادلة لا يتمحور التعاون الامني الهندي - الاسرائيلي في الوقت الحاضر حول عدو مشترك. فمن المستبعد ان تشاطر الهند اسرائيل مخاوفها في شأن ايران والتطرف الاسلامي، او ان تشاطر اسرائيل الهند مخاوفها في شأن الصين. فنظراً للعلاقات السياسية التقليدية والقرب الجغرافي والاعتماد على امدادات النفط وهجرة اليد العاملة الى الشرق الاوسط، من المستبعد ان تتخلى الهند عن صلاتها الوثيقة مع العالم العربي. ويبدي المسلمون الهنود التعاطف تجاه البلدان الاسلامية وساهم موقفهم المعارض المحسوس لدرجة كبيرة في غياب علاقات سياسية لفترة طويلة بين الهند واسرائيل. وتشير اعمال العنف في كشمير والتفجيرات المتكررة في اماكن مختلفة في انحاء البلاد الى ان الهند ليست في منأى من التطرف الاسلامي. لكن من المتوقع ان يكون التطرف الاسلامي، اقلها في المستقبل المنظور، قضية عالمية اقل بروزاً بالنسبة الى الهند مما هو الحال بالنسبة الى اسرائيل. وعلى العكس تماماً، لاعتبارات داخلية وايضاً اقليمية، ستواصل الهند وتعزز تعاونها مع ايران، كحليف رئيسي في التصدي لحملة باكستان المناهضة للهند في العالم الاسلامي. كما انها تنظر الى ايران كطريق ترانزيت رئيسية للعلاقات الاقتصادية مع جمهوريات آسيا الوسطى. من جهة اخرى، من المستبعد ان تتخلى اسرائيل عن صلاتها العسكرية القائمة منذ عقدين مع الصين كي تطمن الهند. وعلى عكس التعبير العلني عن مخاوف اسرائيل في شأن شكوك بوجود تعاون نووي بين الهندوايران، ليست هناك اي مؤشرات الى ان الهند اثارت قضية الصين خلال محادثات ثنائية مع اسرائيل. وينبغي الاّ يُنظر الى هذا السكوت كعلامة على اذعان الهند او موافقتها. فتورط اسرائيل ومشاركتها في مشاريع مثل مشروع الطائرة المقاتلة "إف - 10"، سيضعف بلا شك المصالح الامنية البعيدة المدى للهند. وستنظر الهند حتماً باحساس من القلق الى التعاملات ذات الصلة بالامن. وتحتاج الهند واسرائيل على السواء الى تخفيف الاعتماد على عوامل خارجية لضمان الامن. فاعتمادهما على روسياوالولاياتالمتحدة للحصول على الاسلحة والتكنولوجيا والمساعدات المالية يضعف بشكل كبير قدرتهما على المناورة سياسياً وديبلوماسياً. وحتى قرارات تجارية مثل شراء طائرات مدنية تخضغ لضغوط سياسية، مثلاً قرار الهند منح عقد تطوير طائرات "ميغ -21" الى روسيا. واذا كانت التكنولوجيا عاملاً معيقاً بالنسبة الى الهند، فان السوق الداخلية المحدودة تمثل عقبة رئيسية بالنسبة الى اسرائيل. وفي الوقت الذي يمكن للظروف الاقتصادية السائدة ان تمنع تحقيق استقلال تكنولوجي كامل، فان تعاوناً حسن التخطيط سيقلل بشكل كبير من اعتمادهما في الشؤون العسكرية على روسياوالولاياتالمتحدة على التوالي. ومن الضروري التذكير بان من المستبعد ان تكون العلاقات العسكرية بين الهند واسرائيل علاقة من نمط "ادفع وانقل". فليس هناك مال يُدفع نقداً لدى الهند، ولا تملك اسرائيل الكثير من الانظمة الكاملة التي تحتاج اليها الهند. وجاء تطبيع العلاقات في الوقت الذي ادى فيه تفكك الاتحاد السوفياتي وتعدد المجهزين الى جعل الهند في وضع مهدد للغاية، وكانت اي مواجهة عسكرية في تلك الفترة ستكون كارثية. كما ان وضع الصناعات العسكرية الاسرائيلية ليس مشجعاً. فالركود الذي اعقب الغاء الطائرة المقاتلة "لافي" في 1987 لا يزال مستمراً، وصرف ثلث قوة العمل لم يحسّن الوضع. وحتى بعد مبيعات بلغت قيمتها حوالي بليوني دولار معظمها صادرات في 1997، اُضطرت "صناعات الطيران الاسرائيلية" آي. أي. آي. ان تعتمد على مساعدات حكومية لتدفع اجور العاملين فيها. ومع تراجع طلبيات الجيش الاسرائيلي، تتعرض الى الخطر قدرة اسرائيل على الاقتصاد في الانتاج او تطوير اسلحة خاصة او الاستمرار في الابحاث والتطوير. مجالات التعاون يمكن للمرء ان يحدد، من خلال الزيارات والاتصالات الرفيعة المستوى التي ترد في وسائل الاعلام ولكن نادراً ما تتحدث عنها كلا الحكومتين، بعض مجالات التعاون الامني. وهي تدور حول المحاولات الطموحة للهند لتصميم وتطوير وانتاج اسلحة رئيسية. وتتابع الهند تنفيذ عدد من المشاريع الخاصة وحققت تقدماً مهماً في بعضها. وادت مخاوف الغرب في شأن تصدير تكنولوجيات الاستخدام المزدوج وتصميمه على منعها، وتفكك الاتحاد السوفياتي، الى تأكيد اهمية التقدم التكنولوجي الوطني. وتؤيد الهند وجهة النظر القائلة بان مخاوف الغرب المتعلقة بالحد من انتشار الاسلحة غالباً ما تكون غطاءً لاعتبارات تجارية. وتضم "دي. آر. دي. او."، التي تتولى اجراء الابحاث المتعلقة بشؤون الدفاع، 50 مختبراً ومؤسسة تنتشر في انحاء البلاد. وتساهم هذه المنظمة، التي تكافىء تقريباً نظيرتها الاسرائيلية "رفائيل"، في انشطة تصميم وتطوير "في مجموعة متنوعة من الاختصاصات، مثل هندسة الطيران والاسلحة وعربات القتال والتكنولوجيا البحرية، والصواريخ والقذائف، وعلوم الكومبيوتر، والالكترونيات وتطوير المعدات من ضمنها الاتصالات واجهزة الرادار والحرب الالكترونية، والأتمتة واجهزة الانسان الالي، والهندسة، وابحاث تضاريس الارض، وسلامة المتفجرات، والمواد المعدنية وغير المعدنية والمركبة، وعلوم الاحياء من ضمنها الزراعة على ارتفاعات عالية، وعلم الوظائف في المناطق المرتفعة والصحراوية، والغذاء، والطب النووي، وعلم النفس، والتمويه، والتنبؤ بالانهيارات الجبلية والسيطرة عليها، والابحاث المتعلقة بالعمل، وتحليل الانظمة، وانظمة التدريب والمعلومات". وكنتيجة لذلك ستكون منظمة "دي. آر. دي. او." في مقدم اي شراكة امنية بين الهند واسرائيل. الطائرة الخفيفة لا يزال تطوير طائرة مقاتلة خفيفة "إل سي أي" هو البرنامج العسكري الاكثر طموحاً الذي تنفذه "دي. آر. دي. او." حالياً. وتبنت الهند هذا الخيار لانها، كقوة جوية متوسطة الحجم، ترغب في تحرير حاجاتها الدفاعية من الضغوط الخارجية. ونظراً لامتلاكها سوقاً داخلية كافية فانها لا تحتاج الى الاعتماد على التصدير لتغطية كلفة الانتاج. فالهند تملك حالياً، على سبيل المثال، اكثر من 300 طائرة من طراز "ميغ - 21" من ضمنها ال 125 طائرة التي سيجري تحديثها ينبغي ان تُستبدل في غضون عشر سنوات. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، اصبحت كلفة استبدال هذه الطائرات وغيرها من الانواع القديمة باهظة ويتعذر تغطيتها. وكانت "دي. آر. دي. او." اطلقت برنامج تطوير الطائرة المقاتلة الخفيفة في 1983 بهدف استبدال طائرة "اجيت" المصنّعة بترخيص في الاصل طائرة "غنات مارك 1" البريطانية وطائرات "ميغ - 21" بحلول 1991. وتزامن اطلاق البرنامج مع حماس الهند للحصول على بدائل غير سوفياتية لتلبية حاجاتها العسكرية ولخفض اعتمادها على موسكو بشكل تدريجي على صعيد الامدادات العسكرية. وعلى رغم ان اعتماد الهند على مصدر واحد لامدادها بالسلاح لم يكن حاداً كما هو حال اسرائيل، فانه كان كبيراً ويكاد يكون كلياً في ميادين اساسية معينة. وقُدّم برنامج الطائرة الخفيفة باعتباره البديل الاجدى اقتصادياً والارخص نسبياً لسلاح الجو في مطلع القرن المقبل. وعرض اول نموذج لهذه الطائرة في 17 تشرين الثاني نوفمبر 1995، وتقرر إرجاء اول اختبار لها في الجو الى نهاية 1998، مع اتخاذ خطوات "لتسريع وتيرة التطوير والتصنيع والاختبار في الجو والترخيص لها بالطيران، وصولاً الى ادخال الطائرة في سلاح الجو الهندي بحلول السنة 2003". ومنذ البداية، مثل مشاريع اخرى كثيرة، اُبتلي برنامج الطائرة المقاتلة الخفيفة بقيود تكنولوجية ومالية. فبعدما اختارت "دي. آر. دي. او." طريق الاستقلال التكنولوجي، وجدت نفسها معتمدة على تكنولوجيا اجنبية لتنفيذ هذا البرنامج. وحسب بعض التقديرات يتم استيراد حوالي 70 في المئة من مكونات الطائرة. ولا تؤدي التأخيرات في الجدول الزمني للانتاج الى زيادة الاكلاف فحسب، بل تجعل المنتوج النهائي يزداد تخلفاً على المستوى التكنولوجي. واذا جرى الالتزام بالجدول الزمني الحالي واُنجز البرنامج في 2005، ستكون هناك فجوة زمنية تبلغ 23 سنة منذ اطلاق المشروع. وكان تفضيل سلاح الجو لطائرة حديثة على طائرة من انتاج محلي مصنّعة بالاستناد الى نماذج سابقة احد العوامل التي ساهمت جزئياً في إبطاء التقدم. فقرار الهند شراء طائرة مقاتلة متعددة المهمات من روسيا في اعقاب قانون "هانك براون" الاميركي، الذي مكّن باكستان من الحصول على اسلحة ومشاريع متطورة من الولاياتالمتحدة، وضع ضغوطاً اضافية على الموارد المتوافرة لبرنامج الطائرة المقاتلة الخفيفة. ولا تختلف الصعوبات التي واجهت البرنامج من اوجه كثيرة عن العقبات التي صادفتها اسرائيل في مساعيها لتنفيذ مشروع الطائرة "لافي" الذي تخلت عنه في النهاية. وأدى عجز الحكومة عن تدبير تمويل منتظم ومستمر الى إبطاء المشروع. وحتى قبل اجراء اول اختبار للطائرة في الجو، كانت كلفة البرنامج بلغت حوالي 600 مليون دولار وتعرض الى انتقادات قاسية من اعضاء البرلمان. وستكون الخبرة الاسرائيلية مفيدة بشكل خاص في مجالات مثل الكترونيات الطيران وهياكل الطائرة ودمج المحرك والاسلحة في هيكل الطائرة. وتعود ملكية جزء كبير من التكنولوجيا التي طُوّرت خلال مرحلة الطائرة "لافي" الى اسرائيل، ويمكن تصديرها بسهولة الى الهند او ان تُقتسم معها. الى ذلك هناك تحديث الطائرات وهو يرتبط ببرنامج انتاج الطائرة المقاتلة الخفيفة، اذ لا يزال يتعين على الهند ان تنتظر حوالي عقد من السنين قبل ان تحصل على الدفعة الاولى من هذه الطائرة. والحصول على طائرات جديدة سيكون اكثر كلفة، وستؤدي مثل هذه الخطوة الى مزيد من الخفض في الموازنة المخصصة لبرنامج الطائرة الخفيفة. ونتيجة لذلك وقّعت الهند عقداً قيمته 400 مليون دولار مع موسكو لتحديث 125 طائرة من طراز "ميغ - 21" وإطالة عمرها 15 سنة. وعلى رغم ان اسرائيل اخفقت في الحصول على العقد الرئيسي الخاص بتحديث طائرات "ميغ - 21" الذي اُعطي للروس، فان سوق تحديث الطائرات في الهند لا تزال كبيرة وستشمل ما لا يقل عن 100 طائرة اخرى من طراز "ميغ" قبل استلام اول طائرة مقاتلة خفيفة من انتاج محلي. * زميل ابحاث في "معهد هاري ترومان لتحسين السلام"، الجامعة العبرية، اسرائيل. ** نشر المقال في مجلة "ميدل ايست ريفيو اوف انترناشونال افيرز" ميريا، المجلد الثاني، العدد 2، ايار مايو 1998.