لعل إحدى حسنات التدريس في الجامعة أنها تتيح لنا التواصل الدائم مع الشعراء الكبار في كل العصور، كما أن منهج تدريس الشعر العربي الحديث يفرض الربط بين حلقات التطور الشعري والإنتقال من مرحلة الإحياء إلى مرحلة التحديث عبر سلسلة طويلة من الشعراء يمثلهم أو يختزل دورهم - إلى منتصف الخمسينات - خمسة شعراء هم بالترتيب: محمود سامي البارودي، أحمد شوقي، خليل مطران، علي محمود طه، بدر شاكر السياب. ويلاحظ أن خليل مطران يشكل واحدة من الحلقات المهمة في هذه السلسلة فقد استطاع بكلاسيكيته الجديدة أن يكون الجسر الذي يربط بين جيل الإحيائيين والرومانطيقيين. وتميز كذلك في ان يجعل القصيدة وعاء للفكر كما هي وعاء للشعر. ويبدو لي ان مطران كان مؤهلاً لكتابة المسرح الشعري اكثر من احمد شوقي، لا لأنه - اي مطران - قد تولى ترجمة بعض روائع شكسبير الى اللغة العربية وانما لأن صلته بالمسرح اعمق، وثقافته الحديثة اوسع، ولأن قصائده مليئة بالنزعة الدرامية والقصصية، فضلاً عن كونه اول شاعر عربي - في حدود علمي - استخدم الرمز والأسطورة في القصيدة. إن لقب شاعر القطرين الذي اختير له من قبل عدد من اصدقائه الشعراء في مصر يبدو الآن غريباً ولا معنى له بعد ان اصبح هو ومجايلوه من أعلام تلك الحقبة المهمة شعراء لكل الأمة العربية. وبوسعي الآن أن اتذكر ابياتاً من قصيدة له كانت ضمن نماذج شعرية مختارة للحفظ في سنوات التعليم العام، كما ما زلت اذكر ان قصيدة "مقتل بزر جمهر" وهي من اهم قصائده قد تم توزيعها في اواخر الخمسينات - في بلادنا - كمنشور سياسي يفضح الطغاة ويحرّض على اسقاطهم وربما كانت تلك القصيدة السبب الذي دفع بي الى البحث عن ديوانه وتتبع آثاره الشعرية والنثرية. وقد انقطعت كل صلة لي بشعر خليل مطران فترة ليست بالقصيرة الى ان رجعت اليه في اطار اهتماماتي الأكاديمية. وفي اعتقادي ان المدارس والجامعات هي المكان المناسب لإثارة الإهتمام بأعلام الشعر العربي قديماً وحديثاً بعد ان بدأت الأجيال الجديدة من الأدباء والمتأدبين تنصرف عن قراءة الأسلاف ولا ترى في إبداعاتهم ما يروي الظمأ ويضيء نوافذ الروح.