ان لم تكن المختارات الشعرية التي أنجزها الشاعر العراقي عبدالقادر الجنابي وشاءها تحت عنوان "القصيدة العربية الحديثة"1 هي الأولى في اللغة الفرنسية فأنّها من دون شك أولى المختارات التي تتخطى "حاجز" الشعراء الروّاد منفتحة على الأجيال التي أعقبتهم وعلى التجارب الجديدة التي حفلت بها السنوات السبعون والثمانون. فالمختارات أو "الأنطولوجيات" كما تسمّى عادة السابقة لم تعر الشعراء الذين برزوا بعد مجلة "شعر" أي اهتمام لافت وكأنّ الحداثة توقّفت عند المجلة التاريخية واقتصرت على نتاج شعرائها. ولم تولِ هذه المختارات أيضاً قصيدة النثر الجديدة التي فرضت شعريتها المختلفة أي اعتناء مركّزة على قصيدة التفعيلة وعلى القصائد النثرية التي كتبها بعض الرّواد. فقصيدة التفعيلة في نظر معظم الذين وضعوا هذه المختارات هي الحصن الشعريّ الأخير الذي لا يمكن تجاوزه. وهذه القصيدة في نظر هؤلاء هي أقصى تجلّيات الحداثة إذ أن لا شعر من دون تفاعيل أو موسيقى. هكذا مثلاً رفض رينيه خوّام في مختاراته الشعرية الشهيرة وعنوانها "الشعر العربي"2 أن يعترف بأي قصيدة نثر جديدة أو حديثة مؤثراً مثلاً سميح القاسم على محمد الماغوط وأنسي الحاج وسواهما من شعراء قصيدة النثر. أمّا أدوار طربيه ولوك نوران في مختاراتهما 3 فأدرجا على مضض بعض قصائد النثر وبعض شعرائها من أمثال محمد الماغوط وأنسي الحاج وشوقي أبي شقرا... فيما أفردا مساحات رحبة لشعراء النهضة الأولى والثانية وبعض "نظّاميها" وللشعراء الذين توالوا لاحقاً ضمن شعرية البيت أو العمود والتفعيلة. وقد التمسا في شعراء قصيدة النثر "وعوداً" علماً أن المختارات صدرت في العام 1967 أي بعد عشر سنوات على انطلاقة مجلة "شعر". وإن كان رينيه خوام استهلّ مختاراته ببيت المتنبي الشهير "الخيل والليل..." في ترجمة غير دقيقة وان جعل الآخران طربيه ونوران أحمد شوقي في مطلع مختاراتهما فأنّ عبدالقادر الجنابي يستهلّ مختاراته بجملة للماغوط يعلن فيها أن صدره مملوء بالأوراق الممزّقة. وليس اختيار جملة الماغوط "الأرهابية" أو "الفوضوية" إلاّ خير تعبير عمّا آلت اليه القصيدة العربية الحديثة بعد تمزيقها "حجاب النحو المحافظ" كما يعبّر الجنابي وبعد "انعتاقها من مظاهر البلاغة السائدة". ولم يركّز الجنابي على مقولة "القصيدة" في عنوان مختاراته إلا ترسيخاً للقصيدة كجوهر وكيان، كبنية وموئل. وفي يقينه أنّ الشعر العربي لم يستحل قصيدة إلا "بعدما تخفّف متأخراً من المثال العروبي". أما القصيدة فهي "سليلة قطيعة في التصوّر فرضها التغيّر الجذري للعالم المديني". غير أنّ الجنابيّ ينطلق في مختاراته من حيث انتهت "الأنطولوجيتان" السابقتان أي من الروّاد، شعراء التفعيلة وشعراء قصيدة النثر على السواء، منفتحاً على التحوّلات الجديدة التي شهدتها القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة والراهنة. كأن يحضر شعراء الحداثة الأولى والحداثة الثانية وشعراء مجلّة "شعر" ومجلّة "مواقف" و"الكلمة" و"تحولات" و"إضاءة" و"كلمات" وشعراء الأجيال المتعاقبة على اختلاف تجاربهم وأساليبهم. ودمج الجنابي شعراء التفعيلة أو الشعر الحرّ وشعراء قصيدة النثر بعضهم ببعض معتمداً النظام الألفبائي. لكنّه في الفهرست أدرج الشعراء في أبواب عدّة: شعراء المشرق الشعر الحرّ، مجلّة شعر، قصيدة النثر، شعراء المغرب الشعر الحرّ وقصيدة النثر. ومن يقرأ القصائد المترجمة الى الفرنسية يشعر أن جواً من التناغم يسود المختارات ويجمع بين الشعراء الذين ينتمون الى مدارس مختلفة وأجيال مختلفة. وهذا التناغم كما يشير برنار نويل في المقدّمة لم يلغ خصائص القصائد ولم يساوِ بين الشعراء مجرّداً إياهم من سماتهم الخاصة. وان بدا من الصعب رصد الشعراء الذين وردوا في "المختارات" وهم يربون على التسعين فأنّ الاختيار كان على قدْر من الدقة والموضوعية اللتين ضمنتا تمثل كلّ الأجيال والمدارس والاتجاهات. ولعل نسيان بضعة أسماء مهمّة، وإدراج بضعة أسماء لا تستحق أن تُدرج، لا يعنيان أن المختارات تعاني حالاً من النقصان أو الخلل، فالمختارات لا تكتمل أصلاً وغايتها أن تمثّل الحركات والأجيال لا أن تمتثل لها وأن تنتقي لا أن تضمّ كلّ ما توافر. وقد ندّت فعلاً مختارات الجنابي عن "ذائقة" نقدية عادلة ومتحرّرة من ربقة المزاج أو الانحياز والحماسة. والمقدّمة التي وضعها ترسّخ موضوعية اختياره وشموليته إذ نمّت عن انفتاحه لا على حركة الشعر الحديث فحسب وإنّما على منطلقات الشعرية العربية الأولى منذ نظرية ابن خلدون واجتهاد الفراهيدي حتى عصر النهضة فعصر الحداثة وما بعدها. والمقدّمة هي أشبه ب"المختصر المفيد" الذي يرسم في مخيلة القارىء الفرنسيّ خارطة تاريخية للحركة الشعرية العربية لا تخلو من بعض الآراء النقدية. لم يعمد الجنابي إذاً الى إدراج الشعراء بحسب المدارس والاتجاهات كما فعل مثلاً رينيه خوام أو ادوار طربيه ولوك نوران متحاشياً ألاّ يظلم الشعراء والمدارس معاً. وفصله في الفهرست الختامي بين شعراء المغرب والمشرق وشعراء التفعيلة أو الشعر الحرّ وشعراء قصيدة النثر وشعراء مجلّة شعر و"ضواحيها"، لم يهدف إلا الى توضيح الخارطة الشعرية العربية في مخيّلة القارىء الفرنسي وفي ذاكرته، أما طربيه ونوران فأدرجا المختارات تحت عناوين أربعة قد تستوعب ولا تستوعب الشعراء المختارين والذين يختلفون في تجاربهم وأساليبهم واحداً عن الآخر. فالباب الأول الذي حمل عنوان "شوقي والشعراء النيو - كلاسيكيون أو الكلاسيكيون المحدثون" ورد فيه شعراء لا تنطبق عليهم هذه الصفة أو التسمية. بل أن الشعراء الذين أدرجوا في هذا الباب هم على اختلاف بيّن وتناقض لا يتيحان لهم أن يجتمعوا في هذا الباب وبعضهم لا يتفق له أن ينضم الى لواء الكلاسيكية المحدثة تبعاً لنزعته التقليدية الصرف. وشاعر رائد من روّاد الكلاسيكية المحدثة مثل أمين نخلة أُدرج ظلماً في خانة "سعيد عقل والرمزيون" وكذلك عمر أبو ريشة وحافظ جميل وابراهيم طوقان وسواهم. وبدا من المفاجىء أيضاً أن يدرج الشاعر القروي في خانة "جبران والرومانطيقيون" وكذلك ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وسواهم. والسؤال هل يعتبر جبران شاعراً في ما نظم من قريض أو في نثره الشعري الجميل؟ أمّا ميخائيل نعيمة الناثر الكبير فلا يمكن تصنيفه في خانة الشعراء الروّاد حتى وان مارس القريض في أحيان. إلا أن هذه الملاحظات لا تنفي عن "الأنطولوجيا" التي قدّم لها الشاعر المصري جورج حنين خصائصها سواء في الاختيار أم في الترجمة الأمينة والدقيقة و"المصنوعة" ببراعة فهي تمثل الحركة الشعرية النهضوية و"المعاصرة" كلّ التمثيل ولا يكاد يفوتها اسم مهما ضؤل حجمه ولا سيّما في مراحل العشرينات والثلاثينات. وقد أشار طربيه ونوران في مقدّمتهما المسهبة الى أن "الأنطولوجيا لا يصنعها المرء" بل هي التي تصنعه. أي أنّها هي التي تفرض نفسها على صانعها عبر "لعبة الاختبارات". و"الشعر العربي يخفي عالماً شاسعاً جداً ومعقداً جداً حتى ليستحيل حصره". أمّا رينيه خوام الذي حملت مختاراته عنوان "الشعر العربي من البدايات الى العصر الراهن" فانطلق من الجاهلية فإلى الشعر الإسلامي فإلى الشعراء "المحدثين" أو "النيوكلاسيكيين" ومنهم بشار بن برد، أبو نوّاس، أبو تمام... فإلى الشعر الإقليمي ابن المعتز، المتنبي، أبو الفراس الحمداني...، انتهاء بما سمّاه "الازدهار المعاصر". واستهل هذا الباب بالشاعر النهضوي ناصيف اليازجي وختمه بالشاعر "المناضل" محمود درويش. وفي هذا الباب أعلن خوّام وفاة الشاعرة نازك الملائكة وتاريخ وفاتها أيضاً 1992 فيما هي لا تزال "حيّة ترزق" كما يقال. وفي الباب هذا أضحى اسم بدر شاكر السياب "بكر السياب" وقد أورده قبل ميخائيل نعيمة وبعد عبّاس محمود العقاد. وخصّ خوّام مختاراته ب"مقدّمة" طويلة رسم فيها مسرى بيانياً للحركة الشعرية العربية ونجح خصوصاً في اضاءة العصور القديمة التي صنعت مجد القصيدة العمودية. أمّا الحداثة التي ترجم بعض نتاجها فلم يولها ما أولى الشعر التقليدي من اعتناء وشرح بل مرّ بها سريعاً تماماً مثلما فعل ببعض الشعراء الحديثين الذين اختارهم وقدّمهم باختصار وتسرّع. لعلّ الكلام عن مختارات الجنابي هو الذي يقود الى الكلام عن الكتابين السابقين إذ أنّهما كانا خلال عقود أشبه بالمرجعين اليتميين عن الشعر العربي في فرنسا. وقد بدا جهد الذين أعدّوهما كبيراً على الرغم مما اعترى المختارات من خلل على أكثر من مستوى. واستطاعت مختارات الجنابي أن تملأ الفراغ الذي تركه الكتابان في حقل الاختيار أوّلاً وحقل الترجمة ثانياً. فالتوقّف عند جيل الروّاد أو عند قصيدة التفاعيل هو ظلم للشعر العربي الحديث بل هو إحجاف في حق الحركة الشعرية العربية المعاصرة واجتزاء لها وربّما تحريف أو تشويه. فالأجيال التي تلت مجلّة "شعر" وسواها فتحت آفاقاً شعرية غير معهودة وفرضت معادلات تقنية جديدة وأسست عوالم ومناخات لم يعرفها الشعر من قبل. ولم تكن التجارب الجديدة في حاجة لأن تثور على الروّاد أو تتمرّد عليهم أو تمعن في "قتلهم" كما لو أنّهم أباء. بل هي راحت تختلف عنهم منطلقة مما أنجزوا في حقل القصيدة وحقل النظرية الشعرية. ولم تتمكّن من فرض خصائصها إلا انطلاقاً من اعترافها بما قام به الروّاد. وقد يكون بين الأسماء الجديدة شعراء يستحقون أن يسمّوا روّاداً لو سقطت عن هذه التسمية الصفة التأريخية التي التصقت بها. فثمة شعراء روّاد ما عادوا روّاداً حقيقيين إلا في المفهوم الزمني. وبعضهم أضحت قصائدهم واهنة وباهتة و"قديمة" فيما بدا بعض الشعراء الجدد أشدّ حداثة وأصالة في الحين عينه. لكنهم طبعاً لن يحظوا بما سمّي به أسلافهم فهم لم يبرزوا في تلك المرحلة الحاسمة. وترسيخاً للآفاق الجديدة التي اختارها ونقل بعض معالمها الشعرية شاء الجنابي أن تكون مقدّمة المختارات نوعاً من "المقالة" الموجزة في "الشعرية" العربية. وإذا به ينطلق بدءاً من نظرية ابن خلدون الشعرية والقائمة على شروط عدّة منها: حفظ المختار من شعر العرب، الإقبال على النظم بعد الامتلاء من الحفظ، الخلوة والراحة التامة، مراعاة القافية قبل بناء البيت ومن ثمّ بناء الكلام عليها الى آخره، مراجعة الشعر بعد الفراغ منه تنقيحاً ونقداً... والشروط هذه أكبّ عليها الشعراء العرب فيما بعد إذ أنّ ابن خلدون استخلصها بنفسه من نتاج الشعراء "الفحول" وأوردها في "مقدّمته". وما أن ينتهي الجنابي من نظرية ابن خلدون حتى ينتقل الى بحور الفراهيدي متوقفاً من ثم عند أسماء لامعة من مثل أبي نوّاس أبي تمام والمتنبي والمعرّي وسواهم. ويعرّج في مقطع عنوانه "تجديد ولكن ضمن القواعد" على عصر النهضة التي كانت القاهرة موئلاً لها في القرن التاسع عشر. فيذكر محمود سامي البارودي وحافظ ابراهيم وأحمد شوقي والمرحلة "الكلاسيكية المحدثة". ثم يتناول جماعة "الديوان": عباس محمود العقاد، ابراهيم المازني وعبدالرحمن شكري والنظرية النقدية التي أطلقوها حينذاك وكانت مناهضة للنزعة البلاغية التي أبداها الشعراء الكلاسيكيون المحدثون. ولا ينسى شعراء المهجر والروح الجديدة التي أتوا بها انطلاقاً من "منفاهم" الأميركي إذ جمعوا بين الحداثة والحنين الى الأرض. ويتوّقف عند نثر جبران لا عند قصائده الموزونة وعند "غربال" ميخائيل نعيمة الناقد لا الشاعر وهما شقا الطريق الى مفهوم شعري جديد. ويتناول الرومانطيقية العربية في تلاويحها الأولى التي ظهرت في نتاج جماعة "أبولو" ونظرياتهم وفي ما آلت اليه لاحقاً مع خليل مطران ثم الياس أبو شبكة الذي بحسبه "أدخل القصيدة في ردهة التجديف العطرة". ويتوقف عند سعيد عقل ورمزيته وعند أبي القاسم الشابي شاعر الليل الذي جعل من القلق بيرقاً للتمرّد. وتطول اللائحة: معروف الرصافي شاعر القضايا، جميل صدقي الزهاوي الشاعر العلماني و"الدارويني النزعة"، محمد مهدي الجواهري الذي شاء أن يحتل ذروة الموجات... أمّا الحداثة الأولى المتجلّية في حركة الشعر الحرّ فيفرد لها صفحات مستعيداً الصراع الذي نشب بين نازك الملائكة وبدر شاكر السياب حول ريادة الشعر الحرّ من غير أن ينسى شعراء آخرين سبقوهما الى لعبة التفاعيل ومنهم لويس عوض وأحمد باكثير وخليل شيبوب. ويذكر كذلك أمين الريحاني في شعره المنثور المتأثر بالشاعر الأميركي والت ويتمان. ثمّ يلقي ضوءاً على المفهوم التموزي الذي راج فترة مستوحياً أسطورة تموز. ويتوقف عند أبرز الأسماء التي لمعت في سماء الشعر الحرّ: البياتي، عبد الصبور، حجازي... ويتناول ما كتبه توفيق صايغ وجبرا ابراهيم جبرا ومحمد الماغوط من قصائد متحرّرة من الوزن والتفعيلة ومغرقة في نثريتها ولكن من غير أن يسمّيها "قصائد نثر" مثلما درج القراء العرب على تسميتها. ويتوقف الجنابي طويلاً أمام الدور الذي أدّته مجلة "شعر" مذ أدخلت القصيدة العربية الحديثة في مرحلتها الحاسمة ويتناول شعراءها ونقادها والترجمات التي قدّمتها: يوسف الخال، أدونيس، أنسي الحاج، شوقي أبي شقرا، عصام محفوظ، خالدة السعيد... لكنّه لن يكتفي بما أنجزته مجلّة "شعر" بل يتطرّق الى قصيدة النثر والمعركة التي خاضها شعراؤها. ثم يتناول شعر المقاومة الذي برز خصوصاً في مرحلة النكبة وما بعدها. ويعرّج على التجارب المهمّة في السبعينات التي أحاطت بها مجلات مثل "مواقف" و"الكلمة" بغداد و"غاليري 68" القاهرة. ولعلّ القارىء الفرنسي يجد في المقدّمة موجزاً تاريخياً للشعر العربيّ في أبرز محطاته والمراحل التي شهدها وانتقل من خلالها من أفق الى آخر ومن مدرسة الى أخرى. وقد ألقت المقدّمة ضوءاً على التجارب التي قدّمتها وخصوصاً تلك التي أعقبت جيل الروّاد وجيل مجلّة "شعر". أما المفاجأة الأخرى التي حملتها مختارات الجنابي فهي "التمهيد" الذي كتبه الشاعر الفرنسي الكبير برنار نويل وبدا تقويمه أقرب الى الشهادة الحقيقية والجميلة لا في المختارات فحسب وإنّما في القصيدة العربية الحديثة. وقراءته كشاعر فرنسي للقصائد المختارة والمترجمة نمت فعلاً عن نظرة نقدية حيادية وغير منحازة وعبّرت عن خصوصية الشعر العربي الحديث وفق ما يرى اليها القارىء "الآخر" أي الفرنسيّ. ورأى نويل في المختارات "بياناً" ولا سيما بعدما أدّت "دورها الذي يفترضه نوعها". وفي رأيه أن المختارات جعلت من عملية التجميع "عملاً مبتكراً" تبعاً لكونها "تضطلع بهذا الجانب المزدوج بدقة في الأعلام وسداداً في الرأي". واعتبر أنّه من خلال هذه المختارات لم يكتشف فقط "القصيدة العربية الحديثة ولكن عناصر ثورة أدبية رئيسة: تلك التي حوّلت لغة شعرية منغلقة منذ ألف عام على غنى تراثها، الى وسيلة تعبير منفتحة على كلّ التجارب الحديثة". ورأى أن المختارات هذه "تظهر عوض أن تبرهن". لا شكّ أنّ الجهد الفرديّ الذي بذله عبدالقادر الجنابي بغية انجاز مختاراته كان يفترض جهداً جماعياً. فالاختيار والترجمة وتقديم الشعراء بدت جميعها أشبه بالعمل الشاق الذي تجشمه شاعر وحده. لكنّ الجنابي كما قال في المختارات لم ينثنِ عن الاستعانة ببعض الشعراء الفرنسييين من أجل صوغ المترجمات الشعرية وببعض المترجمين أيضاً والكتّاب سعياً منه الى تخطّي المزالق التي تتهدّد عادة هذا النوع من العمل الأدبيّ. فالترجمة وحدها تفترض إلماماً عميقاً باللغتين العربية والفرنسية بل بما يُسمّى "شعرية" اللغتين فضلاً عن إدراك أسرار الشعراء في لغاتهم وأساليبهم التي تختلف في اختلاف الشعراء. وفي مختاراته استطاع الجنابي فعلاً أن يملأ فراغاً كبيراً على مستوى الشعر العربيّ المترجم الى الفرنسية وأن يسهم في تغيير نظرة القارىء الفرنسي الى الشعر العربي الحديث وفي توسيع معرفته أو ذائقته الشعرية العربية. وقد سعى الجنابي الى أن يكون عادلاً وحيادياً أو موضوعياً في ما اختار وترجم وقدّم مدركاً كلّ الإدراك أنّ المختارات مهما اتسعت تظلّ عاجزة عن احتواء كلّ ما تطمح اليه. أمّا المقدمات التي وضعها للشعراء فهي أشبه بالمقالات الصغيرة المختصرة التي تمثل الشعراء سيرة ونتاجاً. 1 Le poڈme arabe moderne, Anthologie ژtablie et prژsentژe par Abdul Kader ElJanabi, prژface de Bernard Noel, Maisonneuve et Larose, Paris 1999. 2 La poژsie arabe, Renژ Khawam, Phژbus, Paris, 1995. 3 Anthologie de la littژrature arabe contemporaine - La poژsie, Luc Norin et ƒdouard Tarabay, ƒditions du Seuil, Paris, 1969