مع بدء تنفيذ اتفاق خفض الرسوم الجمركية بين سورية ولبنان في مطلع العام الجديد 1999، بدأ المسؤولون باتخاذ الخطوات العملية للافادة من خفض الرسوم على البضائع الوطنية بواقع 25 في المئة، لكن الصناعيين السوريين يختلفون في الرأي على تقدير مدى اهمية هذه الخطوة وتأثيرها في مستقبل صناعاتهم، وقدرتها على الانتشار والمنافسة في سوق لبنان المنفتحة على المنتجات الاجنبية. وعقد رئيسا الوزراء السوري محمود الزعبي واللبناني سليم الحص الاسبوع الماضي جلسات في بيروت لوضع اللمسات الاخيرة قبل البدء في تنفيذ الاتفاق، وللسير قدماً في التفاوض حول توقيع اتفاق زراعي مماثل. وبين التشاؤم والتفاؤل يتوقف الخبراء الاقتصاديون عند تطور مهم وهو "تشكل سوق من عشرين مليون شخص امام الصناعات اللبنانية والسورية"، ويرجحون ان يكون المستفيد منها هو الجانب اللبناني اذ ان المنتجات اللبنانية "ستحظى بسوق محمية من 16 مليون مستهلك بينما ستنافس المنتجات السورية في سوق صغيرة ومفتوحة للجميع". ويتفق مع ذلك صناعيون سوريون وقال احدهم "ان درجة الانفتاح السوري على الصادرات اللبنانية المصنعة ستكون اعلى بكثير من درجة الانفتاح اللبناني على الصادرات السورية المصنعة، لأن مستوى الحماية الحالي في سورية اعلى منه في لبنان وينطوي على ميزة تنافسية اكبر لصادراته في السوق السورية تجاه طرف ثالث غير مشمول بالاتفاق". وتشيرالارقام الرسمية السورية الى ان الصناعة الوطنية تعتمد في مجملها على صناعة الغزل والنسيج، اذ ان نسبة 46 في المئة من عدد المنشآت الصناعية هي في قطاع الغزل والنسيج والملابس يليه قطاع الصناعات الهندسية بنسبة 25 في المئة، ثم قطاع الصناعات الكيماوية 14 في المئة، فالصناعات الغذائية. اما الصناعة اللبنانية فتعتمد اساساً على الصناعات الغذائية بنسبة 25 في المئة والصناعات الهندسية والمعدنية بنسبة 14 في المئة والصناعات النسيجية والالبسة 13 في المئة . وفي ما يقول احد الخبراء ان "التفوق العددي للصناعة السورية المتمركز في الصناعات النسيجية والهندسية الذي يقابل بالصناعات الغذائية في لبنان، لا يعطي بالضرورة الغلبة لطرف ضد آخر بل هناك عوامل اخرى تلعب دوراً اساسياً في المنافسة". وتلاحظ الدراسات الرسمية ان الصناعة السورية "تتمتع بميزات عدة تجعلها تتفوق على الصناعة اللبنانية مثل انخفاض تكاليف الانتاج مقارنة مع لبنان نتيجة توافر العمالة الرخيصة وتدني تكاليف الطاقة والكهرباء ووجود قاعدة صناعية عريضة ونسيج صناعي متنوع ومتكامل وبنى تحتية تعمل الحكومة على تحسينها، اضافة الى وفرة الخامات الزراعية والطبيعية مقارنة مع ضعف مصادر الموارد الطبيعية في لبنان"، لكنها لا ترى في "المميزات السابقة الاساس في ترجيح الكفة"، ذلك ان الصناعة اللبنانية تحمل مواصفات تجعلها تتفوق على مثيلتها السورية، فهي تتمتع بكفاءة اكثر وانتاجية ذات نوعية اكبر وتفضيل اوسع مما يساعد على الانتشار الواسع اضافة الى اجراءات الحكومة اللبنانية في تنظيم الصناعة اللبنانية ودعمها من طريق تكييف نقل التكنولوجيا مع حاجات التنمية الصناعية وخفض تكاليف الصناعة بإنشاء مدن صناعية. كما ان الصناعة اللبنانية تتمتع بخبرة واسعة في الاسواق العالمية ومرونة المصارف في عمليات التمويل، يقابل في الجانب السوري بعدم مرونة انظمة التجارة الخارجية عموما بسبب اعتمادها اشكالاً متعددة كالمنع والحصر والتقييد والتسهيلات الائتمانية ازاء الاستيراد، وتعدد اسعار الصرف وضعف التمويل وعدم وجود المرونة المصرفية اضافة الى ارتفاع الرسوم الجمركية مقارنة مع لبنان. وبلغت قيمة مستوردات لبنان من سورية في العام 1997 نحو 326 مليون دولار اميركي منها 162 مليوناً قيمة صادرات نفطية مقابل 38 مليون دولار قيمة الصادرات اللبنانية الى سورية. ويرى بعض الصناعيين "ان وجود فائض في الميزان التجاري لمصلحة سورية وبنسبة كبيرة حالياً لا يعبر عن حقيقة الوضع، والسبب في ذلك يعود الى تمتع الانتاج الصناعي في سورية بحماية جمركية اذ يمنع استيراد السلع المنتجة في سورية سواء من لبنان او غيره في الوقت الذي تدخل كل المنتجات السورية لبنان بحكم الحرية الاقتصادية". وتشكل نسبة مستوردات لبنان من سورية لمنتجات الصناعة الغذائية 4.3 في المئة من مجمل مستورداتها، اما المواد النسيجية فلا تشكل سوى 1.41 في المئة من اجمالي مستورداتها من دول العالم. وتبلغ نسبة صادرات لبنان من الصناعات الكيمياوية الى سورية 44.32 في المئة من اجمالي صادراتها الى العالم وتبلغ نسبة صادرات المنتجات المعدنية حوالى 52 في المئة. ويحدد احد الخبراء الاقتصاديين ثلاث فئات للمنتجات الصناعية المتبادلة بين البلدين هي: الصناعات اللبنانية الموجود لها مثيل في سورية وتتفوق عليها السلع اللبنانية بالجودة بينما سعر السورية أرخص ما سيخلق منافسة حقيقية. ويشمل النوع الثاني الصناعات السورية المتفوقة في السعر والجودة مثل الصناعات النسيجية السورية القادرة على اغراق السوق اللبنانية بالكامل. اما الفئة الثالثة فهي الصناعات اللبنانية غير الموجودة في سورية وستعيش عصراً ذهبياً اذ ستمنح سوقاً عدد سكانها 16 مليون نسمة من دون منافس. ويبلغ عدد السلع التي يمكن تصديرها الى سورية 141 سلعة منها 27 سلعة صناعية غذائية و21 كيمياوية و15 غزل ونسيج و19 ورقية و59 سلعة من الصناعات المختلفة.