بدأت سورية ولبنان مطلع السنة الجارية خفض الرسوم على السلع الصناعية بواقع 25 في المئة تمهيداً لالغائها نهائياً بعد اربع سنوات، مستبقين الدول العربية الاخرى المشاركة في اتفاق منطقة التجارة العربية الحرة الذي يقضي بخفض الرسوم الجمركية بين البلدان العربية 10 في المئة سنوياً بأمل الغاء الرسوم كلياً بعد عشر سنوات. وجاء اطلاق حرية التبادل للمنتجات الوطنية بين البلدين بعد مفاوضات استمرت أشهراً عدة بهدف الوصول الى اتفاق يكفل مصلحة البلدين انطلاقاW من "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة بين البلدين عام 1991. وأظهرت المحادثات مجموعة من نقاط الاختلاف تتعلق بطريقة تسعير الدولار الجمركي، وهو خلاف مرده الى اختلاف طبيعة النظامين الاقتصاديين في البلدين اضافة الى الخلاف حول خمس سلع لم يتفق على تصديرها من لبنان. وحدد نص محضر اجتماع "اللجنة الاقتصادية اللبنانية - السورية" مجموعة من السلع المستثناة منها المشروبات الروحية اذ ان سورية تحصر استيرادها بمؤسسة "غوطة"، واستثنيت المشروبات الغازية بيبسي كولا، سفن اب، كوكاكولا، ويعود الاعتراض السوري عليها الى اسباب سياسية. اما الدخان والتبغ اللذان يشترط ان تكون القيمة المضافة اليهما بنسبة 40 في المئة فلم يستفيدا من الخفض الجمركي. كما استثنيت مكثفات العصائر الاستوائية لوجود أصناف مشابهة لها في سورية والسيراميك والرخام والبورسلان والبلاط التي طلب الجانب السوري ارجاء موضوع ادخالها الى سنة 2000. وكان الجانب السوري شدد على شفافية شهادات المنشأ للسلع الصناعية المصدرة من لبنان للمصادقة على الشهادات بهدف التيقن من نسبة قيمة مضافة لبنانية في السلعة بواقع 40 في المئة كحد أدنى وفقاً لما هو متفق عليه لشمولها بالخفض الجمركي وذلك "للتخوف الذي ابداه الصناعيون السوريون" من هذا الموضوع. وعلى رغم قناعة الجميع وتأييدهم لهذه الخطوات فان الآراء تبدو متباينة عندما يتعلق الأمر بمستقبل الصناعة السورية. اذ أبدى معظم صناعيي القطاع الخاص ومعهم غالبية المهتمين بالصناعة نوعاً من التشاؤم عند الحديث عن مستقبل الصناعة السورية بعد الانفتاح المطلق للسوق اللبنانية، فيما كان التفاؤل واضحاً ومطلقاً لدى بعض المعنيين في الصناعات التابعة للقطاع العام. ويبقى السؤال: ما هو مصير الصناعة السورية بعد الاعلان عن حرية تبادل جميع المنتجات الوطنية المنشأ بين سورية ولبنان؟ ويرى الخبراء الاقتصاديون ان "الاجابة عن هذا التساؤل تبقى خارج المنطق والواقعية ما لم تحط بالظروف والاوضاع الحالية للصناعتين السورية واللبنانية وبالسياسات الصناعية والاقتصادية المرتبطة بهما". وفي حين يرى بعضهم ان أهمية الاتفاق تأتي من البعد السياسي "فهو يهدف الى تعزيز التعاون السياسي والأمني بين البلدين خصوصاً في مجال الصراع مع اسرائيل"، ويرى آخرون: "ان إيجابيات الاتفاق لسورية قليلة، ذلك ان السوق اللبنانية سوق مفتوحة وبإمكان اي معمل صناعي ان يصدر الى لبنان. وعندما تحاول البضائع السورية دخوله ستجد منافسة شديدة من بضائع الشرق الاقصى وتركيا وغيرها. وتستطيع المنتجات السورية منافسة هذه المنتجات مستفيدة من القرب الجغرافي شرط ان ترفع من جودتها وقدرتها على التسويق. وفي المقابل فان الصناعة اللبنانية ستتمتع بميزة في السوق السورية اذ سيسمح بدخولها الى هذه السوق في وقت لا يزال المنع والرسم الجمركي قائماً على استيراد السلع المماثلة من البلدان الأخرى". وتشير الدراسات الصادرة عن جهات رسمية معنية الى ان الصناعة السورية تعتمد في مجملها على صناعة الغزل والنسيج اذ ان نسبة 46 في المئة من المنشآت الصناعية هي في قطاع الغزل والنسيج والملابس. يليه قطاع الصناعة الهندسية بنسبة 25 في المئة ثم قطاع الصناعات الغذائية 15 في المئة فالصناعات الكيماوية 14 في المئة. اما الصناعة اللبنانية فتعتمد اساساً على الصناعات الغذائية بنسبة 25 في المئة والصناعات الهندسية والمعدنية 14 في المئة والصناعات النسيجية 13 في المئة. ويشير صناعيون الى ان التفوق العددي للصناعة السورية والمتركز في الصناعات النسيجية والهندسية ليس ضرورياً ان يعطي الغلبة لطرف ضد آخر، بل هناك عوامل اخرى تلعب دوراً أساسياً في المنافسة. اذ تلاحظ الدراسات ان الصناعة السورية تتمتع بميزات عدة تتفوق على الصناعة اللبنانية. وهي انخفاض تكاليف الانتاج مقارنة مع لبنان نتيجة توافر العمالة الرخيصة وتدني تكاليف الطاقة والكهرباء ووجود قاعدة صناعية عريضة ونسيج صناعي متنوع ومتكامل وبنى تحتية تعمل الحكومة على تحسينها ووفرة الخامات الزراعية والطبيعية مقارنة مع ضعف مصادر الموارد الطبيعية في لبنان. كما ان الصناعة السورية تعتمد في غالبيتها على المواد الاولية المحلية فيما تعتمد الصناعة اللبنانية على المواد المستوردة. ويقول اقتصاديون ان الصناعة اللبنانية تتمتع بميزات تجعلها تتفوق على الصناعة السورية اذ انها تتصف بانتاج ذي كفاءة أكبر وانتاجية ذات نوعية أكثر وتفضيل أوسع مما يساعد على الانتشار الواسع. اضف الى ذلك اتخاذ اجراءات عدة لتحسين فرص الاستثمار والانتاج والتمويل والترويج، واهمها اعفاءات ضريبية لبعض الاستثمارات الصناعية تبعاً لنوع الصناعة وموقع انشائها ورأس مالها، وحماية جمركية للمنتجات المصنوعة محلياً، ودعم اسعار الطاقة، وانشاء مؤسسات تسليف متخصصة في منح القروض بفوائد تفاضلية وشروط ملائمة، اضافة الى اجراءات الحكومة اللبنانية في تنظيم ودعم الصناعة اللبنانية عن طريق تكييف نقل التكنولوجيا مع حاجات التنمية الصناعية وخفض تكاليف انتاج الصناعة بانشاء مدن صناعية. ويشير الصناعيون السوريون الى تمتع نظرائهم اللبنانيين بخبرة واسعة في الأسواق العالمية ومرونة المصارف في عمليات التمويل يقابله في سورية عدم مرونة انظمة التجارة الخارجية عموماً بسبب اعتمادها اشكالاً متعددة كالمنع والحصر والتقييد والتسهيلات الائتمانية ازاء الاستيراد وتعدد اسعار الصرف وضعف التمويل وعدم وجود المرونة المصرفية، اضافة الى ارتفاع الرسوم الجمركية مقارنة مع لبنان. عموماً، فان مقارنة المنتجات الصناعية بين البلدين توضح ان المنتجات الصناعية السورية تتمتع مقارنة مع المنتجات الصناعية اللبنانية بعدة مزايا تجعل كلفتها أقل وأسعارها أرخص بسبب تدني الاجور والاعتماد الواسع على المواد الاولية المحلية بينما تعتمد المنتجات اللبنانية على تقنيات وفنون انتاجية ذات خبرة كبيرة وواسعة نتيجة سعيها المتواصل للانفتاح على الاسواق العالمية. ولفت احد الصناعيين الى "ان وجود فائض في الميزان التجاري لمصلحة سورية وبنسب كبيرة حالياً لا يعبر عن حقيقة الوضع، والسبب في ذلك يعود الى تمتع الانتاج الصناعي في سورية بحماية جمركية اذ يمنع استيراد السلع المنتجة في سورية سواء من لبنان او غيره مع ارتفاع قيمة الرسوم الجمركية المفروضة في سورية عن القيم المحددة في لبنان في الوقت الذي تدخل كل المنتجات السورية لبنان بحكم الحرية الاقتصادية". وبلغت قيمة الصادرات الصادرات اللبنانية عام 1997 نحو 38 مليون دولار اميركي في مقابل 326 مليون دولار قيمة الصادرات السورية الى لبنان بفائض 288 مليون دولار لصالح سورية، علماً ان قيمة الصادرات النفطية تصل الى 162 مليوناً.