تكتسب الانتخابات البلدية والاختيارية في بلدة حارة حريك التي تقع وسط الضاحية الجنوبية لبيروت اهمية سياسية، نظراً الى انها تعاني وضعاً من مخلفات الحرب اللبنانية، لأن فيها مهجرين ومقيمين، ولم تعالج قضية تهجير المسيحيين منها بعد. وإذ شكلت الانتخابات البلدية التي اجريت الربيع الماضي في لبنان والتي تجرى غداً في بعض القرى التي تم استثناؤها لتحقيق توافق او تكريس مصالحات بين مهجرين ومقيمين فإن جدلاً كبيراً يسبقها قبل تأمين التوافق الذي يتم خرقه احياناً فتأخذ اللعبة الانتخابية مداها على قاعدة الحساسيات القائمة. ولا تزال صورة التحالفات غير واضحة لعدم التوصل الى لائحة ائتلافية تحظى بدعم القوى السياسية الفاعلة الى جانب العائلات المسيحية والشيعية الكبرى. والمفاوضات بين "حزب الله" من خلال المعاون السياسي للامين العام الحاج حسين الخليل والنائب السابق علي عمار من جهة، والنواب الموارنة عن قضاء بعبدا بيار دكاش وجان غانم والياس حبيقة وممثلين عن العائلات المسيحية من جهة ثانية لم تتوصل الى اتفاق نهائي. ويتحرك النائب باسم السبع الى جانب الحزب ونواب المنطقة وعائلات حارة حريك، في مسعى توافقي للحفاظ على الخصوصية التي تتمتع بها البلدة ويشارك في الاتصالات النائب صلاح الحركة، مع الاشارة الى ان الحزب يعتبر القوة الرئيسية بين الناخبين الشيعة في مقابل حضور رمزي لحركة "أمل". وفيما دخل نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر على خط التفاهم فإن المفاوضات تدور على اساس اقرار الحزب بضرورة ابقاء رئيس مسيحي للمجلس البلدي كتقليد اتبع منذ زمن، باعتبار ان عدد الناخبين المسيحيين وتحديداً الموارنة يفوق الناخبين الشيعة بنحو 600 صوت. لكن الخلاف يدور على توزيع الاعضاء. ويرفض الحزب توزيع الاعضاء بالتساوي اي 9 مقاعد لكل من الموارنة والشيعة، ويطالب بأن يكون للشيعة عشرة، وللموارنة ثمانية مع ابقاء الرئاسة للموارنة وتعهد ذلك امام فاعليات المنطقة. ويبرر زيادة حصة الشيعة بأن الحرب ادت الى تهجير القسم الاكبر من المسيحيين الذين اضطروا الى بيع املاكهم والاقامة خارج المنطقة فضلاً عن ان معظمهم غادر لبنان الى الخارج. ثم ان عدد المقيمين من المسيحيين في البلدة لا يتعدى نسبة الاثنين في المئة وأملاكهم المتبقية بما فيها املاك الوقف الماروني، تكاد تقترب من الخمسة في المئة، فضلاً عن امكان اقامة رئيس البلدية خارج المنطقة، ما يؤثر في سير العمل البلدي. وعلمت "الحياة" ان الحزب يحرص على التوازن ويبقي الباب مفتوحاً امام المفاوضات وقد يضطر الى تأليف لائحة مكتملة بالتعاون مع العائلات الشيعية والمارونية، والا سيخوض المعركة بلائحة ناقصة لتأمين انتخاب اعضاء مسيحيين من ناحية ولقطع الطريق على اي دعوة الى المقاطعة، وانه يجري مفاوضات مع ممثلين عن عائلات دكاش ووكد وكسرواني وغيرها، لحرصه على التوازن ورفضه الفرز الطائفي المترتب على الحرب في لبنان. وكانت اتصالات حصلت في هذا الشأن بين كتلة "الوفاء للمقاومة" مع رئيس الجمهورية إميل لحود والوزير المر مع بدء اعلان اجراء الانتخابات. وأشارت الكتلة الى "حساسية المنطقة" معتبرة ان "الانتخابات ليست مناسبة لإلغاء الوجود المسيحي" ومشددة على "اعطاء الضمانات من خلال تكريس صيغة وفاقية ترضي الجميع". ويقول النائب عمار الموسوي الذي يتولى الاتصالات مع المر ان "لكل طرف هواجسه، وموضوع رئاسة البلدية ليس نقطة تجاذب وهو محسوم لمصلحة المسيحيين لطمأنتهم، ولكن في المقابل المطلوب طمأنة المسلمين، لأننا لا نستطيع ان نتخذ قراراً نيابة عن احد. فثمة ضغوط يمارسها علينا الناخبون المسلمون. ويهمنا تأمين سلطة اجرائية". وفيما يؤكد مقربون من رئيس بلدية حارة حريك ميشال أبيض ان العائلات المسيحية في صدد حسم امرها وترشيح ممثلين عنها في المجلس البلدي على اساس المناصفة على ان يكون الرئيس مسيحياً ومن دون مداورة، قال مرشح من آل عضيمي ل"الحياة" "فيما تسعى العائلات الى اعتماد المناصفة تمهيداً لتشكيل ائتلاف توافقي، تطلق دعوات سلبية من المقيمين والمغادرين على حد سواء لعرقلة الحوار الدائر في هذا الشأن، ما يربك كل العائلات التي تصر على الوصول الى حل يرضي الجميع لتجنب تغليب طائفة على اخرى. ويدعو آخرون الى خوض المعركة الانتخابية بذريعة الاستناد الى لوائح الشطب واعتماد 8 في مقابل 10 و7 في مقابل 11 وهكذا". ويشير بعض الاهالي الى ان "الاوراق، على رغم التشاور القائم ما زالت مخلوطة، وكلما توصلنا الى تسوية ما، يحدث سوء تفاهم يجمد مشروع التوافق ويبقي صيغة المجلس البلدي ونسبة التمثيل، عالقة". ويؤكد نائب رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" الحاج محمود قماطي ان الحزب يرغب في التوافق والائتلاف وان تخرج الانتخابات بوفاق وطني يعزز العيش المشترك. ويقول ان "الامور وصلت الى حافة حساسة جداً في ما يتعلق بالتوافق الذي يفهمه كل جانب على طريقته. الفريق المغادر المهجر يرى ان التوافق عددي، بحيث يكون مناصفة والرئاسة الى جانب المغادرين. اما الجانب المقيم فيرى ان التوافق توافق سلطات بحيث تكون السلطة الاولى في المجلس البلدي ممثلة بالرئاسة الى جانب المغادرين، وعلى ان تكون سلطة الرقابة والقرار من خلال غالبية المجلس الى جانب المقيمين". وأمس اعلن اهالي حارة حريك ممثلين بمرشحيهم وفاعلياتهم ورؤساء عيالهم "تمسكهم بصيغة العيش المشترك في بلدتهم وتنفيذ هذه الصيغة وتطبيقها وفق مبدأ المناصفة في المقاعد البلدية والتمسك بالعرف المتبع في الرئاسة ونيابتها، من دون الاخذ بالنسب الواردة في جداول الشطب، وان كانت لمصلحتهم، مترفعين عن كل مزايدة في هذا الشأن". وأعلنوا "حرص اهالي حارة حريك على مبدأ اجراء الانتخابات في البلدية من دون اي حساسية تؤدي الى تهميش انتمائهم الى بلدتهم، والا فهم غير معنيين بهذه الانتخابات في حال رفض مبدأ المناصفة اذ يؤدي ذلك الى توجهات تتعارض مع ابسط قواعد الوفاق الوطني ومبادئه يقيناً منهم برعاية الدولة لهذا المفهوم". ووقع البيان ميشال أبيض وسمير دكاش وجبران واكد والياس شويفاتي وجوزيف غنيمي. وفيما لا يزال التوافق يصطدم بعراقيل في شأن التمثيل العددي للطائفتين الاسلامية والمسيحية ابدت اصوات كثيرة دخلت على خط التفاهم من الجانبين خشيتها ان يدهم الاستحقاق الانتخابي غداً المرشحين من دون ولادة اللائحة التوافقية الامر الذي قد يتسبب بخلل في التمثيل الطائفي. ولوحظ ان لوائح الشطب في حارة حريك التي كانت في ما مضى مختلطة، ارسلت امس الى اقلام الاقتراع على النحو الآتي: للمسيحيين في كلية الهندسة، على طريق المطار، وللمسلمين في ثانوية البلدة، لانتخاب اعضاء المجلس البلدي وأربعة مخاتير للمسيحيين ومختارين اثنين للمسلمين.