يعتبر شراء مجموعة كورال اويل السعودية - السويدية لغالبية أسهم شركتي "لاسمير" و"الشريفة للبترول" قبل عامين احد اكبر مشاريع الاستثمار العربية خارج قطاع السياحة الذي دأب العرب على تفضيله عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في المغرب وبقية منطقة شمال افريقيا. ومن المنتظر ان تعلن كورال نهاية الشهر الجاري خطة دمج الشركتين اللتين تملكتهما بنحو نصف بليون دولار وحل "الشريفة للبترول" بعد 60 عاماً من تأسيسها، على يد مجموعة الف اكيتان الفرنسية في نهاية العشرينات بعد الاكتشافات الأولى للنفط التي قامت بها الشركة في منطقة سيدي قاسم جنوبمكناس. وفي المقابل ستحمل المجموعة الجديدة اسم "لاسمير" وينتقل المقر الرئيسي الى المحمدية على المحيط الأطلسي. وكانت "لاسمير" انشأت مطلع الستينات ضمن تعاون مع مجموعة "ايني" الايطالية وهي تغطي حالياً 80 في المئة من اجمالي حاجيات المغرب من النفط المكرر وزيوت المحركات. وحققت كورال نحو 90 مليون دولار من الأرباح الصافية العام الماضي واحتلت المرتبة الثالثة لجهة الأرباح بعد مجموعة "اونا" و"الشركة الوطنية للاستثمار" باحتساب الفروع، وهو ما يعزز حضور شركات النفط في ترتيب كبريات المجموعات الاقتصادية في المغرب. وأعرب مسؤولون حاورتهم "الحياة" عن دعم السلطات الرسمية لخطة الدمج واعتبروها مدخلاً لتقوية هياكل الشركات المحلية استعداداً للمنافسة التي ستنجم عن تحرير توريد النفط وتكريره سنة 2002 وهو التاريخ الذي يصادف انتهاء الامتياز الذي حصلت عليه كورال في المغرب في مجال الاستيراد والتكرير، ما يجعلها تواجه مجموعات اخرى مثل "شل" و"توتال" و"موبيل" مهتمة هي الأخرى بكلفة الانتاج. وفي المقابل ستستفيد "كورال" عبر فروعها في المغرب من مجال التوزيع الذي تضعه ضمن اولويات المرحلة المقبلة وتبحث له عن تحالفات جديدة مستفيدة من توسع برامج الطرق السيارة في المغرب ودخول صناديق التنمية العربية تجربة تمويل تلك المشاريع ضمن صيغة جديدة لنشاط تلك الصناديق في مجال استكمال البنيات التحتية. وتقول مصادر من المجموعة ان قطاع التوزيع وارد بقوة في المرحلة المقبلة. لكن المصادر التي قابلتها "الحياة" تعتقد ان الخطة المقبلة ستركز على تحديث التجهيزات وتطوير الانتاجية بعد استكمال اجراءات الدمج - الادراية والمالية - الجارية. وتعتزم "لاسمير" التي ستقود البرنامج الاستثماري للمجموعة انفاق 500 مليون دولار على مدى خمس سنوات لزيادة انتاج المصفاة الواقعة على المحيط الأطلسي وتطوير مرفأ الشحن لزيادة طاقة استيعابه للبواخر العملاقة، اضافة الى استثمارات أخرى في قطاع الغاز قيمتها 60 مليون دولار كانت مقررة اصلاً لفائدة "الشريفة للبترول". وتبدو وضعية الشركتين جيدة من الناحية المالية. وقال عبدالرفيع منجور رئيس "لاسمير" ان الشركة حققت أرباحاً صافية بلغت 570 مليون درهم نحو 60 مليون دولار وانها تملك احتياطات ولديها تدفقات نقدية للاستيراد بما يمكن المصفاة من مباشرة جميع مشريعها الاستثمارية. واعتبر ان الاندماج يقلل تكاليف الانتاج ويعزز النشاط ويحمي مصالح المساهمين ويرفع الايرادات. وباحتساب أرباح "الشريفة للبترول" التي بلغت 346 مليون درهم، يحصل المساهمون على عائد على الأسهم يقدر بنحو خمسة دولارات ونصف دولار وهي أرباح تعتبر جيدة قياساً للشركات الأخرى المدرجة في البورصة والتي شهدت تراجعاً في أرباحها وفي قيمة الأسهم من بينها مجموعات عملاقة. وكانت أسهم "لاسمير" حققت أكبر نمو في القيمة بلغ نحو خمسة في المئة على رغم تراجع مؤشر بورصة الدار البيضاء. وتعتقد "لاسمير" ان أسعار النفط ستتحسن سنة 1999 وسيرتفع الطلب على الطاقة في السوق المحلية وهي تتوقع نمواً سنوياً في مبيعات النفط يقدر بنحو خمسة في المئة. على أن ينتقل حجم المبيعات من 7.7 بليون درهم عام 1998 الى 8.5 بليون درهم سنة 2000. وتتوقع شركة الوساطة في البورصة "ماروك انترتايتر" التابعة للبنك المغربي للتجارة الخارجية ان تنتقل ارباح "لاسمير" الى 655 مليون درهم 66 مليون دولار سنة 2000 بزيادة 13.2 في المئة عن أرباح 1999 التي تقدرها ب580 مليون درهم بزيادة 11.36 في المئة. وينتظر ان ينتج عن دمج "لاسمير" و"الشريفة للبترول" قيام عملاق نفطي ينتج نحو ستة ملايين طن من محروقات البنزين والتحكم في نحو 20 مركزاً لتعبئة الغاز المسيل والبروبان اضافة الى تأكيد الريادة التكنولوجية في مجال تصنيع زيوت المحركات والشحوم الاصطناعية. وحسب تفاصيل عمليات الدمج سيتم مبادلة الأسهم الأصول ورفع قيمة رأس المال لتتملك "لاسمير" التي تحتفظ باسم الشركة الجديدة نسبة 86.7 في المئة و"الشريفة للبترول" التي سيتم تصفيتها نسبة 13.3 في المئة. على أن تزيد "لاسمير" رأس مالها ب157 مليون درهم 16 مليون دولار من خلال استصدار 1.578.915 سهماً جديداً بقيمة مئة درهم للسهم الواحد. وفوض مجلس الادارة كلاً من السادة عبدالرفيع منجور مغربي وجمال محمد باعامر سعودي صلاحيات تنفيذ عمليات دمج الشركتين والترتيبات الادارية المصاحبة، ومنها نقل 6.2 بليون درهم من أصول "الشريفة للبترول" الى "لاسمير" التي ستتحمل بدورها حسابات سابلة بقيمة 4.1 بليون درهم. وستحصل "كورال" وفق خطة الدمج الجارية على ميناء نفطي في المحمدية شمال الدار البيضاء هو الأكبر من نوعه في شمال غرب افريقيا ويمكنه استقبال ناقلات نفط عملاقة، كما تحصل مصفاتين للتكرير في المحمدية وسيدي قاسم يربط بينهما انبوبان للنفط بطول 300 كلم كان البنك الاسلامي للتنمية منح قروضاً بشأنهما بقيمة 40 مليون دولار، كما سيتوفر لكورال مراكز لتعبئة الغاز خصوصاً في شمال المغرب قرب خط انبوب غاز المغرب العربي - اوروبا الذي ينقل 10 بلايين متر مكعب من الغاز الجزائري عبر المغرب ما يجعل "كورال" مهتمة بتطوير هذا النوع من الشراكة المغربية - الجزائرية وربما نجحت في ذلك كما نجح الأنبوب نفسه لأنه انجاز اسباني - اوروبي لم يحمل حساسيات المنطقة. ويعتقد مراقبون استناداً الى نجاح مشاريع "كورال" في المغرب ان الاستثمارات السعودية حققت أكبر مردودية اقتصادية من دخولها قطاع التخصيص المغربي قياساً الى مثيلتها الاوروبية بما في ذلك قطاع المصارف والصناعات الانتاجية. ولعل ما كان في البدء مغامرة طموحة تحول الى مجموعة عملاقة يرحب بها الخصوم قبل الاصدقاء. فالمنافسة اشبه بالجري بحسب رجل أعمال مغربي وكلما ارتفعت وتيرة السرعة زادت فرص كل لاعب بتحقيق ارقام قياسية، وما ينطبق على الاستثمار.