منذ أن هبط آدم إلى الارض.. كان عليه ان يصنع لقمة خبزه.. وكان هذا في حد ذاته يحتاج الى سعي وتعب وجهاد. لقد قيل لآدم وهو في الجنة "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى". هذه الميزة الهائلة التي تم منحها لآدم في الجنة، لم تعد قائمة في الارض.. تحتاج الارض لقوانين اخرى.. هي قوانين السعي والكدح.. وهي قوانين تنتهي بالبعض الى الثراء، وتنتهي بالآخرين الى الفقر.. لو نظرنا اليوم الى خريطة الارض.. من منظور الغنى والفقر، فسوف نكتشف ان عدد سكان الارض قد صار 6 بلايين انسان، اي ستة الاف مليون نسمة.. كم عدد الفقراء منهم وكم عدد الاغنياء؟ ان سدس سكان الارض اغنياء.. ومعهم خمسة الاف مليون فقير في العالم.. ولو تأملنا الفروق بين الاغنياء والفقراء فسوف نراها فروقا هائلة.. نأخذ غرب اوروبا مثلاً.. ان الدخل السنوي لأفقر مواطن في غرب اوروبا هو 18 ألف دولار، اي 1500 دولار شهريا أي خمسة الاف جنيه في الشهر، والدخل السنوي لأفقر الفقراء في كل انحاء اوروبا، اي في بلغاريا مثلا هو خمسة الاف دولار، اي حوالي 400 دولار شهريا.. اي حوالي 1400 جنيه في الشهر. هذا هو حال افقر الاغنياء، فما هو حال أفقر الفقراء؟ لن نذهب بعيداً للبحث عن هؤلاء، فهم موجودون في العالم الثالث، إن واحدا من كل ثلاثة في العالم الثالث يعيش على اقل من دولار في اليوم.. ويزيد الطين بلة بحر الديون الهائل الذي يسبح فيه أهل العالم الثالث. هذه بعض ارقام نشرتها مجلة الايكونومست البريطانية، اعتماداً على التقارير السنوية التي نشرها البنك الدولي عن حالة الفقر في العالم، ولقد كان الامل معقوداً على حلم النمو في الدول النامية، ولكن هذا الحلم تبدّد.. في العام الماضي انخفض معدل النمو في معظم الدول النامية من 8.4 في المئة في عام 97 الى 9.1 في المئة في العام الماضي.. وفشل التنمية يعني امتداد مساحة الفقر.. وهي مساحة صارت تغطي ثلاثة ارباع سكان العالم.. تقول الارقام التي نشرتها مجلة الايكونومست إن الفقر قد بلغ حدا جعل نصف سكان افريقيا يعيش الفرد منهم بأقل من دولار في اليوم.. ورغم ثروة افريقيا في المواد الخام والمعادن، لازالت تعتبر من أفقر بلاد العالم.. في دولة مثل الصومال هناك أكثر من 150 الف صومالي يصارعون الموت جوعاً خاصة بعد وصول موجة الجفاف الى البلاد، وفي دولة اخرى مثل السودان يخيم شبح الجوع على جنوب البلاد بسبب المتمردين الذين اشعلوا الحرب ضد الشمال، وليس الجوع قاصراً على افريقيا، ان مناطق كثيرة في العالم تعيش الآن تحت خيمة الجوع.. إن دولة مثل اندونيسيا تمر بأسوأ ازمة اقتصادية، تقول إحدى الصحف الاندونيسية ان 6 ملايين طفل قد تركوا مدارسهم بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وعجز الاهالي عن توفير نفقات الدراسة.. ولقد زحف الفقر على دول كانت تعتبر من الدول العظمى التي تتسابق على حكم العالم، مثل روسيا الاتحادية.. ان 20 في المئة من سكان روسيا يعيشون تحت مستوى الفقر كما قال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون اوروبا، ورغم كل الاموال التي حصلت عليها روسيا من الغرب لم تستطع ان تنهض باقتصادها او تحل مشاكلها المستعصية،، وبدت كل النقود التي حصلت عليها كنقود القيت في برميل بلا قاع وينقسم العالم اليوم الى ثلاث فئات.. فئة الاغنياء وهؤلاء لا يزيدون على مليار، وفئة سيئي التغذية، وهؤلاء يبلغون مليارين، اما البقية الباقية فتحت خط الفقر الشديد. والمحنة التي تعيشها الدول النامية هي محنة الديون المتراكمة التي بلغت 2 تريليون دولار، وخدمة هذه الديون او ارباحها تكلف الدول النامية 200 مليار دولار سنويا، وهي تتراكم وتزيد رغم الاعفاءات.. ما هو سر فقر الفقراء وما هو سر غنى الاغنياء؟ سنلاحظ ان الدول الغنية تعيش في هياكل اقتصادية متينة، وتعرف التخطيط البعيد المدى، وتعرف نظام السوق الحر، وتعيش في ديموقراطية حقيقية وحرية حزبية، وتعترف بحقوق الانسان. اما الدول الفقيرة فان حظها من هذا كله لا يعدو ان يكون ديكوراً.. ان الانسان في الدول النامية او الفقيرة هو في احسن الظروف ثروة معطلة وكيان لا قيمة له، اما الهياكل الاقتصادية فهي هياكل خربة، اما التخطيط البعيد المدى فيكاد يكون مجهولا، اما الديموقراطية والحرية فاسمان يطلقان على الحكم الشمولي او الديكتاتوري في افضل الظروف، وكل اعوام عدة يستيقظ الشعب ليجد الحاكم قد اختفى واختفت معه بلايين عدة من الدولارات نسي ايداعها في الخارج. وهكذا تزداد بعض الشعوب غوصا في اوحال الفقر..