استبعد مسؤول في احدى الجامعات الكندية في مونتريال احتمال ايجاد حل سريع لمشكلة العمالة المزمنة التي تعانيها صناعة الكومبيوتر في أميركا الشمالية مرجحاً استمرار الاعتماد على الكفاءات الأجنبية والطلاب الأجانب الذين يلتحقون ببرامج الكومبيوتر التخصصية العالية في الجامعات الأميركية والكندية. وقال البروفيسور "ديفيد لودر" رئيس قسم هندسة الكومبيوتر في جامعة "ميغيل" ل"الحياة": "الكل يدرك مدى ضخامة المشكلة التي تعانيها صناعة الكومبيوتر على صعيد تلبية احتياجاتها من الكوادر البشرية لكن جامعات أميركا الشمالية لا تستطيع ايجاد حل سريع لهذه المعضلة بامكاناتها الراهنة." وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية احتياجات صناعة التكنولوجيا العالية من الكوادر المؤهلة في دولها الأعضاء بنحو 600 ألف شخص وتتوزع هذه الاحتياجات بواقع 20 ألف شخص في بريطانيا و30 ألف شخص في كندا و60 ألف شخص في ألمانيا في ما تنفرد الولاياتالمتحدة بالقسم الأعظم من الباقي، بنحو 346 ألف شخص. وتنحصر تقديرات المنظمة في الاحتياجات الآنية لصناعة الكومبيوتر الأميركية اذ تؤكد مصادر عدة، من بينها وزارة العمل الأميركية، أن أزمة العمالة، التي ازدادت بسبب مشكلة الألفية الثانية والتوسع في استخدام شبكات انترنت العامة والخاصة في العامين الأخيرين، مستمرة في التفاقم مع توقع ازدياد متطلبات الشركات الأميركية بنسبة 65 في المئة في السنوات العشر المقبلة، ما يعادل نحو 3.1 مليون فرصة عمل. حقول رئيسية وتشكل الاحتياجات الآنية لصناعة الكومبيوتر الأميركية عشرة في المئة من الحجم الاجمالي لقوتها العاملة الحالية المقدرة بنحو 3.4 مليون وتتركز هذه الاحتياجات في حقول رئيسية أهمها البرمجة وتحليل الأنظمة التي تتوافر برامجها لدى المعاهد الخاصة، لكنها تشمل في الوقت نفسه التخصصات العالية التي تنفرد بها الجامعات مثل هندسة وعلوم الكومبيوتر. وتعود أزمة الكفاءات الفنية، من وجهة النظر الأكاديمية، الى أن صناعة الكومبيوتر، وبشكل أعم صناعة التكنولوجيا العالية، سجلت نسب نمو خيالية في السنوات القليلة الماضية في حين أن الجامعات التي يقع على عاتقها توفير القسم الأعظم من الكوادر المؤهلة لتغذية هذا النمو شهدت في وقت متزامن تراجعًا في قدرتها على أداء مهمتها. وعزا البروفيسور لودر سبب التطور الأخير الى الموقف السلبي لكل من الحكومات والصناعة، وقال: "هناك مشكلة تعانيها الجامعات على صعيد التمويل اذ لا ترغب الحكومات في توفير الدعم المادي، كما أن صناعة التكنولوجيا العالية حققت فعليا معدلات عالية من النمو في السنوات الأخيرة الا أنها ليست راغبة في المساهمة في تمويل عملية اعداد الكوادر المؤهلة التي يتطلبها نمو بهذا الحجم". وأكد لودر أن معاناة الجامعات ظاهرة عامة في أميركا الشمالية، وفي حال كندا، على سبيل المثال، أشار الى تراجع الدعم الحكومي للجامعات ومعاهد التعليم العالي بنحو 600 مليون دولار منذ سنة 1993، ما أضعف، في رأيه، قدرة الجامعات الكندية على الاحتفاظ بكوادرها التعليمية والتوسع في برامجها التخصصية. وقال: "خسر قسم هندسة الكومبيوتر في جامعتنا 16 مدرساً من أصل 30 مدرساً في السنوات الست الأخيرة نتيجة مباشرة لعدم توافر مصادر التمويل، وهذه ليست مشكلة خاصة بنا بل مشكلة عامة في أميركا الشمالية اذ أن الجامعات باتت عاجزة عن اجتذاب المدرسين لأنها غير قادرة على تقديم رواتب مغرية، ومن نافلة القول التأكيد على أن إعداد الكوادر المؤهلة بأعداد كافية يتطلب توفير أعداد مناسبة من المدرسين". تشاؤم وأبدى لودر تشاؤماً ازاء امكانات ايجاد حل قريب وقال: "ما لم تدرك الحكومتان في أميركا وكندا مدى خطورة المشكلة فلن يكون هناك حل. وفي المقابل من المفترض أن تساهم الصناعة في اعداد ما تحتاج اليه من الكوادر، وهذا لم يحدث حتى الآن". وتأتي نبرة التشاؤم من جامعة تصنف برامجها التخصصية في حقل هندسة وعلوم الكومبيوتر ضمن البرامج العشرة الأوائل في أميركا الشمالية وضمن البرامج العشرين الأولى في العالم، وتفسر سبب انفتاح شهية صناعة التكنولوجيا العالية على الكفاءات الأجنبية التي تشكل في الوقت الراهن نحو ثلث اجمالي القوة العاملة للصناعة المذكورة في كل من الولاياتالمتحدةوكندا. ويلجأ البلدان الى أساليب متشابهة في اجتذاب الكفاءات الأجنبية اذ تقدم كندا تسهيلات كبيرة لطالبي الهجرة من الكوادر المؤهلة فضلاً عن تسريع اجراءات منح تأشيرات العمل الموقتة، فيما تمنح الولاياتالمتحدة المرشحين تأشيرات عمل صالحة لمدة ست سنوات، ما يدعم فرصهم في الحصول على الاقامة الدائمة البطاقة الخضراء. الا أن اجتذاب الكفاءات الأجنبية من الخارج ليس الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام شركات صناعة التكنولوجيا العالية لتلبية احتياجاتها من الكوادر المؤهلة اذ يتوفر لها مصدر مساعد يتمثل في الأعداد الكبيرة من الطلاب الأجانب الذين يلتحقون ببرامج الدراسات التخصصية في كلا البلدين. وحصل الطلاب الأجانب على نسبة 37 في المئة من اجمالي عدد شهادات الماجستير التي منحتها الجامعات الأميركية سنة 1996 في حقل دراسات الهندسة والكومبيوتر و45 في المئة من شهادات الدكتوراه التخصصية. ولم يصدر "اتحاد الصناعات الالكترونية" أرقاماً حول المخططات المستقبلية للخريجين الأجانب ولكن البروفيسور لودر أشار الى أن برنامج هندسة الكومبيوتر في جامعة ميغيل يجتذب 60 في المئة من طلابه من خارج مقاطعة كيبيكوكندا عموماً، معرباً عن اعتقاده أن قسماً كبيراً من الطلاب الأجانب الذين ينهون دراساتهم بنجاح يجد فرص عمل مغرية بانتظاره ويفضل البقاء في أميركا الشمالية. مغريات وقال: "لا شك أن مغريات العمل في أميركا الشمالية قوية لذا يصعب مقاومتها، لكن لا بد من التأكيد أن الدراسة في حقل هندسة الكومبيوتر ليست بالأمر السهل ولا تتوافر المؤهلات المطلوبة الا لدى نخبة من الموهوبين لا تزيد نسبتها على واحد في المئة من سكان العالم، ويمكن من هذا المنطلق توقع حجم الرواتب التي تعرض على الخريجين". وأضاف: "يعود أحد أسباب الأزمة التي يعانيها قسم هندسة الكومبيوتر لجامعة ميغيل في اجتذاب المدرسين الا أن الخريج يتقاضى راتباً يعادل ما يتقاضاه البروفيسور إن لم يناهزه". ولفت لودر الى أن قسم هندسة الكومبيوتر يتطلب مؤهلات عالية في الرياضيات والفيزياء ومعدل قبول لا يقل عن 91 في المئة. ويستقبل القسم أعداداً "لا بأس بها" من الطلاب من الدول العربية، خصوصا لبنان والاردن، وأبناء الجاليات العربية المقيمة في كندا. وقال ان الغالبية تقرر البقاء والعمل في كندا أو الولاياتالمتحدة على رغم اعترافه بعدم توافر احصاءات مؤكدة في هذا المجال. وفي المقابل تؤكد المعطيات المتوفرة مدى قدرة السوق الأميركية على اجتذاب الكفاءات الأجنبية اذ أجاز الكونغرس في نهاية العام الفائت زيادة عدد تأشيرات العمل المخصصة لصناعة التكنولوجيا العالية من 65 ألف تأشيرة في سنة 1998 الى 115 ألف تأشيرة في سنة 1999 الا أن مكتب الهجرة والجنسية الأميركي يتوقع تلقي 155 ألف طلب بنهاية السنة المالية في تشرين الأول اكتوبر. وما يعنيه هذا أن الزيادة المماثلة التي أقرها الكونغرس للعام المقبل سيتم استنفادها قبل بداية العام مع وجود احتمال كبير في أن يتكرر الأمر في العام المقبل.