فيما عاد العسكر الى لعبته المفضلة في افريقيا، في ثلاثة بلدان هي النيجر وجزر القمر وغينيا بيساو، فإن دولة صغيرة في القرن الافريقي، هي جيبوتي انتقلت السلطة فيها في الاسبوع الأول من أيار مايو الحالي من الرئيس الأب - كما يسمونه - حسن غوليد، والذي ظل على رأس الحكم منذ الاستقلال عن فرنسا في 1977، الى رئيس شاب تم انتخابه مباشرة بواسطة الشعب، هو اسماعيل عمر جيلي... فأي مفارقة هذه؟ ابراهيم الضاهر يجيب: رغم أن القارة السمراء اعتمدت منذ 1990 اعلان أديس أبابا القاضي بالالتزام بالمسار الديموقراطي، ورغم ان افريقيا أكدت مراراً رفضها للانقلابات، فإن العسكر ضربوا بكل هذه المقولات عرض الحائط، بدليل ما وقع في دولة النيجر، غرب افريقيا، حيث جيء بالرئيس ابراهيم باري منسار من مأمنه فقتل برصاص الحرس الجمهوري. وفيما الجهود على قدم وساق للتوصل الى حل في جزر القمر فاجأ رئيس هيئة الأركان المجتمع الافريقي قبل الدولي بانقلاب عسكري ادعى انه لتنفيذ الاتفاق الذي أبرم في عاصمة جزيرة مدغشقر، انتناناريفو قبل اسبوع على الانقلاب. أما آخر الانقلابات فوقع في جمهورية غينيا بيساو، وقام الانقلابيون بإحراق القصر الجمهوري والسفارة الفرنسية مما اضطر الرئيس المنتخب ديموقراطياً - رغم أنه في الأساس عسكري - الى طلب اللجوء الى سفارة البرتغال في العاصمة. وسط هذا الزخم الانقلابي، أطلت دولة صغيرة في القرن الافريقي تعلن عن حفل زفاف للديموقراطية في الثامن من أيار الحالي. فبعد مضي قرابة الربع قرن على استقلالها 1977 وتولي أول رئيس وطني للبلاد بعد خروج الفرنسيين، هو حسن غوليد أبتدون، السلطة لاثنين وعشرين عاماً، جاءت الجماهير الجيبوتية، وهي من قبيلتي العيسى والعفر 650 ألفاً برئيس شاب من خلال صناديق الاقتراع، هو اسماعيل عمر جيلي، الذي أقسم في حفل تنصيبه على المحافظة على الدستور وأن يرعى مواطنيه وبلاده وسلامة ترابها. وكان اللافت في القسم ان الرجل قرأه باللغة العربية، هو الذي يجيد الفرنسية والانكليزية والعربية والصومالية. وصدر القسم بعبارة "التمسك" بالاسلام ديناً، مما أعطى الانطباع بأن الرئيس الجديد متحمس للتوجه العربي والاسلامي. وبقراءة متأنية لخطابه السياسي كما ورد في حديثه، فإن اسماعيل عمر وعد شعبه بألا يفرط في سيادة، وألا "يخضع أو يخنع" لارادة كائن من كان. وفهمها بعض المراقبين اشارة من طرف خفي الى فرنسا، التي كان من المفهوم هيمنتها على سير الأمور في ذلك البلد الصغير، خاصة وقد لوحظ أن المدعوين لحفل انتقال السلطة الى الرئيس الجديد، لم يكن بينهم موفد فرنسي قدم من باريس، فاقتصر الأمر على شخص السفير الفرنسي في البلاد. لكن كان واضحاً أن جيران جيبوتي شكلوا حضوراً قوياً تمثل في وفود السودان واثيوبيا وكينيا واليمن ومصر. فالمتخلف الوحيد منهم كان اريتريا، أما بقية دول العالم فحرصت على دعم الرئيس الجديد بحضور ممثلين عنها بداية بالاتحاد الأوروبي ومروراً باليابان وبريطانيا وأميركا وبلجيكا، وانتهاء بدول افريقية مثل السنغالوغينياوالنيجر ونيجيريا والجزائر وجنوب افريقيا. لقد أكد الرئيس الجديد التزامه بالنهج الديموقراطي، وأن يرد ذلك من بلد من أصغر بلدان القارة، يعتبر درساً بليغاً للانقلابيين والعسكر بأن موجتهم ليست الموجة الوحيدة والأبدية في افريقيا.