توالي زيارات رؤساء دول القرن الأفريقي للمملكة خلال الأشهر الماضية يأتي تتويجا للتغير في السياسات السعودية، نحو الانفتاح على دول القرن الأفريقي وذلك لترميم علاقات دول حوض البحر الأحمر وترسيخ علاقات حسن الجوار والحفاظ على هذا الشريان الاقتصادي الدولي من المغامرات السياسية العبثية لإيران وحلفائها في المنطقة. ويمكن رصد انطلاقة هذه السياسات من خلال تغيرات ملحوظة في مواقف دول القرن الأفريقي وانفتاحها على اليد السعودية الممدودة بالتعاون والتكاتف والدعم لخلق منظومة من التفاهمات والمصالح المتبادلة بين دول البحر الأحمر في جميع مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري. الصومال.. اتهام بتدخل غير مباشر الزيارة الأولى للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود منذ توليه رئاسة بلاده عام 2012 للمملكة وعقد خادم الحرمين الشريفين لجلسة محادثات معه تأتي امتدادا للتواصل السعودي مع دول القرن الأفريقي، خاصة مع الصومال البلد الذي عانى من تدخلات إيران غير المباشرة في شؤونه والتي أكدها تقرير سري للأمم المتحدة اطلعت عليه وكالة رويترز عام 2013 وقالت إن السلطات اليمنية ضبطت سفينة إيرانية محملة بالأسلحة، وقال دبلوماسي غربي حينها وفقا لرويترز "إن وجود 16716 صندوقا من متفجرات سي4 في السفينة جيهان1 يشير إلى صلة محتملة بين إيران وحركة الشباب في الصومال لأن المتمردين الحوثيين لا يستخدمون المتفجرات سي4 على عكس الشباب". جيبوتي.. تقارب سياسي عسكري زيارة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله مؤخراً للمملكة جاءت هي الأخرى لتتويج التقارب السعودي الأفريقي وضروراته لحماية ملاحة البحر الأحمر، وفي تعليقه على الزيارة ودلالاتها قال سفير جيبوتي لدى الرياض ضياء الدين بامخرمة -نقلته عنه العربية نت- إن "القيادتين متفقتان على الخطوط العريضة في كافة الصعد السياسية والأمنية والعسكرية"، مؤكدا حرص جيبوتي على كل ما من شأنه تحقيق أمن واستقرار ووحدة المنطقة العربية. إريتريا ليست كحالها بعد العاصفة أولى الدول التي نجحت المملكة في تحييد التغلغل الإيراني فيها هي إريتريا، فعلى الرغم من أن الدور الإريتري في دعم الحوثيين بدأت بوادره بالظهور إبان الحرب الحدودية في الحد الجنوبي السعودي عام 2008، ووفقا لتقرير مجلة المجلة اللندنية المنشور في يناير 2013 فإن الحديث عن العلاقات الإيرانية الإريترية تصاعد بعد التقارير التي تحدثت عن وصول سفينة محملة بالأسلحة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين في شمال اليمن عبر إريتريا عام 2008، ورددت وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود قاعدة عسكرية إيرانية بحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري. ويمكن ربط هذه المساعدات بحصول إريتريا على قرض 25 مليون يورو من إيران في 2008 وفقا لتقرير مجلة المجلة. الدور الإريتري ظهرت بوادر تغيره بعد إعلان وكالة الأنباء السعودية في أبريل الماضي عن وصول رئيس إرتيريا أسياس أفورقي إلى الرياض. تنامي السياسة الترغيبية الإيرانية في أفريقيا استعرضت دراسة صدرت ضمن سلسلة دراسات استراتيجية عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عام 2011 بعنوان السياسة الخارجية الإيرانية في أفريقيا للباحث شريف مبروك. مدى تنامي سياسة الترغيب التي اعتمدتها إيران كوسيلة لترسيخ وجودها السياسي والاقتصادي والعسكري في أفريقيا. ووفقا للدراسة فقد سارعت إيران بتنشيط أذرعها المباشرة والخفية، مستغلة انتشار الكثير من الموالين لإيران في غرب أفريقيا عبر بعض المنتمين لحزب الله اللبناني والمتوالين معه، وكانت تتحرك يومها وفقا لفلسفة "سياسة البناء" التي بدأها رفسنجاني، وبعده عزز محمد خاتمي في زيارته لأفريقيا، كجنوب أفريقيا والسنغال ونيجيريا والنيجر، ساعيا إلى تأمين دعم دولي لبرنامج التسلح النووي الإيراني، وفي عهد نجاد عادت النزعات الثورية إلى المنطق الإيراني، وتعدد زياراته للقارة السمراء عامي 2009 و2010، جامعا الأيديولوجيا والاقتصاد معا، واستطاعت إيران توظيف شبكة من التفاعلات غير الرسمية لخدمة مصالحها، حيث أصبح العديد من مواطنيها ومن حلفائها، خاصة حزب الله اللبناني، يعملون في مختلف أنحاء القارة الأفريقية. وبينت الدراسة أنه مع وصول أحمدي نجاد للرئاسة في إيران جعل أفريقيا في قائمة أولوياته، فتأسست منظمة تطوير التجارة مع الدول العربية والأفريقية، وزار نجاد عام 2009 جزر القمر وجيبوتي وكينيا، وبعد أشهر زار: السنغال وزامبيا، كما زار زيمبابوي وأوغندا عام 2010. وجود عسكري ودعم نفطي ويقول الباحث في دراسته أن إيران استوعبت خلاصات الخبرة الإسرائيلية في أفريقيا، فدعمت قطاعات التكنولوجيا والطاقة والزراعة والصحة والدفاع، فضلا عن ضخ البترول بأسعار زهيدة، وإنشاء المصانع، وشركات خارج إيران. وبين الكاتب أهداف إيران من التواجد على الساحة الأفريقية المتمثلة في تعزيز وجودها العسكري في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وهو ما اتضح اليوم بتسهيل دعمها للحوثيين في اليمن في مشروعهم الانفصالي الطائفي، ويبين الكاتب التسلسل التاريخي لتطوير فكرة مصفاة البترول الإيرانية في إرتيريا لتصبح قاعدة عسكرية بحرية. البحث عن اليورانيوم الأفريقي كشفت إحدى وثائق ويكيليكس المسربة أن الولاياتالمتحدة تلقت تقريرا استخباراتيا من إحدى سفاراتها أن يورانيوم الكونجو ربما يمر من تنزانيا عن طريق شركتين سويسريتين للشحن ثم يصل إلى إيران، يفسر هذا بعدها الاهتمام الأميركي الشديد بتوقيع اتفاقية مع الكونجو الديموقراطية تهدف لمنع الاتجار في المواد النووية بهدف قطع الطريق على طهران، وحينها كان تحاول مجموعة Areva عملاق الطاقة الفرنسي أخذ نصيب من الكعكة النووية أيضا بحسب التسريبات في 2007، تم اكتشاف اليورانيوم في غينيا على يد شركة أسترالية وبطبقات سمكها من سبعة أمتار إلى أربعة عشر مترا وهو سمك ضخم، مما أدى إلى تحولها من دولة هامشية لمحط أنظار الدول النووية، حينها بدأت إيران مباشرة في برنامج للتعاون الاقتصادي مع غينيا ليرتفع هذا التعاون في عام 2010 بنسبة 140%.