يبدو أن "التايكون" الاسترالي روبرت مردوخ قد غدا اليوم المنافس الأول لدول الاتحاد الأوروبي ومشاريعها الاعلامية... في أوروبا! فالقارة الأوروبية، إذا ما استثنينا بريطانيا، ما زالت خارج نفوذ مردوخ. أما في كل من شمال أميركا واستراليا والقارة الآسيوية، فنجح التايكون الاسترالي في الحصول على حصة الأسد. لكنه في أوروبا كان قد استولى فقط على أقل من نصف مجموعة "فوكس" الألمانية التلفزيونية وعلى بعض الحصص البسيطة في مجموعات إعلامية تابعة لدول أوروبية أخرى، إضافة إلى مملكته البريطانية "سكاي تي في مالتي تشنلز"، صحف "التايمز"، "صنداي تايمز"، "صن"، "نيوز اوف ذي وورلد"، ملاحق "التايمز" ومجموعة "المالتي ميديا دلفي كرياتيف"... جديد مردوخ في أوروبا اليوم هو اختراقه للسوق الايطالية. فبعد محاولات عدة مُنيت بالفشل، نجح الاعلامي الاسترالي في دخول المرئي الايطالي، وذلك عبر لعبة كرة القدم. فبواسطة المجموعة الرقمية "ستريم" التي باعت قسماً من حصصها لمردوخ، استطاع هذا الأخير عقد اتفاقيات مع عدد من نوادي كرة القدم الايطالية لبث مبارياتها في ايطاليا. دول أوروبا الشرقية سابقاً تشهد اليوم، من ناحية أخرى، حركة في المجال السمعي - المرئي نتيجة الصراعات بين أوروبا ومردوخ على أسواقها. ففي بولندا تود "بي. تي. كاي"، أهم كايبل في البلاد، بيع ثلث حصصها، خصوصاً أن أرباحها المتصاعدة توفر لها عدداً وفيراً من المرشحين لعملية الشراء وبأسعار تفرضها شركة الكايبل البولندية. هنا أيضاً، المعركة ابتدأت بين الشركة الفرنسية "كانال بلوس" وشركة "نيوز كورب" التابعة لمردوخ. وعلى رغم الدعم الأوروبي للشركة الفرنسية، فبولندا وتشيخيا وهنغاريا هي الدول التي ستدخل قريباً في إطار الاتحاد الأوروبي، ويبدو مردوخ واثقاً من فوزه بحصص الشركة البولندية. هذا الصراع هو صراع بين عالم المؤسسات التي، وهذا عنصر ضعفها، ترزح تحت عبء البيروقراطية، وتايكون دولي لا تدخل سوى المعايير التجارية في حساباته. فتلفزيونات الاتحاد الأوروبي أمضت سنتين تتصارع في ما بينها باسم "نزاهة المنافسة"، إذ أن بعضها فرنسا، ايطاليا، اسبانيا تستمد موازنتها من الاشتراكات والموارد الاعلانية، بينما في بريطانيا والمانيا لا تدخل الموارد الاعلانية في موازنات المحطات التابعة للقطاع العام، أو تكون ضئيلة: 17 في المئة في التلفزيون الألماني على سبيل المثال، و62 في المئة في زميله الاسباني. أما ما يشغل بال مجموعة مردوخ فكيفية التوصل إلى دفع أقل مما يمكن تسديده للضرائب... ففي السنة الماضية لم تدفع شركات مردوخ سوى مئتي ألف دولار في ضرائب، أي ما يقل عن 6 في المئة من أرباحه، بينما تدفع الشركات الكبرى حوالى 30 في المئة من معدلات أرباحها. والغريب أن وجود مردوخ في الولاياتالمتحدةوبريطانيا واستراليا، أي في دول تصل فيها نسبة الضرائب إلى 36 في المئة الولاياتالمتحدة لا أثر لها على حسابات شركاته. وتفسير هذا اللغز يعود إلى وجود حوالى ثمانمئة شركة تابعة لمردوخ، منها حوالى ستين مسجلة في دول كبرمودا أو جزر كايهان، هي دول تحفظ السرية المصرفية ولا ضرائب مهمة فيها. وهكذا فأرباح مردوخ تنبع دائماً من هذه الشركات التي تتخطى في أرقامها ما تدره الصحف وقنوات التلفزيون في بريطانيا أو استراليا! والمثير أن الشركات التي في برمودا لا يتعدى عدد موظفيها اثنين أو ثلاثة! وهناك سنوات نجح خلالها مردوخ بعدم دفع أية ضريبة في بريطانيا، وحسب دراسة قامت بها مجلة "الايكونوميست" اللندنية، تبين ان الأموال التي كان على التايكون الاسترالي تسديدها لمركز الضرائب سنوياً كان في وسعها بناء سبع مستشفيات وخمسين مدرسة وثلاثمئة دار حضانة! نفقات مردوخ تذهب إلى جيش من المحامين والخبراء في أمور الضرائب وعبر حنكته السياسية، كدعم بعض صحفه للعمالي توني بلير في الانتخابات الأخيرة، يستطيع التايكون الحفاظ على مكتسباته بأقل ثمن... اليوم من جديد قررت ثلاث محطات اذاعية أوروبية - دولية المشاركة في بناء محطة جديدة في بودابست - هنغاريا: ال"بي. بي. سي" البريطانية، "أو. إف.، اي" الفرنسية و"دوتشيفيلي" الألمانية، التي ادركت جميعاً أنه لم يعد هناك مجال للانفراد في تقديم المشاريع، خصوصاً إذا كان المنافس في قوة مردوخ. عقبات هذا المشروع الذي سيبث 24 ساعة في اليوم، أنه سيعتمد على أربع لغات هي لغات المحطات الأم، إضافة إلى الهنغارية. البث سيبدأ في مطلع سنة 2000، والمحطات الممولة أعلنت أنها لا تريد أن تظهر "كصوت بروكسيل"، مدركة بذلك كم ان الجانب المؤسساتي خاسر أمام الزحف التجاري في عالم الاعلام...