يعتقد السوريون ان قراري رئيس الوزراء الاسرائىلي السابق شمعون بيريز تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية في كانون الثاني يناير 1996، وسحب وفده المفاوض من "ميريلاند" في شباط فبراير، نقطتا بدء تراجع المفاوضات السورية - الاسرائيلية وصولاً الى جمودها نهائياً بفوز بنيامين نتانياهو في "انتخابات بيريز المبكرة". ويعتقد اسرائيليو حزب "العمل"، ان سببي التوقف هما: عدم ارتقاء المفاوضات الى مستويات ارفع من السفيرين السوري وليد المعلم والاسرائىلي ايتمار رابينوفيتش، وحصول العمليات الانتحارية ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس و"الجهاد الاسلامي" في شباط. لكن الجانبين يؤكدان حصول "تقدم جوهري" بينهما كان مقرراً ان يؤدي الى عرض "الانجازات" على لجنة خاصة كي تصوغ الاتفاق في حزيران يونيو 1996. ولعل طرح ايهود باراك بعد فوزه في انتخابات الاسبوع الماضي، خطة على المسارين السوري واللبناني تتضمن استئناف المحادثات "من حيث توقفت" يطرح السؤال: اين توقفت مفاوضات السلام السورية - الاسرائيلية؟ قامت هذه المفاوضات على اربعة عناصر او ما عرف "ارجل الطاولة الاربع"، وهي: الانسحاب، الامن، السلام، التزامن. وكان الجانب السوري يضع استعادة الجولان كاملةً ك"خط احمر لا تنازل عنه" سواء مع موفد حكومة "ليكود" يوسي بن اهارون 1991و1992 او وفد حكومة العمل برئاسة رابينوفيتش بين 1992و1996، في حين كانت الاولوية الاسرائىلية تتغير حسب تغير رئاسة الحكومة من "استمرار المفاوضات عشر سنوات من دون تقدم" حسب فهم اهارون لسياسة رئيسه الليكودي اسحق شامير الى "اولوية أمن اسرائىل" حسب رابينوفيتش - رابين الى "التطبيع" و"السلام الدافئ" و"تقاسم المياه" حسب رابينوفيتش - بيريز. ونتيجة اصرار دمشق على عدم بحث اي من عناصر السلام الثلاثة الاخرى قبل الحصول على "تعهد بالانسحاب الكامل"، توصل الاميركيون بمبادرة الرئيس بيل كلينتون الى "معادلة" مرضية للطرفين السوري والاسرائىلي وضعت "الفيول" في ماكينة المفاوضات. وكان اساس هذه المعادلة تعهد رابين "الانسحاب الكامل" بشكل عام ثم تحديده ذلك الى ما وراء خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967، الامر الذي لبى المطالب السورية وفتح الباب امام تقدم المحادثات في ميريلاند. وكان الرئيس حافظ الاسد اول من كشف تعهد رابين، اذ قال في مقابلة مع شبكة التلفزيون الاميركية "سي.ان.ان" في ايلول سبتمبر 1996، ان "المحادثات لم تكن سهلة واحتاجت إلى جهود من قبل الأطراف العربية وإسرائيل والولايات المتحدة، وبذلت الاطراف جهوداً كبيرة تحقق بنتيجتها تقدم وتحققت انجازات. وهذه الانجازات أصبحت التزامات وحقوقاً للأطراف"، مؤكداً ان "اتفاقاً جرى بين سورية وإسرائيل حول انسحاب الإسرائيليين من الجولان حتى خطوط الرابع من حزيران، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى اكمال عناصر السلام الأخرى". وقدم الاسرائىليون، ومنهم رابينوفيتش في كتابه "على حافة السلام"، والصحافي اوري آولاي كاتز في كتاب عن بيريز بعنوان "الرجل الذي لا يعرف النصر"، رواية معقدة مفادها ان وزير الخارجية الاميركي السابق وارن كريستوفر حصل من رابين في تموز 1994 على "عرض بالانسحاب الكامل شرط ان يوافق السوريون على الامور المتعلقة بالترتيبات الامنية"، وان بيريز وافق على ذلك عندما سأله الرئيس كلينتون خلال جنازة رابين. اي ان الاسرائىليين لم ينفوا تعهد الانسحاب الكامل. واقصى ما قيل انه "افتراضي" تحت عنوان "ماذا لو؟" What If ?. لكن ذلك لا يقلل من قانونيته الدولية واهميته طالما ان الجانب السوري ملتزم الجوانب المنجزة، وان هذه "الانجازات" سجلت "وديعة" في محاضر الجلسات التي حضرها ورعاها الاميركيون. على هذا الاساس تحقق التقدم في العنصر الثاني للسلام. وعلى خلفية فشل اجتماع رئيسي الاركان الاسرائيلي باراك والسوري السابق العماد اول حكمت الشهابي في كانون الاول ديسمبر 1994، بسبب التشدد الاسرائيلي والمبالغة في المطالب الامنية، بدأ رابينوفيتش والمعلم والمنسق الاميركي لعملية السلام دنيس روس في آذار مارس 1995، مناقشة اسباب فشل اجتماعات باراك - الشهابي، لصوغ ورقة "اهداف ومبادئ ترتيبات الامن". وهكذا اجرى كريستوفر محادثات مع الرئيس الاسد في دمشق ورابين في تل ابيب. ثم زار واشنطن كل من رابين في 7 ايار مايو 1995 ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع في 15 من الشهر نفسه، وتم التوصل بعد سبعة ايام الى "الورقة"، التي قال السفير السوري انها "تشكل اطاراً عاماً لمناقشة الخبراء الامنيين" و"مهدت لمعاودة اجتماعات رئيسي الاركان" الشهابي والاسرائىلي السابق امنون شاحاك في الشهر اللاحق. وأقرت "ورقة اللاورقة"، كما سميت، مبادئ الترتيبات الامنية التي ستقام في الجولان بعد الانسحاب مثل: ان لا يكون امن طرف على حساب الطرف الآخر. ومبدأي المساواة والتبادلية بحيث يكون ما يقام على اي طرف من الحدود يقام على الطرف الاخر جغرافياً واثراً. بعد ذلك، انضم خبراء امنيون الى الوفدين المتفاوضين في ميريلاند. لكن الجانب السوري عانى من مبالغة الاسرائىليين في طلب الضمانات الامنية مع انهم "يتمتعون بتفوق عسكري على اي مجموعة من الدول العربية بسبب وجود قنابل نووية لديهم والتكنولوجيا والامدادات الاميركية، وكون اسرائىل تصنّع 60 في المئة من حاجاتها العسكرية". واكثر الامور التي لاقت رفضاً سورياً، طلب اسرائىل محطة انذار ارضية في الجولان لان السوريين اعتبروها "انتهاكاً لسيادتنا" و"تجسساً علينا"، فاقترحوا الاستعانة بالمحطات الفضائىة. النقطة الامنية الاخرى التي رفضت من دمشق، كانت سعي الاسرائيليين الى التدخل في تركيبة الجيش السوري وعدده وعودته الى ابواب العاصمة، لان سورية تعتبر ذلك "تدخلاً في الشؤون الداخلية" و"فتح الطريق الى دمشق" امام الاسرائيليين. اما بالنسبة الى نقطتي التطبيع والتزامن، فان الحديث عنهما ازداد خلال ترؤس بيريز الحكومة الاسرائىلية بين تشرين الثاني نوفمبر بعد اغتيال رابين، وشباط عند توقف المفاوضات، اذ ان الجانب الاسرائىلي كان يريد "سلاماً دافئاً" و"تطبيعاً سريعاً" يقوم على اساس الحدود المفتوحة وتبادل الوفود السياحية وتبادل التمثيل الديبلوماسي وفتح الاسواق امام الجانبين، او انه كان يربط "عمق السلام" ب"عمق الانسحاب". في حين كان السوريون يقترحون "التريث" لان الامر ليس "كبسة زر" كي يتحول الشعبان من العداء الى الصداقة، كما ان الوضع الاقتصادي و"الهوة بين اقتصادي الطرفين" لا تسمحان بالانفتاح السريع، اضافة الى ان اي حكومة لا تستطيع ان تفرض على شعبها ان يكون "السلام دافئاً". وآخر موضوع طرح كان المصادر المائىة في الجولان. ذلك ان الوفد السوري تمسك بعودتها الى سورية لانها "حق" لنحو نصف مليون "جولاني" سيعودون الى اراضيهم، فيما بالغ الاسرائىليون بأن مياه الهضبة السورية تشكل 60 في المئة من المصادر المائىة لاسرائيل.