اختفت الحروب، تقريباً، عن الصور. دشنت حرب فوكلاند هذا التقليد واستكملته حرب الخليج الثانية. وفي الحالين كانت فيتنام حاضرة ومعها النظرية القائلة بان درب الهزيمة الاميركية هو ذلك الخط الواحل بين الكاميرا الميدانية وشاشات التلفزيون في بيوت الاميركيين العاديين. خسرت اميركا حرب الصورة قبل ان تعترف بعجزها عن الانتصار. ماذا سيبقى، اعلامياً، من الحرب الأطلسية في كوسوفو.. صور الكترونية لأهداف تصيبها الصواريخ كما لو ان الأمر لعبة. صور لدمار وحرائق، وأحياناً لجثث، لا اثر فيها لعمل حربي فعلي. صور اللاجئين الألبان المتدفقين عبر الحدود، او في المخيمات الطارئة، كما لو أنهم يهربون من … كارثة طبيعية. ويمكن القول، بناء على ما تقدم، ان الصور عن المواجهات شبه اليومية في جنوبلبنان بين المقاومة الاسلامية وقوات الاحتلال تكاد تكون الصور القليلة في عالم اليوم التي تقول ان "حربا" تقع فعلا مع ما يعنيه ذلك من تقدم وتراجع، من اقتحام وقصف، من تفجير وجرحى، الخ… المصدر الوحيد لهذه الصور الحية، الحقيقية، هو "الاعلام الحربي" لهذه المقاومة الذي يحاول النهوض وحده في وجه آلة اعلامية متفوقة. فاسرائيل تتمتع، في هذا المجال، بميزة تفاضلية لا شك فيها. وهي اذ تملك صلات عالمية مؤكدة فانها تستفيد، ايضا، من "صورة سلبية" يعممها الاعلام الغربي عن كل ما هو أصولي وهي صورة، يسهم عدد من الاصوليين انفسهم في المساعدة على انتاجها. بدأ "الاعلام الحربي" عمله منذ 1982 ورافق البدايات الأولى لموجة المقاومة التي اعقبت الاجتياح الاسرائيلي للبنان. وثمة صور عائدة الى هذه المرحلة تملك اهمية ارشيفية كبيرة. غير ان الانعطافة الكبرى حصلت في العام 1993 مع انشاء جهاز خاص بعدما توفرت المعطيات التي سمحت لقيادة المقاومة بالتقدم نحو هذه الخطوة الحاسمة في "الحرب الاعلامية". ويعني ذلك ان القرار اتخذ باقحام "الصورة" في المواجهة وليس فقط لمجرد التسجيل. يدل هذا التحول على زيادة الثقة بالنفس. انه دليل على انكسار "التوازن البسيكولوجي" بين المقاومين وجنود الاحتلال او المتعاملين معه. فالذي يقرر ان يصور يفعل ذلك لانه شبه واثق من استطلاعاته، وترتيباته، ونجاحه، وانه انما يسجل انتصاراً له من أجل تعميم الواقعة. يدل فعل التصوير على قدر عال من السيطرة المفترضة على مسرح العمليات وعلى قلة خوف من رد الفعل. والذين اتيح لهم ان يشاهدوا "العمليات المصورة" ل "المقاومة الاسلامية" ينتابهم نوع من الشعور بأنهم يحضرون فيلماً سينمائياً. يحصل الأمر وكأن مخرجاً اعد الكاميرات، واختار زوايا التصوير، وحدد المسافات اللازمة، وضبط الإنارة، وطلب من الممثلين - المحتلين التقدم الى موقع محدد، وجعل العدسات تقترب منهم، وصدر انفجار العبوة بهم قبل ان يتمهل قليلاً لاخذ عدد من "اللقطات" وذلك قبل قطع التصوير تمهيداً، ربما، للانتقال الى مشهد آخر. وفي هذه الحال يتماهى المخرج مع المقاوم ويجعل المشاهد العادي يرى الوقائع بعيني من كان خلف الكاميرا. وثمة مشاهد اخرى يصبح فيها المقاوم هو الممثل: صورة ثابتة لموقع ما. رجل يتقدم نحوه وقد غير "شكله الهندسي"، ورجال عدة احياناً، ثم صور لاقتحام ولاعلام مرفوعة وشارات نصر. وهنا تكون الكاميرا جزءاً من "فريق الهجوم" وهو امر لا يشترط، في كل مرة، رؤية الطرف الآخر. يقول، عن ذلك احد مسؤولي "الاعلام الحربي" في "المقاومة الاسلامية" ان هناك جهازاً متخصصاً للتصوير على الجبهة وان عناصره يخضعون لتدريب عسكري مضن مثل سائر المقاتلين لا بل اقسى منه لانهم يتعرضون للمخاطر نفسها من غير ان يكونوا مزودين بالأسلحة نفسها. وبالاضافة الى ذلك فانهم يخضعون لدورات تأهيل فني تجعل منهم، كما تدل النتائج، مصورين - مقاتلين. الكاميرات الموضوعة في تصرف هذا الجهاز متعددة الانواع وتتمتع بأفضل التقنيات الموجودة في السوق طالما ان الهدف هو، في النهاية، "تقديم صورة مقنعة" حتى لو قاد الأمر المشاركة في الاقتحام والتصوير عن كثب. "ولكن اليس ثمة مخاطر في ذلك؟" . رداً على هذا السؤال يأتي الجواب قاطعاً لقد سقط لنا ثلاثة شهداء من المصورين. الاخ بهجت دكروب في عملية بئر كلاب عام 93، والاخ حيدر احمد حيدر في عدوان تموز يوليو 93، والاخ مصطفى مزنر قرب موقع الدبشة في 97. جهاز الاعلام الحربي منفصل عن وحدة الاعلام المركزي في "حزب الله" ويعود اليه اختيار الصور القابلة للبث و"تنقيتها" من اية معلومات او معطيات امنية يمكن للعدو الاستفادة منها. وفي تقدير المسؤول الذي تحدثنا اليه ان لدى الاسرائيليين جهاز بشري تابع مباشرة لرئاسة الاركان يعكف على دراسة الصور والبحث فيها عما يمكن ان يكون مفيداً له. ويضيف "اننا نعلم أهمية ذلك لاننا حللنا الصور التي التقطناها لهم وامكن لنا الاستفادة منها". لقد شكلت العملية الاولى على موقع الدبشة منعطفاً في تاريخ "الاعلام الحربي" لماذا؟ لان المقاومة اقتحمته واعلنت عن ذلك فرفض الاسرائيليون الاعتراف. وكان ان تم تعميم الصور الامر الذي أحدث ازمة وادي الى اقالة ضباط من صفوف جيش الاحتلال. حاول الاسرائيليون اتباع الأسلوب نفسه ولكن الحظ لم يحالفهم. فلقد صوروا، مثلا، الاستعدادات لعملية انصارية غير انها انتهت النهاية المعروفة. وكذلك صوروا مطاردة احد عناصر المقاومة راجع الكادر غير انها انقلبت عليهم ولذا "باتوا يتخوفون من اللجوء الى ذلك". ان توثيق العمليات وبث الافلام الخاصة بها خاضعان لمعايير مختلفة. يكون الهدف احياناً رفع المعنويات لدينا او "ضرب معنويات الخصم"، او، في حالات عديدة، "الاثنين معاً". ولكن ذلك لا يتدخل في العرض. فالتركيز هو "على الصورة الحية الحقيقية ونقل الواقع كما هو". نحن، إذاً، امام نوع من الافلام التسجيلية التي اكتسبت صدقية الى حد ان محطات التلفزيون في العالم كله تنقلها بصفتها "الحقيقة". ويمكن القول، في هذا المجال، وحسب رأي المسؤول العسكري - الاعلامي، "اننا حققنا انتصاراً عليهم على صعيد انتزاع الصدقية". تحول عدوان نيسان ابريل، بهذا المعنى، الى حرب جدية بين اعلام المقاومة واعلام العدو وحقق الأول ثلاثة انتصارات مؤكدة. اولاً، قال المسؤولون السياسيون والعسكريون في اسرائيل، بعد موجات القصف الأولى، انهم نجحوا في وقف اطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستعمرات فلسطينالمحتلة. رددنا عليهم ليس فقط عبر الاستمرار، بل تكثيف الاطلاق، انما ايضا بواسطة تصوير المجموعات تنتقل الى اداء مهماتها. ولم يكن الفارق بين الادعاء والرد سوى ساعات. ثانياً - ركز الاسرائيليون على ان طائراتهم تقصف اهدافاً عسكرية وتصيبها وتدمرها وتدمر البنية التحتية للمقاومة. وقد اقدمنا، دفعاً لذلك الى تصوير ما كانوا يؤكدون تدميره لاظهار ان لا اساس لهذه الادعاءات. ثالثاً - قدم الاسرائيليون عدوانهم بصفته "حرباً نظيفة". وقف شمعون بيريز وامنون شاحاك امام الشاشات يستعرضان نجاحات "العمليات الجراحية" ويؤكدان الحرص على المدنيين والقدرات الفائقة للأسلحة الذكية. واطنب الاعلام الاسرائيلي في بيع هذه التصورات الى العالم كله، غير اننا كنا نرد باستمرار بتقديم وثائق عن استهداف المنشآت المدنية وعن تهجير مئات آلاف. ثم حسمنا الأمر عند تقديم الصور الدامغة عن المجازر الواقعة في حق المدنيين. يختم مسؤول "الاعلام الحربي" حديثه برواية واقعة احرجت الاسرائيليين كثيراً. فلقد اعلنت المقاومة اقتحام موقع سجد وعممت صوراً له من الخارج التقطتها احدى الكاميرات. رد جيش الاحتلال نافياً عملية الاقتحام. ولم يكن في علمه اننا نملك صوراً اخرى التقطتها كاميرا ثانية. فلما عممناها اضطر الى تكذيب نفسه. موقع "انترنت": على الخط الأمامي للجبهة يستطيع كل مهتم بأخبار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في لبنان ان يتابعها، من بيته أو مكتبه، في أي مكان من العالم اذا كان مشتركاً ب"انترنت". يكفي لذلك ان يطلب الموقع الآتي: www. moqawama. org. إذا فعل يمكنه التنقل بين العناوين المختلفة بما في ذلك "الاعتداءات الاسرائيلية" أو "العمليات العسكرية". أحد المسؤولين في "حزب الله" عن متابعة هذا الموضوع يتحدث عن "الموقع" وكأنه يتحدث عن مركز عسكري بكل ما للكلمة من معنى. فهو يقول ان اللجوء الى هذا الاسلوب هو قرار ب"فتح الجبهة الاعلامية"، ب"فك الحصار" و"كسر الطوق"، الخ... لم يكن صعباً تقدير التفوق الاسرائيلي في هذا المجال و"النقل المجتزأ للحقائق" وبالتالي، كان سهلاً حسم أمر الرد على ذلك وتحويل اوتوستراد المعلومات "الى طريق من اتجاهين خاصة وان لا رتابة ممكنة في هذا المجال، أو على الأقل، لا رقابة يسيرة. بدأت صفحة المقاومة عملها في 97 وكانت متنوعة منذ البداية مع تركيز على ما يحصل في الجنوب وعلى دور الاحتلال والحركة الصهيونية عموماً. وبسرعة تم الانتقال الى تحديث يومي للانباء الساعة الثالثة بتوقيت غرينتش لا بل الى اقحام "فلاشات" اخبارية عند حلول تطورات طارئة ومهمة وتتم الاستعانة، في هذا المجال، ببيانات غرفة العمليات بعد وضع مقدمة سريعة لها، كما يبثها تلفزيون "المنار" أو تعممها "وحدة الاعلام المركزي". يعترف المسؤول بأن نقطة الجذب الرئيسية هي عند تعميم ما يقدمه "الاعلام الحربي" من صور للاقتحامات والعمليات ومن لقطات فيديو حية بما في ذلك، احياناً لجرحى الجيش الاسرائيلي. ففي هذه "المناسبات" يتزايد الضغط على الموقع خصوصاً وان الرقابة العسكرية في اسرائيل تمنع، في العادة، وصول الجمهور الى صور من هذا النوع. وهكذا فإن هناك من يسعى الى اشباع رغبته في الحصول على معلومات دقيقة عبر الدخول الى صفحة المقاومة. والملاحظ، على هذا الصعيد، ان الاقبال يتزايد كثيراً بعد العمليات الاساسية. يجب التمييز، هنا، بين اقبال من يريد معرفة أكثر، وإقبال أهل الجنود في قوات الاحتلال، وإقبال الاجهزة المعادية الساعية الى تعطيل وظيفة الموقع. وفي ما يخص الصنف الثالث، يقول المسؤول، يتعرض موقعنا الى قصف يومي من أجل تخريبه، واقفال صندوق البريد ومنع التواصل. ويحصل ذلك من الجانب الاسرائيلي، وبمعونة مواقع اخرى، عبر استخدام برامج محرمة دولياً E. mail Bomber وهو الأمر الذي يؤذينا ويؤذي الكثيرين غيرنا. ويقضي هذا الاسلوب بتسليط 10 الى 30 ألف رسالة من كل "قاصف" على موقع معين لتعطيله. وقد أمكن الرد على هذه الهجمات عبر استخدام برامج موجودة في الاسواق تلغي كل ما يتجاوز الرسالة السادسة. ويتم اللجوء، ضدنا، الى وسيلة ثانية: استخدام برامج، محرمة ايضاً، للتجسس على المشتركين في "انترنت". ويمكن لها سرقة ملفات الHard Disk الى الموقع نفسه من أجل انزال مواد مشوهة. ورددنا على ذلك ايضاً باستعمال برامج إقفال وحماية تتغير باستمرار. والأسلوب الثالث هو "الفيروس". واتخذنا الاحتياطات اللازمة. ان "الغضب" الاسرائيلي على هذه الصفحة ناجم عن أسباب عديدة منها انها موجودة 24 ساعة في اليوم وكل يوم على مدار السنة، ثم أنها تشكل مادة أرشيفية حية في المنازل، يمكن لأي فرد أو عائلة اللجوء اليها. ليست الأساليب السابقة هي اساليب التدخل الوحيدة، فمسؤول الموقع يذكر ان الاسرائيليين يتدخلون بكثافة في برامج الحوار وتتميز مداخلاتهم إما بقدر كبير من التعالي وإما بكمية كبيرة من الشتائم. ولكن غالباً ما نفرق أقوالهم في سيل المتحادثين من اميركا وأوروبا والبلاد العربية خصوصاً وان بين هؤلاء نسبة كبيرة من الاكاديميين وطلاب العلوم السياسية. غير ان هناك من يوجه رسائل خاصة عبر البريد الالكتروني بعضها، طبعاً، ذو لهجة معادية جداً، ولكن بعضها الآخر يطالب بموقف من نوع الدعوة الى وقف العمليات العسكرية حتى اجراء الانتخابات الاسرائيلية. وكذلك فإن "حركة الامهات الأربع" وغيرها تعرض وجهة نظرها و... مطالبها! ودرجت العادة، حسب المسؤول، على عدم الدخول في أي حوار مع اي اسرائيلي. الفريق العامل في الموقع يتابع الصحف والاخبار الاسرائيلية بدقة. وقد مكّنه ذلك، بعد عملية أنصارية، من اكتشاف تململ بين اهل الجنود القتلى، وتمركز التملل على عدم احترام الجيش لتقاليد الدفن وذلك بعد عملية تسليم الأشلاء. واسند بعض الأهالي الاستنكار الى صور نشرناها بعدما كنا امتنعنا عن ذلك لأسباب انسانية. ولكن ما لم يكن في حسبان المسؤولين الاسرائيليين اننا كنا اجرينا فحصاً جينياً للاشلاء اثبت العدد الفعلي للقتلى وميّز الأشلاء عن بعضها. ولما عممنا نتائج الفحص تسلح بها اهلهم من اجل مهاجمة الحكومة، وصرح والد أحد القتلى، وهو أمر تناقلته الصحف، "لقد دفنتم أبني مثل حمار". والمعروف ان تحقيقاً فتح عن ملابسات هذه القضية. ان من يريد ان يعرف أكثر من الخبر اليومي يسعه ان يجد بعض ما يريد في هذه الصفحة. ويتناول هذا "البعض" كتباً ودراسات عن الصهيونية، مثل "الاساطير المؤسسة لدولة اسرائيل" روجيه غارودي، مذكرات موشيه شاريت "الصهيونية في مئة عام" وليد خالدي عن "الحياة"، "الوصايا العشر للحركة الصهيونية" أنيس صايغ، وكتب اسرائيل شاحاك... وبالإضافة الى ذلك ثمة دراسات عن نظرة القانون الدولي الى المقاومة وتبريرها. هادي يروي كيف طاردوه و... "قتلوه"! } هادي السيد حسن مقاوم صوّرت اسرائيل مطاردتها له بالطيران الحربي والمروحيات والقصف المدفعي. واعلنت مقتله. هذه روايته لما جرى في شباط فبراير الماضي بعدما انقلبت الرواية الاسرائيلية ضد اصحابها. كنت ضمن مجموعة مكلفة بعملية في عمق الشريط الحدودي المحتل على مقربة من حدود فلسطينالمحتلة. اخترقنا الدفاعات المعادية وقمنا بتكليفنا. ولكن، في طريق العودة، اصطدمنا بكمين وتعرضنا الى اطلاق نار. فكان لا بد لنا من ان نتفرّق. لم تمض دقائق حتى ظهرت المروحيات الاسرائيلية واستقدم العدو الآليات. وكنت، في ما يخصني، اختبأت في بيت. وبما انهم يملكون وسائط للرؤية الليلية فقد ادركوا وجودي حيث انا، ومن جانبي ادركت انني مراقب من فوق عبر طائرات "ام.ك" والهليكوبتر. قررت الاختفاء في البيت والمبيت فيه متيقناً انهم سيأتون في الصباح. تعرض البيت الى قصف متقطع. صليّت الفجر واتصلت بالاخوان لاعلامهم اني بخير. وردوا علي في الحادية عشرة والنصف صباحاً من اجل ابلاغي بضرورة الانتباه الشديد لأن قوات معادية بدأت تحتشد. وبالفعل لاحظت وصول دورية الى مقربة من المنزل. ونحن نعلم، بحكم الخبرة، ان قوات الاحتلال تقوم، بعد كل عملية، بتفتيش المنازل المحيطة بالموقع وتأكد لي ذلك من سماعي الدعوة الى عدم التجول. سمعت أذان المؤذن وكانت الساعة، على ما اعتقد، بين الثانية عشرة والنصف والواحدة ظهراً. صليت وانتظرت. وفي هذا الوقت كان الاسرائيليون اقتربوا اكثر من البيت. بقيت على اتصال دائم بقيادة العمليات في المقاومة ولما ابلغتهم تحرّك العدو نحو مكاني جاءتني الاوامر بفتح النار. وبعد عشر دقائق بدأت ملالة ترمي رصاصاً على مكان وجودي في البيت قرب الدرج. انقذتني العناية الالهية. عاودت الملالة الرمي وفي تقديري انها افرغت صندوقاً من رصاص 7.12. وبما اني لم اصب ثانية فقد غمرني شعور بأني سأنجو. تشجعت وقلت في نفسي "سيرزقني الله النصر". وحسمت امري لجهة فتح النار ورمي ما املكه من قنابل خاصة واني كنت اراهم من فتحة في الحائط واعلم ان عددهم كبير. وقفت لأرمي ففوجئت بجرافة تعمل وتحاول هدم البيت حيث وقوفي. فقررت الخروج الى الشرفة الغربية واستأذنت القيادة فأذنت لي. ولما حاولت انتبهت الى ان ثمة اعداداً من جنود العدو موجودون في هذه الجهة. عاودت الاتصال بقيادتي فقيل لي انه لم يعد بد من الاشتباك حتى الاستشهاد وان اسناداً مدفعياً سيحاول مساعدتي. بعد لحظات اخذت اسمع قذائف المقاومة وصراخ جنود العدو. تشجعت وقفزت عن الشرفة ورميت وركضت وعدت وشاهدت ذلك كله على شاشة التلفزيون. فوجئت بنفسي. قطعت اول مئة متر ركضاً وأنا اتعرض الى اطلاق نار من جميع النواحي وفي ظل تحليق "ام.ك" والمروحيات. اكملت الركض نحو الوادي وصادفت سيدة طالبتها بأن تكمل سيرها وابتعدت في هربي عن طريقها حتى لا اعرضها لمخاطر. وصلت الى الوادي فاختبأت تحت شجرة وارتحت نصف ساعة. لقد كانوا على بعد 75 متراً مني ولكنهم لم يتقدموا نحوي. بدأ الطيران الحربي الاغارة عليّ. وسقط اول صاروخ علي بعد امتار قليلة مني. اغمي علي لحوالي نصف ساعة وتعطلت قدرتي على الاتصال بالقيادة بعد اصابة الجهاز. عندما استيقظت كانت عيني اليسرى شبه مطفأة وثيابي ممزقة وسلاحي غير نافع والاصابات في جسمي. لم يبق معي الا قنبلة واحدة. بقيت حيث انا لثلاث ساعات. وقفت بعد استرجاعي قواي وحاولت الابتعاد حتى لا اتعرض لرماية او اعرّض احداً يريد انتشالي لأي كمين. اتجهت الى منطقة اعرف انه يمكن لاخواني سحبي منها ثم وجدت ان في وسعي الاستمرار حتى المنطقة المحررة. وصلتها عند المغيب بعد ان كنت امضيت 48 ساعة في الارض المحتلة. وبعد اذان المغرب والصلاة سرت مجدداً لساعات في المنطقة الحرة ووصلت في النهاية الى منزل مأهول نقلني سكانه الى المستشفى. ما ان ينهي هادي السيد حسن روايته حتى يتولى احد مسؤولي "الاعلام الحربي" امر الاختصار والتوضيح. "لقد بات الاخ هادي ليلة 23 - 24 شباط فبراير في المنطقة المحتلة. وانقطع الاتصال به اوائل بعد ظهر الرابع والعشرين فصدر بيان من المقاومة يعلن ذلك. وفي هذا الوقت بث التلفزيون الاسرائيلي مشاهد عن عملية المطاردة بعد ان ورد على موقع اسرائيلي في "انترنت" انه قتل. وفي الثامنة الا ربعاً من مساء اليوم نفسه بث تلفزيون المنار مشاهد المطاردة. ولكن في الخامس والعشرين اعدنا البث انما، هذه المرة، بحضور الاخ هادي". "مثل بعوضة في الدماغ" } عينة من الصحف الاسرائيلية عن تأثير بث صور الاعلام الحربي على معنويات الجنود واهلهم "... يوضح العقيد ي ضابط استخبارات الجبهة الشمالية ان جزءاً من قوة اسناد العمليات يتمثل بوحدة التصوير، فاذا كان في الخلية شخص مكلف بوضع العبوة الناسفة فان في اغلب الاحوال هناك ايضاً شخص آخر مسؤول عن تصوير العملية. ويقول ميخائيل شيشر الذي عمل في الماضي ناطقاً بلسان وزارة الدفاع ومؤلف كتاب "المستنقع اللبناني" في رده على مدى تأثير الافلام المصورة التي يبثها "حزب الله" عن العمليات "ان صورة احتلال موقع تلة الدبشة يترك اثراً بعيد المدى على جندي. كانوا يقولون له ان الجيش الاسرائيلي لا يتحرك من مواقعه وان الجيش الاسرائيلي لا يقهر. وحتى اذا لم يعترف الجنود بذلك فمن المؤكد ان هذا سوف يؤثر على المعنويات. ان هذا يشبه بعوضة صغيرة تتسلل الى الدماغ ولا تتوقف عن اللسع". "يخطو حزب الله نحو الامام ونشاطاته العملية تترافق مع عدسة آلة التصوير اذ ان الحزب يصوّر بالفيديو هجومه على قافلة للجيش الاسرائيلي او اطلاق صاروخ ساغر او محاولة احتلال موقع اسرائيلي. فاليوم يمكن مشاهدة كل هذا في نشرة الاخبار…". عن مجلة الجيش الاسرائيلي 21/9/1996 ..."ويذكر ان تأثير الحرب النفسية على المجتمع الاسرائيلي كبير جداً. ويعتبر اظهار فيلم قام بتصويره واعداده حزب الله على شاشة التلفزيون الاسرائيلي نصراً عظيماً للحزب ويدخل هذا الفيلم تقريباً كل منزل في اسرائيل حيث يتساءل العديد من المواطنين عن مدى حاجة جيشهم الى البقاء عالقاً في الوحل اللبناني". عن "هآرتس" بقلم غي بشور 15/2/1996 في مقابلة مع العقيد كوبي ماروم المرشح لتولي قيادة لواء غولاني قال رداً على سؤال عن قدرات حزب الله الميدانية: "… نحن نخوض حرب أدمغة غير بسيطة... فهم يحاولون طوال الوقت اصابتنا في نقاط الضعف… ولكن لا تجب المبالغة في قوة حزب الله. يوجد هنا تنظيم حرب عصابات يشكّل تحدياً غير بسيط". واضاف العقيد ماروم في ردّه على السؤال نفسه: "… في أمر واحد فقط نحن اقل جودة… في مجال الدعاية والاعلام علينا ان نحسّن وضعنا في هذا المجال". عن "يديعوت أحرونوت" 15/1/98