عندما يتحدّث الشاعر جوزف حرب على الشاشة الصغيرة عن بعض القضايا الشعريّة ولا سيّما قصيدة النثر فإنّما يتحدّث من موقع السلطة تبعاً لتبوّئه رئاسة اتحاد الكتّاب اللبنانيين. فهذه الرئاسة التي كانت تنتمي من قبل الى الهامش السياسيّ وان كان حزبياً في أحيان، أضحت معه ومع بعض رفاقه "اليساريين" عموماً تتويجاً لسلطة ما سواء أكانت حقيقية أم وهمية. وانطلاقاً من موقعه "السلطوي" لم يتوان جوزف حرب عن إدانة قصيدة النثر وعن إلغاء شعرائها بل عن طردهم من عالم الشعر. أمّا في آرائه الأخرى فغدا على قدْرٍ كبير من اليقين و"الطمأنينة" وربّما من "الرغد" الذي يعرفه مثقفو الأنظمة عادةً. وان كان يحق للشاعر جوزف حرب أن ىتمتع بما مُنح من سلطة فهو لا يحق له أن يعتمد المنطق المتسلّط ليلغي "الآخرين" الذين يختلف هو عنهم أو يحسّ أنّه لم يستطع أن يبلغ شأوهم وأن يقترب من ريادتهم الحقيقية. وكذلك أن يُلغي حقائق أدبية ومفاهيم ومدارس أضحت ثابتة في تاريخ الآداب العالمية. ولعلّ كلامه كرئيس لاتحاد الكّتاب اللبنانيين وعلى الشاشة الصغيرة ينبغي أن يكون أقل عدائية وعشوائية وخصوصاً حيال قصيدة النثر التي باتت مكرّسة في كل الأوساط الأدبىة العالمية. وعوض أن يناقش الشاعر - الرئيس شعراء هذه القصيدة وهم باتوا كثراً، يعمد الى إلغائهم اعتباطاً ملغياً عبرهم تراثاً كبيراً وعظيماً ليس في لبنان والعالم العربي فحسب وإنّما في العالم أجمع. لم ينتبه جوزف حرب مثلاً الى أنّه في موقفه "الانتقامي" والمتسرّع ألغى شعراء كباراً عالميين وعرباً ليس هو إلاّ صدى في غاباتهم. ولعلّ المديح الذي كاله حرب للشاعر فاروق شوشة رئيس اتحاد الكتّاب المصريين في البرنامج التلفزيوني نفسه بعدما كال له الأخير المديح والإطراء لم يكن إلا من موقع صاحب السلطة الذي يتوجّّه الى صاحب سلطة أخرى وربما مماثلة. وبدا هذا التبادل "المدائحي" هزيلاً ومضحكاً وخصوصاً حين أبدى "الرئيس" اللبناني إعجابه ب"إلقاء" نظيره المصريّ وكأنّه مطرب أو شاعر منبريّ فقط. والمنبريّة أصلاً هي من أبرز حوافز الكتابة لدى شاعرنا اللبناني ومن أبرز مبرّرات صنعته الشعريّة. وهي تبلغ أوجها في قصائد المديح التي يمنّي نفسه بها دائماً. ولم يدرِ الكتّاب اللبنانيون الذين ينتمون الى الاتحاد أو الذين انسحبوا منه إن كان "رئيسهم" أهدى رئيس الجمهورية قصيدة "مدائحية" حين زاره قبل فترة وقد بدا مبتهجاً ومسروراً ومتفائلاً كما أظهرته كاميرا النشرات الأخبارية. يستطيع جوزف حرب "الماركسي أبداً" كما يعترف أن "يدير" سياسة الاتحاد كما يشاء وأن يمدح من يشاء وأن يمارس سلطته قدْر مستطاعه لكنّه لا يقدر أن يستغلّ منصبه الذي جيء به اليه ليصدر أحكاماً عرفية وخاصة عبر الأعلام في حقّ الشعراء الذين يختلف عنهم، وفي حقّ قصيدة النثر التي عجز عن كتابتها وعن مجاراة روّادها ممّا جعله متأخراً عن ركب الحركة الشعرية الحديثة. وإن كان اتحاد الكتّاب اللبنانيين شبه غائب عن هموم الحياة اللبنانية والثقافة اللبنانية وعن قضايا الأدب والشعر المعاصرين فليس من المستغرب أن تكون أحكام رئيسه تحديداً واهية ورجعيّة. ولا يكفي طبعاً أن يفتعل الاتحاد ورئيسه المواقف النضالية كي يكونا مناضلين. فالنضال يجب أن يكون سمة المتمردين الحقيقيين المنفتحين على المعاصرة والحداثة والمتأصّلين في جذورهم في الحين عينه لا أولئك المنغلقين على ماضيهم والمستسلمين لأوهامهم والغائبين حقاً عن الحاضر والمستقبل معاً.