فيما واجه زعيم حزب العمل مرشح قائمة "اسرائيل واحدة" ورئيس الوزراء الاسرائيلي زعيم ليكود، بنيامين نتانياهو كل منهما الآخر، امس، وحدهما في انتخابات رئاسة الحكومة التي رافقتها انتخابات الكنيست ال15، اتفق معظم المحللين في اسرائيل على ان نتانياهو واجه، بسبب انسحاب المرشحين الثلاثة الآخرين للمنصب، الكابوس الذي طالما تخوف منه واعتبره أسوأ سيناريو. وكان ذلك الكابوس بالطبع حقيقة ان الانتخابات لرئاسة الحكومة ستحسم في الجولة الاولى ولم تعد أمامه فرصة لالتقاط أنفاسه استعداداً لجولة ثانية في الاول من حزيران يونيو المقبل. ورأت صحيفة "هآرتس" في مقال افتتاحي امس ان استراتيجية نتانياهو انهارت "انهياراً تاماً" اول من امس بعد انسحاب مرشح حزب الوسط اسحق موردخاي ومن بعده مرشح حزب الوحدة الوطنية بني بيغن بعدما كان المرشح العربي للمنصب الدكتور عزمي بشارة قد انسحب السبت الماضي. وبالفعل، بدا نتانياهو في مؤتمره الصحافي نهار الأحد مهتز المعنويات، محذراً من "مؤامرة" قال ان موردخاي مشترك فيها مع باراك، مدعياً ان انسحاب مرشح حزب الوسط قد اقنع كثيرين من اعضاء ذلك الحزب بالعودة الى احضان حزبهم الأم، ليكود. وقال نتانياهو لمستمعيه: "قلت لكم قبل شهرين ان عرفات والسلطة الفلسطينية سيعملان من اجل انتخاب باراك بسحب ترشيح عزمي بشارة. لقد فعلاً ذلك. اما المكيدة الثانية فتتعلق باسحق موردخاي الذي وعد تكراراً بأنه سيستمر حتى النهاية، وقد اثبت ان ترشحه كان فارغاً". وسعى نتانياهو الى تخويف الناخبين الاسرائيليين اليهود من "تآمر" باراك وموردخاي مع "احمد الطيبي وعزمي بشارة"، قائلاً ان اسرائيل ستجري عما قريب اهم مفاوضات في حياتها بشأن الحدود والقدس وموارد المياه متسائلاً: "من سيصمد للضغوط؟ بشارة؟ الطيبي؟ ليكود وحده هو الذي يستطيع التفاوض". ثم حاولت قيادة ليكود ليل الاحد - الاثنين اعطاء انطباع متفائل وبث رسالة مفادها ان نتانياهو سد الفجوة في استطلاعات الرأي بينه وبين باراك، بل تقدم على خصمه. لكن استطلاعاً اجراه الدكتور يعقوب كاتز من جامعة بار ايلان بناء على طلب نتانياهو دلّ على ان باراك كان متقدماً الأحد بنسبة 4 في المئة. ونقلت "هآرتس" عن مصادر في ليكود ان نتانياهو اجرى مشاورات ليل الأحد - الاثنين مع اقطاب حزبه ادرك من خلالها انه يحتاج لكي يفوز الى تعبئة الناخبين من حركة شاس الدينية السفاردية بنسبة 100 في المئة، وكذلك الأمر بالنسبة الى الناخبين من حزب اغودات اسرائيل والحزب القومي الديني والى 60 في المئة على الأقل من اصوات الناخبين الناطقين بالروسية. ورأى محلل سياسي اسرائيلي امس ان فوز نتانياهو يتطلب "معجزة" من قبيل "حدوث وباء في اوساط الأقلية العربية يمنع ناخبيها من التصويت وحدوث فشل تام في استطلاعات الرأي وحدوث انقلاب تام في التوجهات الاخيرة للناخبين في اوساط المهاجرين الروس" الذين صوتوا في الانتخابات الثلاثة الاخيرة دائماً ضد رئيس الوزراء الموجود في السلطة. اما باراك الذي أفادت الاستطلاعات الاخيرة عشية الانتخابات انه متفوق بنسبة 6 - 10 في المئة على خصمة فكانت فرص فوزه امس رهناً بثلاثة عوامل رئيسية: تصويت الناخبين العرب بكثافة وهذا ما كان واضحاً حتى الساعة الثانية من بعد ظهر أمس وان يكون الناخبون الروس قد قالوا الحقيقة للمختصين باستطلاعات الرأي بشأن توجهاتهم في التصويت، وادلاء ما لا يقل عن 50 في المئة من انصار حزب الوسط بأصواتهم له. وبدا واضحاً امس ان ثمة رغبة قوية في التغيير في اسرائيل من اجل تحسين الوضع الاقتصادي الذي تدهور بسبب تشدد نتانياهو الذي اثار نفور الادارة الاميركية والدول الاوروبية، وتسبب في تعميق الصراع العرقي في اسرائيل والصراع بين المتدينين الذين ناصرهم ومولهم من جهة والقوى العلمانية التي ترفض نفوذ الاحزاب الدينية من جهة اخرى. وبدت الشكوك بين المتدينين والعلمانيين واضحة أمس من خلال إصرار الأحزاب اليسارية على ارسال ممثلين عنها الى مراكز الاقتراع في الأحياء التي يسكنها المتدينون ليدققوا هويات الناخبين للتأكد من عدم ارتكابهم أي مخالفات انتخابية كالتصويت مرتين بهويتين مختلفتين. وبسبب ادراك باراك ان مرشحي حزب العمل يحصلون في استطلاعات الرأي عادة على نتائج أفضل مما يسجلونه في صناديق الاقتراع فقد دعا انصاره الى عدم التقاعس أول من أمس قائلاً ان "النصر يكمن في صندوق الاقتراع والعمل الصعب، وليس في استطلاعات الرأي". وبرغم ان النتائج النهائية لانتخابات رئاسة الحكومة والكنيست لن تظهر في صورة دقيقة قبل صباح اليوم الباكر، فإن "العينة التلفزيونية" التي تظهر نتائجها عادة حوالى العاشرة مساء بالتوقيت المحلي مساء يوم الانتخابات أمس تعد دقيقة الى حد كبير وشبه موثوق بها، اذ لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها 2-3 في المئة. وإذا كان التحول كبيراً لمصلحة باراك أو خصمه فإن نتيجة تلك العينة تشكل مؤشراً حاسماً الى الفائز. وتستند "العينة التلفزيونية" الى "استطلاع خروج" يقوم على وضع محللين في التلفزيون الاسرائيلي صناديق استطلاع في مراكز اقتراع تمثيلية تعبّر عن مختلف شرائح الناخبين ويطلب من الناخبين المغادرين لمراكز الاقتراع الادلاء باصواتهم في صناديق الاقتراع وفقاً لتصويتهم "الحقيقي" داخل مركز الاقتراع. يذكر ان نتانياهو تفوق على خصمه شمعون بيريز في انتخابات 1996 ب30 ألف صوت فقط، وعزيت هزيمة بيريز آنذاك الى أمره الجيش بتنفيذ عملية "عناقيد الغضب" ضد الجنوب اللبناني ومذبحة قانا التي تخللتها. مما حدا بناخبين عرب كثيرين الى وضع بطاقات بيضاء في صناديق الاقتراع. أما الفترة السابقة مباشرة لانتخابات أمس فقد شهدت تصاعد التأييد لباراك وانحسار التأييد لنتانياهو واصرار الأحزاب العربية وحزب ميريتس وحزب الوسط وحزب العمل على اسقاط نتانياهو. يبقى من الضروري الاشارة الى أن باراك الذي كان قد ذكر سابقاً انه سيشغل، اذا فاز، منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع اثنى أول من أمس على موردخاي كوزير للدفاع قبل ان يقيله نتانياهو. وعلم ان باراك وعد باعطاء موردخاي حقيبة الدفاع واعطاء شخصية أخرى من حزبه حقيبة وزارية أخرى أقل شأناً وتعيين شخصية أخرى قد تكون امنون شاحاك منصب سفير في عاصمة مهمة واشنطن؟. ومن بين النتائج المهمة التي يحتمل جداً ان تسفر عنها انتخابات الأمس في اسرائيل انحسار نفوذ الأحزاب الدينية حتى لو تمكنت من زيادة عدد مقاعدها في الكنيست. ويقول محللون انه إذا فاز باراك فسيكون مدعوماً من نحو 70 نائباً في الكنيست يمثلون العمل وأحزاب اليسار والعرب وحزب الوسط، وفي هذه الحال سيكون وضع الحريديم أسوأ مما كان حتى في عهد رئيس الوزراء العمالي السابق اسحق رابين الذي كان يتمتع بدعم كتلة قوامها 61 نائباً. اما إذا فاز نتانياهو فلن يستطيع تشكيل حكومة مستقرة إلا إذا كانت حكومة "وحدة وطنية"، ومثل هذه الحكومة ستضم بطبيعتها غالبية علمانية تكفل تقليص قدرة الأحزاب الدينية على الابتزاز.