كانت ملكة مصر كليوباترا مؤمنة بالمنافع التجميلية لعناصر البحر الميت، لدرجة أنها أسست "مصانع" بنتها على شواطىء البحيرة، ولا تزال بقايا هذه المراكز التجميلية موجودة الى يومنا هذا، ولكن المعرفة بهذه الخواص الشفائية والتجميلية تراجعت لاحقا، ويمكن استشفاف ذلك من كتاب الجغرافي العربي الشريف الادريسي "نزهة الآماق في اختراق الآفاق" الذي وصف فيه البحر الميت بپ"البحيرة المنتنة" وببحيرة "سادوم وعاموراء"، اما ابن حوقل في "صورة الأرض" فيكتفي بهذه الفقرة عنه: "وأما البحيرة الميتة فهي من الغور في صدر الشام بقرب زغر، وانما تسمى الميتة لأنه لا شيء فيها من الحيوان الا شيء تقذف به يعرف بالحمرية". وابن حوقل لم ينتبه الى أن البحر هذا لا يرفض الترحيب بسكنى الحيوانات فقط في ربوعه بل كذلك لا يسمح بذلك للنباتات، ولكن على عكس ما يؤدي إليه اسمه فالبحر الميّت مليء بالمصادر الغنية التي تفيد الحياة البشرية، ولعلّ انتاج المواد التجميلية إحدى أكثر الصناعات المرتكزة على هذه المصادر التي يحفل بها البحر الميت، كما ان السياحة العلاجية المرتبطة بهذا البحر تتزايد أهميتها باستمرار، بسبب العناصر النادرة التي يحتويها والمفيدة لجلد الانسان وجسمه. موات هذا البحر يعود الى وجود 43 بليون طن متري من الملح ذي الخواص العلاجية بنسبة تركيز أعلى ب33 في المئة من أي بحر آخر، وينضاف إليه يوميا مزيد من الملح لانه يتغذى بمياه الأنهار أهمها نهر الأردن والجداول المحملة بالمعادن، وبانصبابها فيه تنتهي رحلة المياه لأن البحر الميت لا يعيد اخراجها، فيكون بذلك مثل مصفاة او مقبرة لغزاته من الأنهار والجداول، وهو مضطر في الحقيقة لذلك، لأنه، عمليا، النقطة الأكثر انخفاضا على سطح الأرض 400 متر تحت مستوى سطح البحر. ما الذي يستطيع ملح البحر الميت أن يقدمه للعلاج والتجميل؟ ملح البحر الميت يحتوي تركيزات عالية من الماغنيسيوم والصوديوم، كما يحتوي آثارا من بعض المعادن المهمة من بينها: الكالسيوم والبرومايد. هذا يعني، ان المعادن في أملاح البحر الميت تساعد في تطرية البشرة وتنظيم ذلك بشكل يبطىء العملية المستمرة لشيخوخة الجلد ويزيل الخطوط والتجاعيد. ومع ازدياد شهرة طرق المعالجة بالملح في الينابيع العلاجية في انحاء العالم، فإن املاح البحر الميت ما زالت تعتبر الأفضل، واحدى مزاياها المهمة انها نقية تماما ولا تحتوي مواد إضافية، ما يجعلها مثالية لكل أنواع الجلد. عدد الشركات الأردنية التي تستخدم مواد البحر الميت في انتاجها 40 منها 25 تعمل في اطار مواد التجميل، واللافت ان عددا من هذه الشركات تديرها نساء، ولعلّ ذلك يعود الى طبيعة الصناعة التجميلية وعلاقتها الخاصة بالمرأة. لمى عباسي، مديرة شركة "زارا لمنتجات البحر الميت الطبيعية"، تعتبر عملها في انتاج مواد التجميل المستخرجة من البحر الميت نتيجة لايمانها بأهمية بلادها الطبيعية الاستثنائية، ولذلك أخذت على عاتقها تقديم الغنى الطبيعي للمصادر الطبيعية في الأردن للعالم. والميزة في منتجاتها، تقول لمى، هي استخدام الأعشاب الطبيعية ومعالجة الجلد بالمواد العطرية الطبيعية اروماثيرابي. هل هناك إقبال من المرأة العربية على منتجات التجميل المصنعة عربيا؟ تقول عباسي: "المرأة العربية، للأسف، تؤمن بالمنتجات الأجنبية. مع ذلك، فان منتجاتنا صار لها زبائن دائمون خصوصاً بعد تجربتها وملاحظة التحسن السريع على نسيج البشرة نتيجة استعمالها. ويتفق محمد الرفاعي، مدير "شركة الأردن لمنتجات البحر الميت"، مع هذا الرأي ويرى "أن اهتمام المرأة العربية يبدو حتى الآن محدودا بهذه المنتجات ومحصورا بالمرأة المثقفة، والسبب يعود في ذلك ربما الى غياب الدعاية الكافية، غير أن الفترة الأخيرة شهدت تزايدا ملحوظا في استخدام المرأة العربية لهذه المنتجات نتيجة تكاثف عمليات التوزيع في الأسواق العربية، ونتيجة المشاركة في المعارض. لكن اهتمام المرأة العربية، اجمالا، يبدو ضعيفا جدا عند مقارنته باهتمام المرأة الغربية، وذلك لمعرفتها بفوائدها العالية". وتعزو لمى عباسي ذلك الى الاختلافات الثقافية فالزبائن العرب لديهم أفضليات تختلف عن الزبائن الأوروبيين "والمرأة العربية تفضل منتجاً يمتلك رائحة قوية بينما تفضل الأوروبية منتجات ليست لها رائحة". إلى جانب ذلك، تضيف عباسي، "تفضل المرأة العربية منتجات البشرة والشعر مثل المطرّيات وكريمات اليد والشامبو، أما الأوروبية فتميل الى أملاح الاستحمام وقناع الطين". واجهت الشركات الأردنية صعوبات شديدة في البداية تمثلت بكيفية تسويق صناعة عربية للمنتجات التجميلية، ومن الأردن الذي يعد من الدول النامية، لكن خطط الشركات التسويقية والاعلامية بدأت باعطاء ثمارها واستطاعت المنتجات دخول الأسواق العالمية على رغم المنافسة الشديدة من المنتجات الاسرائيلية من جهة، ومن مستحضرات التجميل الأخرى المصنعة في الدول المتقدمة. ما هي الصعوبات التي واجهتها هذه الشركات وهل يمكن اعتبار هذه التجربة مقدمة لقيام صناعات عربية ضمن حقل التجميل الذي تقدر سوقه بمئات البلايين سنويا؟ سألنا محمد الرفاعي، عن حجم المساهمة العربية في الصناعة التجميلية العالمية فقال إن الآمال ربما كانت أكبر من الواقع. فمنتجات التجميل العربية لا تمثل إلا نسبة أقل من أن تذكر في أسواق العالم، بل ان الرفاعي يعتقد "انه لا يوجد مكان لمنتجات التجميل العربية، اذ ان المساهمة العربية في هذا المجال متواضعة جدا، وهي مساهمات فردية وتحتاج الى رأس مال قوي وكبير كي تستطيع إثبات حضور دولي قوي وانتشار اكبر". وتعتبر عباسي المنافسة متركزة في التسويق وليس في مجال الجودة او الأسعار، وتشير الى جانب مهم وهو ان الصناعات الأردنية في هذا المجال متروكة لوحدها في مهب المنافسة، بينما تحصل الصناعات المشابهة في اسرائيل على دعم من حكومتها. وما هي الطريقة المتبعة للصمود في هذه المنافسة؟ تقول لمى: "نحن ننتج منتجات ذات جودة عالية، ومتناسبة مع المقاييس الدولية، كما نقوم بتحسين المنتج عندما يتطلب الاتجاه العالمي في حقل التجميل ذلك، مع المحافظة على أسعار معقولة وخدمات ممتازة". عاطف قعوار، مدير شركة الميدان، أكد على هذا الجانب، معتبرا ان المساهمة العربية ضعيفة وان القطاع الخاص يقوم، معتمدا على رأس مال متواضع واستثمارات متواضعة، بمنافسة صناعات كبيرة جدا عالميا. وما الذي يجعلك أساسا تتجه الى توظيف أموال في حقل مواد التجميل؟ سألنا محمد الرفاعي فأجاب: "القناعة بفائدته. الاستثمار في هذا المجال هو بسبب فاعليته الهائلة على المستوى التجميلي". وبالمقارنة بين المنتجات الأردنية والمنتجات الاسرائيلية في هذا المجال اعتبر الرفاعي منتجات الأردن لجهة الأسعار، كما أنها "ان لم تكن أفضل فإنها لا تقل عنها بالجودة والتعبئة والتغليف، وهذا ما يؤكده لنا وكلاؤنا في الدول التي نتعامل معها وكذلك المستهلكون لمنتجاتنا في تلك الأسواق ومن الرسائل الكثيرة التي نتلقاها باستمرار". اما عماد برهم، المسؤول في "الشركة العربية العالمية لمواد البحر الميت" مديرتها العامة رلى دروزة، فقال ان منتجات البحر الميت الأردنية ليس عليها اقبال كبير في السوق الأردنية، كما تواجه منافسة في الأسواق الأجنبية. ولكن هل يمكن لداود الأردني أن يواجه جوليات الاسرائيلي؟ يقول برهم ان الانتاج الأردني أفضل وأكثر جودة لكن الاسرائيليين يهتمون بالتعبئة ويعتمدون على سمعة قوية لمنتجاتهم، ولكن المنتجات التجميلية الأردنية برأيه أفضل بأكثر من مقياس. ولا تقوم شركة عاطف قعوار بالبيع في السوق الأردنية وذلك للحصول على اعفاء من ضريبتي المبيعات والدخل، لأن المواد المعدة للتصدير معفاة من الضرائب، كما أن المستهلك الأردني غير مهتم. يجيب قعوار: "لأن الأردني يعيش قرب البحر الميت ويستطيع ان ينزل اليه ويستحم فيه ويأخذ بالتالي من المصدر وليس في حاجة الى وسيط". ولم يقتصر انتشار هذه المنتجات على الأسواق الغربية فهي توزع أيضا في البلدان العربية، وتلقى انتشارا في لبنان، السعودية، الامارات، عمان، البحرين، الجزائروالأردن. وليست المواد المستخرجة من البحر الميت ذات طبيعة تجميلية فحسب بل لها أيضا فوائد صحية وعلاجية في بعض الأحيان وخصوصا للذين يعانون من بعض الأمراض مثل الصدفية، الأكزيما، حب الشباب، وكذلك الروماتزم، وأمراض المفاصل، اضافة الى فعاليتها في الاسترخاء وشد الجلد واعطائه النعومة، كما أنه يستخدم لتنشيط الدورة الدموية "وحتى الآن"، يقول الدكتور فتحي قعوار المختص بالأمراض الجلدية وعلاجها بطريقة منتجات البحر الميت، "ليس هناك علاج يعطي نتائج مثل النتائج التي يمكن احرازها من مواد البحر الميت، وهناك منتجعات علاجية محجوزة لخمس سنوات مقدّما، وذلك بسبب الأثر الحقيقي الذي يحصل عليه من يزورونها، وأغلبهم لديهم أمراض جلدية". ويشير الدكتور قعوار الى ان هذا العلاج مستخدم ومشهور كثيرا في بلدان اوروبا الشمالية التي تغيب عنها الشمس أغلب أيام السنة كالمانيا والنمسا والدول الاسكندنافية، ويؤدي ذلك الى انتشار امراض كمرض الصدفية. وبلغت نجاعة هذه الطريقة العلاجية حدا ان التأمين الصحي في بعض الدول الأوروبية يدفع نفقات العلاج والاستشفاء لمواطنيه الذين يزورون البحر الميت لهذا الغرض، ويعتبر الدكتور قعوار ان الطينة والملح من اكثر الأدوية فعالية في هذا المجال، فاستخدام الطينة لثلاثة أسابيع يؤدي الى نتائج واضحة بالنسبة لحبّ الشباب على سبيل المثال، كما تستخدم المصحات العلاجية والاستحمام في مياه البحر الميت للعلاج من الأمراض الروماتيزمية. أخيرا نتساءل ما هو السبب الذي كمن وراء النظرة العربية القديمة السيئة للبحر الميت؟ يقول عاطف قعوار ان ذلك كان عائدا لأسباب دينية، اذ ارتبط البحر الميت في أذهان البعض بقصة قوم لوط، كما ان البحر لم يكن مفيدا للشرب او للزراعة، وهي الأعمال التي كانت ستجعله مفيدا، إضافة الى عدم وجود تكنولوجيا لمعرفة امكانياته المخبوءة، كما حصل لاحقا.