وصف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي المرشح المنسحب للرئاسة الجزائرية سلطة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بأنها "سلطة فعلية" لكنها "معيّنة" وتفتقر الى "الشرعية الشعبية"، مشدداً على انه، هو وزملاؤه الخمسة الآخرون النسحبون من المنافسة قبيل الاقتراع، سيستمرون في "النضال السلمي من اجل فرض احترام الارادة الشعبية"، واصفاً قرار الانسحاب بأنه "مكسب استراتيجي بالنسبة الى مسار الديموقراطية في الجزائر". وقال الابراهيمي، رداً على أسئلة ل"الحياة" ارسلت اليه من لندن بعد تسلم الرئيس بتوفليقة مهمات منصبه، ان انصاره ينتمون الى كل شرائح المجتمع الجزائري، وان كانت غالبية لجان مساندته من حزب جبهة التحرير الوطني. وأضاف ان الاحزاب الجزائرية الحالية "اجهزة إدارية ينحصر دورها في تنفيذ تعليمات السلطة" وحيث "القيادات في وادٍ وقواعدها الشعبية في وادٍ"، لذلك يقوم بمشاورات واسعة لتشكيل حزب سياسي لكن قرار التأسيس لم يتخذ بعد. وفي ما يأتي نص الحوار: الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تولى مهمات منصبه بعدما صادق المجلس الدستوري على انتخابه. وانتم طعنتم بشرعية هذا الاقتراع. كيف ستتعاملون مع الولاية الرئاسية الجديدة، وماذا تطلبون منها من اجل "تطبيع" العلاقة معها؟ وما هو رأيكم في دعوات الى مؤتمر يجمع كل الاطراف الجزائرية لتحقيق هذا "التطبيع". - سبق لي وأن صرحت غداة اعلان نتائج ما يسمى بالانتخابات الرئاسية من طرف وزير الداخلية، بأنني متضامن مع المترشحين الخمسة الآخرين في عدم الاعتراف بشرعية تلك النتائج، وقد جددنا هذا الموقف جميعاً غداة تكريس تلك النتائج من طرف المجلس الدستوري. وشخصياً سوف أتعامل مع السلطة الجديدة على انها سلطة فعلية تفتقر الى الشرعية الشعبية، واعتبرها، كما تعتبرها الغالبية الساحقة من الجزائريين والجزائريات، بأنها سلطة معيّنة خرجت من صندوق فارغ. او قل خرجت من صندوق مملوء بأوراق تصويت مزورة، وتستطيع ان تتأكد بنفسك من ذلك عندما تسأل أي مواطن جزائري في أي نقطة من التراب الوطني. فثلاثة ارباع الجزائريين قاطعوا تلك الانتخابات لعدم صدقيتها بعد انسحاب ستة مترشحين من أصل سبعة. أما قضية المؤتمر التي اشرت اليها، اقول انه لا علم لي بهذا الاقتراح. وعلى كل حال، فأنا ارحب بكل مبادرة تعيد الى الشعب حقه في اختيار قادته، وتعمق المسار الديموقراطي، وتفتح الطريق واسعاً عريضاً امام امكانات استعادة الأمن والسلم والاستقرار للبلاد. بعد الاحتجاج والتظاهر السلمي والتنديد بالعملية الانتخابية، كيف تنظرون الى العلاقة التي جمعتكم مع كل من السادة مولود حمروش وحسين آيت أحمد وعبدالله جاب الله، والى اي مدى يصل التنسيق بين مجموعة الاربعة، كما أطلق عليكم؟ أي هل سيتحول هذا التنسيق برنامجاً واسعاً يجمع الأطراف الأربعة ام انه سيقتصر على حدود الضغط الاجتماعي على العملية الانتخابية؟ - شكّلنا مع الاخوة حسين آيت احمد ومولود حمروش وعبدالله جاب الله مجموعة للتنسيق منذ بداية الحملة الانتخابية حتى لا ندع الادارة والأجهزة التي تقف وراءها تزوّر كما تشاء خلافاً لتعهدات كل من رئيس الجمهورية وقائد أركان الجيش بضمان حياد هذه الادارة والمؤسسة العسكرية، ومنعهما من ممارسة أي ضغط لمصلحة أي مترشح. للأسف الشديد، الذين اعطوا هذه التعهدات لم يفوا بالعهد. وقد وقعنا، كما وقع الشعب، ضحايا حسن ظننا في السطة لأننا دخلنا المعركة الانتخابية على اساس تلك الضمانات العلانية المتكررة. وبالنسبة إليّ شخصياً كان قرار الانحساب وارداً منذ اعلنت ترشحي للانتخابات الرئاسية. وصرحت اكثر من مرة بأنني اذا تأكدت بالدليل القاطع بأن القوم عازمون على التزوير فسوف اتخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب. وبناء عليه، فان انصاري ومؤيدي لم يفاجأوا بقرار الانسحاب، بل ارتاحوا الى هذا القرار. وأجمعوا في برقيات تأييد ومساندة، على الاشادة به كقرار حكيم، حتى تحرم السلطة من اي وسيلة لاضفاء الشرعية على مرشحها المعيّن؟ بل ان احد رؤساء اللجان المساندة لي كتب في برقيته بأن قرار الانسحاب هو اشجع قرار ديموقراطي اتخذ في الوطن منذ الاستقلال حتى اليوم. أما في ما يتعلق بمستقبل مجموعة "الأربعة" التي اصبحت الآن مجموعة "الستة" بعد انضمام المترشحين الآخرين اليها السيدين يوسف خطيب ومقداد سيفي، فسوف نواصل سواء في الاطار الفردي او في الاطار الجماعي، النضال السلمي من اجل فرض احترام الارادة الشعبية، وتمكين الشعب الجزائري من ممارسة حقه في اختيار رئيسه، والتمتع بحقوقه الديموقراطية كاملة غير منقوصة. تميزتم، عن زملائكم المرشحين الآخرين، بالنظرة الى دور المؤسسة العسكرية، معتبرين ان الولاية الرئاسية المقبلة يجب ان تؤدي إلى إبعادها عن السياسة والتركيز على مهماتها الوطنية في اطار الدستور والقوانين بعد الانتقادات التي وجهت الى دورها في الانتخابات الرئاسية. كيف تنظرون الى دورها في المستقبل؟ والى اي حد يمكن للمعارضة ان تساهم في إبعاد هذه المؤسسة عن السياسة؟ - يجب على المؤسسة العسكرية ان تتكيف مع الوضع الجديد الناشئ عن تطبيق التعددية السياسية منذ 1989. حقاً، لقد انسحب الجيش من الحياة السياسية رسمياً منذ ذلك التاريخ، لكن عملياً ازداد نفوذ، وهذا خطأ استراتيجي لأن قيادة المؤسسة العسكرية بهذا التصرف، وضعت نفسها مباشرة في الواجهة، واصبحت في تناقض صريح مع شريحة واسعة من الشعب، وما حدث في مهزلة الانتخابات الرئاسية الاخيرة يعمق هذا التناقض. وشخصياً، دافعت دوماً عن ضرورة الحفاظ على وحدة صفوف الجيش وتماسكه بكل اسلاكه، لأنه يشكل العمود الفقري لاستقرار ووحدة البلاد، ودعوت الى ضرورة تمكينه من التفرغ لمهماته الدستورية، وأقول تمكينه عن قصد لأن الطبقة السياسية لم تلعب دورها في تحمل مسؤولياتها ازاء طريقة حل الأزمة السياسية القائمة، وقبلت غالبية اجنحتها ان تستعمل في الأزمة، بدل ان تكون هي الفاعل الحقيقي الباحث عن حلها. وأعتقد ان قرار الانسحاب الجماعي للمترشحين الستة احدث صدمة كهربائية لهذه الطبقة. فللمرة الأولى منذ الاستقلال، تقف مجموعة من السياسيين من اتجاهات مختلفة، لترفض ان تنساق وراء قرار لم تشترك في وضعه، وهذا مكسب استراتيجي بالنسبة الى مسار الديموقراطية في الجزائر، وقد تكون له انعكاسات ايجابية حتى خارج حدود الجزائر. أما بالنسبة الى مستقبل دور المؤسسة العسكرية الجزائرية، فأعتقد ان الواقعية هي التي يجب ان تحدد هذا الدور. فلا يمكن تغيير واقع يستمر منذ نصف قرن بين عشية وضحاها، لذلك، اقترحت ان يكون انسحاب الجيش من الحياة السياسية انسحاباً تدريجياً يمتد على ولاية كاملة، يقوم اثناءها تعاون وثيق بين اقوى مؤسستين في البلاد وهما المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية. ويجب على الطبقة السياسية ان تساهم في إيجاد المناخ الملائم الذي يسمح لها بتحقيق هذا الهدف. قضية الحوار والمصالحة احتلت حيزاً كبيراً في الجزائر. ما هي في رأيكم اولويات هذا الحوار والأطراف التي يجب ان تشارك فيه؟ ما هي العوامل التي ينبغي توافرها لاجراء المصالحة الوطنية؟ - لقد دعوت منذ بداية الأزمة الى اعتماد الحوار كطريق للمصالحة الوطنية، الحوار مع كل الجزائريين القابلين بالدستور، المناهضين للعنف، والمؤمنين بمبدأ التداول على السلطة بالوسائل السلمية. فلا بديل من المصالحة الوطنية لحل الأزمة السياسية القائمة. ولكن هذا الهدف النبيل في حاجة الى تهيئة الأجواء من خلال اتخاذ بعض الاجراءات كرفع حال الطوارئ، واطلاق سراح سجناء الرأي، واحترام الشرعية الشعبية. وأسجل هنا بكل اسف ان الرئيس الجزائري الجديد لم يدرج في اول خطاب له الى الشعب بعد أداء اليمين الدستورية كلمات الحوار والمصالحة الوطنية خلافاً لتعهداته اثناء الحملة الانتخابية، وأخشى ان يكون هذا مؤشراً على استمرار التوجه الاستئصالي للنظام بوجه جديد وإلى حين. بعض الصحف الجزائرية اطلق عليكم، خلال الحملة الانتخابية، مرشح الاسلاميين، بعد بيان من مسؤول في جبهة الانقاذ الاسلامية يدعو الى تأييدكم. ما هي علاقتكم مع هذا الطرف، والى اي حد يمكن اعتبار ان قسماً من شعبيتكم يستند الى انصار هذا التيار؟ - انا اعتبرت نفسي مرشح الشعب لأن انصاري ينتمون الى كل شرائح المجتمع من وطنيين واسلاميين، ولو قمت بتحليل تركيبة اللجان التي ساندتني عبر ولايات الجمهورية لوجدت ان غالبية اعضائها ينتمون الى جبهة التحرير الوطني، والبقية من المجتمع المدني ومن الاسلاميين المهيكلين في تنظيمات حزبية، او غير المهيكلين كالانقاذيين. وهذا وحده يكفي دليلاً على وجود قاعدة شعبية عريضة تؤيد مشروع المصالحة الوطنية الذي دخلت به الحملة الانتخابية. أما عن علاقتي بجبهة الانقاذ، فسبق لي ان قلت طيلة الحملة الانتخابية ان الجزائر ملك لكل الجزائريين. وان من حق أي جزائري ان يشارك في الحياة السياسية ما دام يلتزم احترام الدستور القائم، فلماذا الاصرار على اقصاء شريحة واسعة من المجتمع اذا كانت الغاية هي استعادة السلم والأمن وارساء قواعد المصالحة الوطنية؟ ألمحتم مراراً الى الاتجاه لتشكيل حزب سياسي، هل يمكن تحديد الأسباب التي تدفعكم الى مثل هذه الخطوة، بعد عقود من العمل في حزب جبهة التحرير الوطني؟ وهل يمكن اعطاء فكرة عن ملامح هذا الحزب ووظيفته المقبلة؟ - تشكيل حزب سياسي مطلب كل المؤيدين، وقد قمت في هذا الشأن بمشاورات واسعة مع جميع لجان المساندة المحلية، وجاءتني الردود في معظمها تدعو الى التعجيل بتأسيس حزب سياسي لتأطير تلك القوى الحية التي ساندتني اثناء الحملة الانتخابية. ولعل السبب الثاني الذي يدفع في اتجاه تأسيس الحزب هو ما بينته تلك الحملة الانتخابية من وجود تناقض صارخ بين اجهزة الأحزاب وقواعدها. فغالبية الأحزاب المتواجدة اليوم في الساحة عبارة عن اجهزة ادارية ينحصر دورها في تنفيذ تعليمات السلطة ، والبحث عن المناصب والامتيازات. وهذه الحقيقة كشفت عنها الحملة الانتخابية الاخيرة حيث كانت القيادات في وادٍ، وقواعدها الشعبية في وادٍ. فهناك اذن فراغ في القاعدة الشعبية لا بد من سدّه. ومهما يكن من أمر، فقرار التأسيس لم يتخذ بعد، وما زال محل درس وبحث. استناداً الى نجاح حملتكم الانتخابية، سواء لجهة الاستقطاب الشعبي والمهرجانات والتجمعات والتجاوب مع بعض الافكار التي طرحتموها، هل تعتقدون بأنكم ستلعبون الدور الأساسي في المعارضة المقبلة؟ وكيف ترون هذا الدور؟ - اعتقد ان الرجل السياسي المسؤول الذي يحب بلاده لا يستطيع ان يبقى مكتوف الأيدي وبلاده في ازمة سياسية حادة تنعكس آثارها على كل مناحي الحياة. ولو كانت الجزائر بخير تنعم بالأمن والسلم والاستقرار، لما خضت المعركة الانتخابية، ولتفرغت لعائلتي ولعالم الكتب والتأليف. لقد ولدت الحملة الانتخابية أملاً كبيرا عند الشعب، واستقبلت شرائح واسعة من الشعب مشروع المصالحة الوطنية بارتياح ورأت فيه الطريق الوحيد لاخراج البلاد من الأزمة. وسأواصل النضال بالوسائل السلمية من اجل تحقيق هذا الهدف الذي اصبح مطلب ملايين الجزائريين، ولم يعد مجرد حلم راود مخيلتي ذات يوم من سنة 1992.