هل ستضع الانتخابات الرئاسية الحالية في الجزائر حداً لتبعية الرئيس المنتخب للمؤسسة العسكرية في مرحلة دخلت فيها التعددية السياسية؟ أعلن مراراً رئيس الجمهورية اليمين زروال التزامه باجراء انتخابات نزيهة كذلك صرح قائد الأركان الفريق محمد لعماري التزام الجيش الحياد في هذه العملية. في الواقع تدل كل المؤشرات على ان عبدالعزيز بوتفليقة هو مرشح مراكز القوى النافذة في النظام. فقيادة حزب "جبهة التحرير الوطني"، التي عادت الى حظيرة الولاء الى النظام بعد اطاحة امينها العام عبدالحميد مهري حين جعل هذا الحزب قوة معارضة فعالة، سارعت الى تزكية بوتفليقة بعد تلقيها اشارات تفيد بأنه مرشح السلطة الفاعلة. وقامت قيادة حزب النهضة باتخاذ قرار مماثل على حساب زعيمها ومؤسسها عبدالله جاب الله الذي استقال بعدئذ من الحزب ليرشح نفسه لهذه الانتخابات ويشكل حزباً جديداً حركة الاصلاح الوطني. وانقسم حزب "التجمع الوطني الديموقراطي" الى ثلاثة تيارات، اذ قام التيار الذي يقوده رئيس الحكومة السابق احمد اويحيى ومعظم اعضاء حكومته الذين لا زالوا وزراء في الحكومة الحالية بالاعلان عن تأييدهم لبوتفليقة. وانضم "حزب مجتمع السلم" بعد تردد كبير واقصاء زعيمه من المنافسة الرئاسية الى صف المؤيدين لبوتفليقة. وتقوم شخصيات كبيرة ذات نفوذ واسع داخل المؤسسة العسكرية والمخابراتية بحشد المساندة وبشكل علني لصالح بوتفليقة. ويقال ان مدير مكتب الرئيس السابق الشاذلي بن جديد ووزير الداخلية اثناء انقلاب كانون الثاني يناير 1992 اللواء المتقاعد العربي بلخير توجه الى باريس منذ بضعة اشهر لابلاغ اصدقائه في المؤسسات السياسية والاعلامية والفكرية في فرنسا ان بوتفليقة هو المرشح الوحيد للقيادة العسكرية. كما ان وزير الدفاع السابق اللواء خالد نزار الذي قاد عملية الانقلاب عام 1992 لم يتردد في الاعلان صراحة عن تأييده للمرشح بوتفليقة بعد ان كان ضده في بداية الامر. ونشر مقالات جارحة عنه واعتبره غير مؤهل للرئاسة. وعلاوة على ذلك فان شخصيات اخرى معروفة بارتباطاتها التقليدية بالمؤسسة العسكرية والمخابراتية اعلنت عن تأييدها لترشح بوتفليقة وتقوم ميدانياً بحشد المساندة له بمختلف انحاء الوطن. كما ظهرت حقائق تؤكد ان السفارات الجزائرية بمختلف انحاء العالم تلقت تعليمات لاتخاذ اجراءات تدعم الجهود الرامية الى تعزيز التأييد لبوتفليقة. ومع كل هذا فان شخصيات سياسية من الطراز الرفيع قررت وللمرة الأولى خوض معركة الانتخابات الرئاسية لمواجهة بوتفليقة الذي يطلق عليه انصاره وصف "مرشح الاجماع". فشخصيات من الوزن الثقيل امثال وزير الخارجية السابق احمد طالب الابراهيمي ورئيس الحكومة السابق مولود حمروش، وزعيم حزب جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت احمد الذي عارض النظام منذ استقلال البلاد قرروا الترشح معلنين ان النظام لم يقدم مرشحاً له هذه المرة مثلما حدث عام 1995. بينما يؤكد معظم هؤلاء المترشحين في مجالسهم الخاصة ان القيادة العليا للجيش والمخابرات قررت تأييد بوتفليقة من دون اللجوء هذه المرة وخلافاً للعرف المعتاد الى استشارة القادة العسكريين الميدانيين في قضية حساسة كهذه. ويرى هؤلاء المترشحون انه من الضروري الترشح واستغلال فترة الحملة الانتخابية للاتصال مباشرة بالشعب لتبليغ رسالتهم اليه وكشف اخفاقات السياسات المتبعة في حل الازمة القائمة واستمرار مسلسل العنف والانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي يشهده البلد من جراء ذلك وتقديم سياسات بديلة من اجل احلال السلم والمصالحة والديموقراطية. وبالتالي تجنيد الشعب نحو هذه المهمات واحتمال رفع تطلعاته السياسية والديموقراطية سعياً الى تحويله الى قوة في وجه ممارسات النظام بدءاً بمواجهة خطر التزوير للانتخابات من طرف الادارة وامكان الضغط على النظام بطريقة او بأخرى من اجل اجراء تغييرات سياسية حقيقية عليه. والواقع ان السياسيين المخضرمين الضالعين في الشأن الجزائري يرفضون الدخول في منطق الانتخابات ايماناً منهم بأن النظام يمتلك كل الوسائل لتزويرها وعدم السماح لسقوط مرشحه لأن ذلك يعني سقوط قيم سياسية ترتبط اساساً بمقومات وجود النظام. وعليه يرى هؤلاء ان الادعاء في عدم وجود مرشح للسلطة هو مجرد حيلة تدخل في اطار سيناريو لتشجيع شخصيات سياسية من الوزن السياسي الثقيل على ترشيح نفسها سعياً من النظام لتحريك الساحة السياسية وإضفاء الصدقية على الانتخابات ومرشح السلطة. لكن هؤلاء السياسيين لا يؤمنون بتجاهل هذه الانتخابات من حيث استغلال فرصتها لتقديم برنامج شامل وواضح واطار جدي من طرف القوى السياسية الفاعلة في المجتمع حول كيفية اخراج البلد من ازمته الدامية والتحديات التي ستواجه السلطة بعد مرحلة الانتخابات. ويلاحظ ان النظام يتبع في بعض الحالات، وبشكل سافر، منطق الحزب الواحد في مساعيه لحشد المساندة لمرشحه وذلك بالعمل على حصول دعم منظمات وجمعيات ونقابات عمالية لمرشحها على رغم افتقار هذه التنظيمات للقاعدة الشعبية. كما يقوم النظام باعطاء حيز كبير لمرشحه في الاجهزة الاعلامية التي يسيطر عليها بهدف اعطاء الانطباع بأن هذا المرشح يتمتع بتأييد قاعدة شعبية واسعة في مختلف انحاء الوطن. ويرى النظام في الوقت نفسه انه من الأنسب له المحافظة على بعض مظاهر التعددية في هذه الانتخابات اذ يسمح بهامش من حرية الصحافة والتعبير في اجهزة الاعلام الرسمية لبقية المترشحين وأنصارهم. لكن لو يتمكن واحد من المترشحين الأقوياء امثال الابراهيمي او حمروش وآيت احمد من الفوز بهذه الانتخابات على حساب مرشح السلطة سيكون ذلك بمثابة مؤشر على ان النظام يريد التغيير حقيقة. وفي كل الاحوال فان التحدي الذي سيواجه الرئيس المنتخب هو هل سيكون قادراً على انهاء ازدواجية السلطة، اي ان الرئيس والمؤسسات الدستورية هي التي ستكون الحاكم الحقيقي بدلاً من ان تكون مجرد سلطة ظاهرية وليس السلطة الخفية اي المؤسسة العسكرية المؤسسة الفعلية. ومع ذلك يبقى الافتراض المنطقي، ولغاية اشعار آخر، ان بوتفليقة سيكون الرئيس المنتظر للجزائر، لكن هل سيُصلح مسار التاريخ الذي شارك في صياغته عندما ساهم في اقرار قاعدة "الزعيم التابع" للمؤسسة العسكرية عام 1962 ويتخذ خطوات جريئة لانهاء حال "الزعيم التابع" وبدء مرحلة "الرئيس الفاعل"؟ أم انه سيكون سجين الذين رشحوه وزكوه الى كرسي الرئاسة وبذلك فان النقلة النوعية المنتظرة منه ستكون مجرد نقلة "نحوية"، اي انه سيصبح رئيساً "مفعولاً به" او "مجروراً"، او لا محل له من الاعراب. * محام وكاتب سياسي جزائري، مقيم في بريطانيا.