استعد الناخبون في الهند للتوجه الى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة في ثلاثة اعوام في ظل فشل اي من القوى السياسية في تأمين غالبية كافية للحكم، ما اثار الجدل مجددا حول الازمة السياسية المتمثلة في توزع الناخبين على احزاب صغيرة وإقليمية في البلاد التي تعد من أعرق الديموقراطيات في العالم. أجمع المحللون في جنوب شرقي آسيا على ان الدعوة الى اجراء انتخابات جديدة في الهند تعكس الازمة السياسية المستمرة منذ اغتيال رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي. اذ فقد حزب المؤتمر الذي حكم البلاد معظم الوقت منذ استقلالها عام 1947 قياداته الكاريزمية فتوزعت أصوات الناخبين على الأحزاب الصغيرة و الإقليمية. ورجح المحللون الا تحل الانتخابات الأزمة بل ربما تفاقمها كونها لن تفرز برلماناً بأفضل من الحالي وهو ما تكرر في الإنتخابات الثلاثة التي أجريت في البلاد خلال الاعوام الثلاثة الماضية. ومنذ عام 1996 ، حصلت ثلاثة انتخابات في الهند بينما ينص الدستور الهندي على أن تجرى انتخابات كل خمس سنوات. وكانت آخر انتخابات حصل فيها حزب على غالبية مكنته من إكمال فترة حكمه دون منغصات تلك التي جرت في 1984. وبدأ بعد ذلك عهد الحكومات الإئتلافية. ويرى كثيرون ان ذلك العام هو تاريخ نهاية عهد حزب المؤتمر. إذ اغتيلت زعيمة الحزب أنديرا غاندي والدة راجيف في تشرين الأول اكتوبر 1984 على يد حراسها من السيخ. وتبع ذلك اغتيال نجلها راجيف في عام 1991 . وجاءت استقالة رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجباي في السابع عشر من الشهر الجاري بعدما خسر امتحان الثقة في البرلمان، لتعكس وجود أزمة حكم في أكبر الديموقراطيات في العالم. وأكد ذلك فشل حزب المؤتمر بزعامة صونيا غاندي أرملة راجيف الإيطالية الأصل في الحصول على غالبية تمكنها من تشكيل حكومة. وحسب التقاليد المعمول بها طلب رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي من الرئيس الهندي كوتشيريل رامان نارايانان حل البرلمان و إجراء انتخابات مبكرة فلبى الاخير طلبه. وشن فاجبايي حملة على "السياسيين الإنتهازيين" الذين اتهمهم بالعمل بكل قوة لخلعه عن منصبه. ولم يسم فاجبايي أحداً . لكن ثمة قناعة بأنه كان يشير الى قوى اليسار التي سحبت دعمها له، خصوصاً أن الأزمة الجديدة برزت حين قرر حزب "انا درافيدا مونيترا كاجاغام" الشريك في الائتلاف الحكومي سحب تأييده لفاجبايي متهماً إياه بتعريض أمن البلاد إلى الخطر دون توضيح الحيثيات. ونجح هذا الحزب في اسقاط الحكومة علماً بأنه لا يملك أكثر من 12 برلمانياً. ويسود اعتقاد أن الأزمة الأخيرة التي تعرّضت لها الهند ستتعمّق و تتواصل في ظل فشل أي حزب في الحصول على غالبية واضحة طوال العقد الماضي الأمر الذي هدد كل حكومة هندية بحجب الثقة. ويجزم المراقبون أن الإنتخابات المقبلة لن تكون أفضل من الأخيرة بل ربما يكسب حزب "جاناتا بارتي" الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي مزيداً من الأصوات كونه أقدم على إجراء التفجيرات النووية العام الماضي و أطلق عدداً من الصواريخ المتوسطة المدى قبل أيام الأمر الذي وفّر له شعبية متزايدة وسط الناخبين الهنود. القوى الرئيسية وتتنافس في هذه الإنتخابات التي لم يردها أي من الأحزاب الهندية كونها ستفرز برلماناً معلقاً، أربع قوى رئيسية هي: - حزب الشعب جاناتا بارتي الذي يقوده فاجبايي 72 عاماً وهو يميني قومي ويتوقع له أن يحصل على مزيد من الأصوات كونه أجج القومية الهندوسية بتفجيراته النووية و إطلاقه الصواريخ المتوسطة المدى . - حزب المؤتمر كونغرس الذي تقوده صونيا غاندي 52 عاماً والذي يقوم معارضوها من حزب الشعب بالتشهير بها على أنها أجنبية و مسيحية في بلد هندوسي ، الأمر الذي يلقى بعض القبول وسط الهندوس المتطرفين - حزب كل الهند انا درافيدا مونيترا كاجاغام بزعامة السياسية جايارام جايالاليثا وهو حزب محلي يتوقع ان يعود للعب دور في ترجيح كفة أي من الحزبين على الآخر، خصوصاً أنه أسقط حكومة فاجبايي. - الحزب الشيوعي بزعامة رئيس وزراء اقليم البنغال الغربي جيوتي باسو الذي طالب بمنصب رئيس الوزراء في مقابل التحالف مع حزب المؤتمر الامر الذي رفضه الأخير. - حزب "راشتريا جاناتا دال" بزعامة لالو براساد ياداف الذي أزيح من منصبه العام الماضي كرئيس لوزراء اقليم بيهار بسبب الفساد ويتوقع له أن يلعب دور التوازن في أية حكومة مقبلة. والبارز في السياسة الهندية أن الأحزاب الإقليمية والمحلية صارت تلعب الدور الأساسي والمهم في رسم مستقبل البلاد. اما حزب المؤتمر فلا يزال يرفض أن يدخل في سياسة الحكومات الإئتلافية كونه يرفض أن يقدم التنازلات بسبب ماضيه في التفرد بالسلطة. تكاليف باهظة وثمة مشكلة لا يحسب كثيرون لها حساباً وهي التكاليف الباهظة للعملية الإنتخابية في ظل العقوبات الإقتصادية التي ترزح البلاد تحت وطأتها منذ أقدمت على التفجيرات النووية. فتكاليف العملية الإنتخابية تبلغ 200 مليون دولار أميركي حسب رئيس لجنة الإنتخابات. ولا يتوقع ان تجري الإنتخابات الهندية قبل أيلول سبتمبر المقبل كون الأمطار الموسمية أحد العوائق المهمة لها، فضلاً عن أن اللجنة بحاجة إلى شهرين على الأقل للتحضير لها. ويصل عدد الناخبين الهنود إلى 600 مليون شخص من أصل 975 مليون نسمة وسيصوّت هؤلاء لاختيار 545 عضو في البرلمان الفيديرالي.