يفترض ان الجدل الصاخب في المجلس الوزاري العربي الذي عقد في القاهرة والتجاذب الشديد في شأن الموقف من العراق لم ينسيا وزراء الخارجية العرب استحقاقين قريبين يرتديان أهمية كبيرة، أقله بالنسبة الى البلدان المشاركة في المسار المتوسطي، هما "المنتدى المتوسطي" في مالطا الشهر المقبل، والمؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي الذي تستضيفه المانيا في نيسان ابريل. هل هناك رؤية عربية لمستقبل الشراكة مع الأوروبيين وكذلك مع المتوسطيين غير العرب؟ وماذا يريد العرب من الشراكة المتوسطية؟ وهل نستطيع الانخراط في مسار بناء اقليمي من دون ان نكون ضبطنا ايقاعنا على وتيرة التطورات الدولية المتسارعة؟ في البدء تحفظ العرب عن المشروع المتوسطي باعتباره نوعاً من البديل من التكامل العربي - العربي، ثم تبلور موقف جماعي يرمي الى الانخراط في الشراكة الاقليمية، أملاً بتحسين شروطها من خلال أداء عربي موحد، لكن التحسين لن يتحقق طالما ظل كل واحد يغني على ليلاه. والأرجح ان التعاطي مع أوروبا سيكون أصعب بعدما قطعت مرحلة حاسمة باعتماد اليورو واستعدادها للمضي قدماً في تكريس توحيد المؤسسات. في المقابل زاد موقف البلدان العربية المتوسطية تفككاً وباتت الرؤية الجماعية لمشروع الشراكة أقل وضوحاً. ولعل فكرة منطقة التبادل الحر العربية، لو قيض لها ان تنجز بالسرعة المطلوبة، لكانت ستشكل خشبة الخلاص للعرب المتوسطيين، اذ تتيح لهم ان يجلسوا مع الأوروبيين وفي أيديهم ملف يكرس حداً من الندية في التعاطي بين المجموعتين. في غياب مثل هذا المشروع الاقليمي الذي يتسامى فوق الخلافات السياسية ويخاطب الضفة الشمالية بلغة واحدة تعتمد منطق المصالح، لا يبقى خيار سوى الوصول الى الحد الأدنى من التنسيق بين مواقف البلدان العربية المشاركة في منتدى مالطا ومؤتمر أسن في المانيا. وعلى رغم التباعدات التي كرسها الاجتماع الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب بسبب تداعيات الأزمة العراقية ما زالت ثمة فسحة للتفاهم بين البلدان العربية المتوسطية لمجابهة الاستحقاقين المقبلين بتعاطٍ أرقى من مجرد الاتفاق على خطاب موحد. فليس من مصلحتنا الحرص على الظهور في مظهر المتحدين فيما الطرف المقابل يعرف تفاصيل الخلافات بيننا ربما أكثر مما نعرف. وليس مهماً ان نقول للآخرين ان كل شيء على ما يرام، لكن الأهم ان ندرك ان مصالحنا كعرب في السفينة المتوسطية تفرض على كل طرف ان يقلل مسافة الخلاف بينه وبين جاره، لأن الجانب الآخر يريد ما في جراب الإثنين معاً.