ستكون مصر البلد العربي الثالث، بعد تونس والمغرب، الذي يوقع قريباً على اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي بعد ان يصادق مجلس الوزراء على مشروع الاتفاق. وهناك بلدان اخرى في طريقها الى اتفاقات مماثلة في مقدمها الجزائر وسورية ولبنان. واضح ان التعاطي العربي في ملف العلاقات مع اوروبا يعكس قلة تنسيق حملت كل بلد على استخدام صداقاته الاوروبية والاعتماد في الدرجة الاولى على ما يملك من اوراق قليلة اكتسبها عبر مسار تاريخي خاص للتأثير في مجرى المفاوضات بدل الاستقواء بخطة تفاوضية عربية. ولهذا السبب طالت المفاوضات مع الجزائر اكثر من الوقت المقدر لها وطغت عليها العثرات والاحتكاكات، فيما كانت المفاوضات مع المغاربة والتوانسة معقدة وشاقة. واذا كان الاتحاد الاوروبي يحاور الاطراف الاخرى - والعرب من ضمنها - بلسان واحد ويفوّض لبلد اوروبي واحد قيادة المفاوضات، فأقله ان تتفق البلدان العربية المعنية على تشكيل اطار جماعي تحت خيمة الجامعة لتنسيق المفاوضات من الجانب العربي. ولا بأس في الاقتباس من المثال الاوروبي الذي يصل الى مستوى من التنسيق يتيح تفويض "الترويكا" او الرئاسة الدورية متابعة شؤون المفاوضات كونها موضع تفاهم مسبق ليس فقط على الخطة التفاوضية، وانما كذلك على أسس العلاقات المستقبلية مع البلدان العربية والمتوسطية الاخرى. إلا ان الخلافات العربية لم تترك مجالاً لبلورة رؤية مشتركة للعلاقات مع الاوروبيين. طبعاً ليس مطلوباً ان يتفاوض بلد عربي نيابة عن بلد آخر، لكن لا يمكن ان يستمر الوضع الحالي فيبقى كل طرف ينظر للآخر على انه منافس وحتى خصم في العلاقة مع الاوروبيين! الثابت ان المفاوضين المصريين استفادوا من خبرة البلدين اللذين سبقا مصر الى التوصل لاتفاق شراكة. وأكيد ايضاً ان الاتفاقات المقبلة ستستثمر الخبرات العربية السابقة في هذا المجال لتحسين أداء المفاوضين. لكن تعاطينا مع اوروبا تراجع كثيراً عن المستوى الذي كان عليه ايام الحوار العربي - الاوروبي في الثمانينات لما كان العرب يملكون سياسة موحدة - اقله ظاهرياً - حول ثوابت تجمعهم جعلتهم لا يمانعون من تخويل البلد الذي يرأس دورة الجامعة العربية الحديث باسم الآخرين. ربما ليس من الواقعية اليوم طرح العودة الى الصيغة السابقة بالنسبة الى مجمل بلدان الجامعة العربية بسبب الانقسامات والشروخ العميقة، لكن لا توجد بين البلدان العربية المتوسطية الثمانية المعنية بالشراكة مع اوروبا خلافات جوهرية تبرر استمرار تباعد "المسارات الوطنية" وغياب التنسيق بينها. يحيلنا هذا الغياب على تطورات مسار برشلونة الذي شكل العرب طرفه الرئيسي في الضفة الجنوبية للمتوسط والذي يستدعي معاودة النظر في اسلوب التعاطي السابق عربياً مع عناوينه السياسية والاقتصادية والثقافية، فهو يُطرح اليوم في سياق لعل ابرز مستجداته الاتفاق الخاص باقامة المنطقة العربية للتبادل الحر ومشروع الشراكة المغاربية - الاميركية. وميزة هذه المستجدات أنها تضع الاطراف العربية المقبلة على مفاوضات شراكة ثنائية مع اوروبا في موقع افضل لأنها تستند موضوعياً على عمق تجاري عربي يمنح مزايا جديدة للشركاء الاوروبيين من جهة، ولكونها تملك ايضاً اوراق ضغط جديدة بدخول منافس آخر على خط الشراكة الاقليمية. صحيح ان شكوكاً تحوم حول قيام منطقة التبادل الحر العربية مثلما ان هناك عوائق كبيرة تعطل اقامة منطقة التبادل الحر الاميركية - المغاربية المنوي انشاؤها، الا ان المفاوضات تقوم بالأساس على ما في جراب المفاوض من اوراق. ولا ينطبق ذلك على المقبلين على اتفاقات شراكة فقط وانما كذلك على من سبق ان وقعوا لأنهم سيعاودون مفاوضات جديدة تخص تبادل المنتوجات الزراعية والخدمات. من هذه الزاوية يشكل وضع اطار تنسيقي وصوغ خطة مشتركة لجميع المفاوضين بيت القصيد حتى لا يبقى كلّ يغني على ليلاه.