بعد انقضاء سنة على صدورها، ما زالت مجلة "لوجورنال" المغربية تتميز عن سائر وسائل الاعلام العربية، بطرقها للمواضيع الحساسة بشكل جريء وذكي. وكنا قد نوّهنا في أعدادنا السابقة بحسنات هذه الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية من الدار البيضاء. بيد أن "لوجورنال"، وخلافاً لمعظم الصحف والمجلات المغربية، استطاعت في الأعداد الثلاثة الأخيرة فتح ملفات لم تشأ أو تجرؤ زميلاتها على الغوص فيها. زيارة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قوبلت بالترحاب المبتذل من الاعلام المغربي والسبب في ذلك رغبة السلطة المغربية في تحسين علاقاتها بتونس لإحكام الضغط على الجزائر عشية فتح ملف الصحراء الغربية. وحدها "لوجورنال" عنونت صفحتها بعدم الترحيب بالضيف التونسي، مذكرة بسجل حقوق الإنسان في الدولة المغاربية الشقيقة. وحدها "لوجورنال" سمحت لمليكة أوفقير بالتوجه إلى القارئ المغربي بعد إصدارها كتاباً عن سيرتها الشخصية في سجون المغرب. فابنة الجنرال اوفقير، التي تعيش اليوم في باريس، واجهت حملة دسّ لا مثيل لها في الصحافة المغربية التي اتهمتها بالتواطؤ مع أعداء المغرب لإحباط "سنة المغرب" في فرنسا! "لوجورنال" نشرت مقابلة أجرتها مع الصحافي الأميركي - الفرنسي ستيفن سميث عن الجنرال اوفقير الذي كان، حتى محاولته الانقلابية الفاشلة في مطلع السبعينات، اليد اليمنى للملك الحسن الثاني ورجل العنف في المغرب. كان لنا لقاء مع رئيس تحرير القسم السياسي في هذه المجلة، علي المرابط، ودار هذا الحوار: نشرتم في عددين متلاحقين مقابلات مع مليكة اوفقير ومع ستيفن سميث. كيف كان تقبل المجتمع المغربي لهذين الحدثين؟ هل كانت هناك ضغوطات من قبل السلطة؟ وما كان حجم الرقابة الذاتية؟ - كان للمقابلتين أصداء واسعة في المجتمع المغربي. عدد كبير من الناس اتصلوا بنا لمعرفة أحوال عائلة اوفقير. فهذه العائلة أمضت شطراً كبيراً من حياتها في الاعتقال وبطريقة غير شرعية وخلافاً لكل القوانين الإنسانية للمملكة. كان علينا أن نقول هذا الكلام في المغرب، وغالبية أعداد المجلة بيعت. يجب القول أيضاً إن الدستور المغربي وحده يخوّل أو يمنع، ولم نواجه أية ضغوطات أخرى. أما في ما يخص الرقابة، فبعض العملاء ظنوا انهم سيُفرحون وزير الداخلية ادريس البصري وقاموا بمصادرة بعض الأعداد، وذلك من دون أي قرار رسمي في هذا الشأن، لأنهم لم يفهموا أن المغرب يتقدم. لذا من الأفضل أن ندعهم ينامون... ولكن بعد صفحات قليلة على المقابلة التي أجريتموها مع مليكة اوفقير، هناك مقالة تلصق بمليكة، الجرائم التي نُسبت إلى أبيها. أهذه هي التسوية على الطريقة المغربية؟ - لم تكن هناك أية تسوية. الزميل حسن اوريد قام بكتابة مقالة حمقاء، وأسرة التحرير عارضت هذه المقالة التي ضمت أيضاً معلومات خاطئة كالتي تزعم ان اوفقير قام ببناء سجن تزمامرت... ولكن في الأخير، ما كتبه كان تعليقاً، ولو لم نسمح بنشره، لكن ذلك اعتبر رقابة... بعد انقضاء سنة على ولادتها، كيف تقوّمون تجربة "لوجورنال"؟ - هذا المشروع وليد عمل ثلاثة شبان: أبو بكر الجامعي، علي اعمار وحسن المنصوري، وهم قادمون من عالم المصارف من دون خبرة صحافية. ظنوا ان المغرب بحاجة إلى هذا النوع من وسائل الاعلام، وكانوا على حق. الغريب ان وسائل الاعلام العالمية حيّت هذه التجربة قبل الصحف المغربية. فالإعلام العالمي وجد في حرية تعبيرنا الدلالة على التغيرات الايجابية التي طرأت على المغرب. ونحن اليوم فخورون بما قمنا به. كيف تفسرون نجاح المجلات الاقتصادية في المغرب حتى "لوجورنال" يخصص صفحات عدة لهذا الباب، هل السبب يعود إلى محاولة تجاهل المشاكل السياسية؟ - تجنب المقالات السياسية؟ في ما يخصنا، اثبتنا ان الزاوية السياسية هي أحد الأعمدة الأساسية من المجلة. فهي التي تؤكد التزامنا بالقيم التي ندافع عنها... هناك شعور سائد بأن ادريس البصري لم يعد يسيطر على مجرى الأمور، خصوصاً في السنوات الأخيرة. أنتم تهجمتم عليه مراراً في "لوجورنال"، ما كانت ردة فعله؟ - نحن نأمل بأن لا يكون المستقبل تحت سيطرة البصري. حالياً الوضع ليس كذلك. لم نهاجمه كشخص، بل لما يمثله. فهو يمثل سنوات المغرب الداكنة. هل هناك من تضامن بين وسائل الاعلام في المغرب؟ - للأسف، ليس هناك من تضامن فعلي. العكس هو الصحيح. عندما قمنا بنشر مقابلة أجريناها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، تلقينا عدداً من الشتائم من زملائنا الذين يعتبرون أنفسهم يساراً ديموقراطياً، واتهمونا بالتعامل مع الموساد، وخيانة الوحدة العربية، بينما كنا نقوم بعملنا كصحافيين. ألا يحق لمجلة عربية اجراء حوار مع نتانياهو؟ الأمر نفسه تكرر مع مقابلة مليكة اوفقير... الجيل المغربي الجديد يتقن العربية، بيد ان غالبية وسائل الاعلام الجيدة في المغرب ما زالت بالفرنسية، كيف يمكن تفسير ذلك؟ وكيف يمكن تفسير صدور نشرات باللغة البربرية؟ - الصحافة الناطقة باللغة العربية في المغرب، على رغم جودة بعض عناوينها، ما زالت مرتبطة برموز الماضي كالوحدة العربية التي عرفت مجدها في الستينات. التكلم وتأكيد الهوية باللغة الامازيغية لم يعد مشكلة في المغرب... فالمملكة هي أكبر أمة بربرية في العالم، وهذا قلما يُذكر.