دمرت الابتسامة الساخرة التي علت الوجه الصارم للعسكري اسحق موردخاي صورة "الإعلامي الساحر" لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، في أول مناظرة انتخابية تلفزيونية بين المرشحين لمنصب رئاسة الحكومة، والتي خرج منها الفائز الأول زعيم حزب العمل المعارض ايهود باراك على رغم عدم مشاركته فيها. وبدا نتانياهو في الجزء الأول من المناظرة التي امتدت نحو ساعة شاحباً مرتبكاً لا يقدر على الرد على الاستراتيجية التي اعتمدها موردخاي لمهاجمة الرجل الذي يعرفه جيداً، وأساسها عبارة لخص بها نهج رئيس الحكومة الذي "يتميز بعدم الصدق وعدم العدل وعدم الاستقامة". وترك وزير الدفاع السابق زعيم حزب الوسط رئيسه السابق ايضاً يرتعد خوفاً من احتمال "نشر الغسيل الوسخ" لحزب ليكود الذي ضمهما قبل اشهر على الشاشة مهدداً بين فينة وأخرى ب"معلومات" عن مغامراته العسكرية وغيرها. وقال موردخاي موجهاً حديثه الى نتانياهو: "كنت تختفي عندما تظهر مشكلة... وتنتهز الفرصة لمغادرة جلسات الحكومة التي لم تستمع خلالها الى أحد". وعندما أقسم نتانياهو أنه لن يتنازل عن كامل الجولان المحتل تحداه موردخاي بصلابة قائلاً: "أنظر في عيني وقل هذا الكلام"، ولم يستطع الأول الرد خوفاً من العواقب! وأرغم موردخاي منافسه على الخروج عن نصائح مستشار الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الاميركي الجنسية آرثور فلنكشتاين، والتي تلخصت ب"تجاهل موردخاي والتركيز على مهاجمة المنافس الحقيقي الغائب باراك". ووجد نتانياهو نفسه مرغماً على الرد على السهام الموجعة والمتتابعة التي وجهها اليه وزير الدفاع السابق. وكشف موردخاي انه قدم استقالته لرئيس الحكومة بعد ثمانية اشهر فقط على تشكيلها، وأنه عرض عليه الاستقالة مرة أخرى "قبل ان تقوم أنت نتانياهو بطردي، لكنك رفضت هذا لأنك أردت مماحكتي سياسياً". وفي جزء من المناظرة طلب من كل من الجانبين توجيه أسئلة الى الآخر، فسأل موردخاي نتانياهو: "ما الذي عملته خلال السنتين ونصف السنة"؟ فأجاب: "أنجزت الكثير على الصعيد الأمني ومنعت الهجمات الارهابية" وكان الرد مثل طلقات النار: "بيبي أنت لا تعلمني الأمن. كل طفل يعرف أنه إذا كانت لهذه الحكومة انجازات أمنية فإنها بفضلي أنا كوزير دفاع ورجال الأمن". وعندما احتد نتانياهو أجاب موردخاي بابتسامة العارف: "حافظ على هدوئك، أنا أعرف هيجانك هذا وأنت تعرف ان لدي قوة صمود غير عادية". وكاد موردخاي يقهقه عندما سمع رد رئيس الحكومة على اتهاماته بأن جميع زعماء ليكود تركوه "لأن أحداً لا يصدقه". وجلس نتانياهو حائراً لا يدري ما يفعل إزاء الضربات الموجعة لموردخاي الذي قال: "الانتخابات من أجل تغييرك" وإزاء توبيخات الصحافي الذي أدار المناظرة وصرخ في وجهه مرات بعدما أبرز نتانياهو رسماً بيانياً حول البطالة في دول العالم تعلوه عبارة "بيبي سيفوز في الانتخابات". وتسمر الأخير دقيقتين وهو يتكئ على الوثيقة كالطفل العنيد. وكان الوقت متأخراً عندما أدرك نتانياهو انه "استخف كثيراً" بموردخاي الذي دربه كما يبدو رفيقه في قيادة حزب الوسط دان ميريدور، الذي درب نتانياهو نفسه على كيفية التصرف في المناظرة التلفزيونية التي جمعته بزعيم حزب العمل السابق شمعون بيريز عام 1996. في ذلك الوقت تألق نتانياهو الواثق من نفسه الذي صاغ الكلمات والعبارات بدهاء امام عجوز يفتقد الجاذبية. وبعد نحو ثلاث سنوات هزم نتانياهو في ملعبه و"صار الساحر أرنباً". ويدرك أنصار باراك انه عمل "خيراً" له عندما رفض المشاركة في المناظرة غير الرسمية. اذ تولى موردخاي مهمة "إظهار نتانياهو على حقيقته" من شخص واجهه بحقائق من منطلق أن ليس في حوزته ما يخسره، بينما هو، أي باراك، كان ممكناً ان يرتبك أمام خصم معروف بقدرته على التحدث، لكن هؤلاء وغيرهم من المحللين الاسرائيليين، يدركون أيضاً ان المنطق لا يحكم الانتخابات المقبلة في اسرائيل.