قبل أيام نقلت صحيفة "ذي غارديان" اللندنية عن رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلدت الذي كان مندوباً سامياً للمجتمع الدولي مسؤولاً عن تنفيذ اتفاق السلام في البوسنة قوله مشيراً الى حرب كوسوفو ان العمل الاخلاقي الذي يضطلع به حلف شمال الاطلسي صار عملاً ذا نتائج غير اخلاقية. وأوضح بيلدت ما يعنيه بقوله ان "ناتو" تبنى في تدخله لحماية البان كوسوفو استراتيجية تعرضه لأدنى المجازفات والمخاطر لكنها تكشف الناس الذين يفترض انه يريد حمايتهم لأشد المخاطر والأهوال. والواقع ان حلف شمال الاطلسي لم يخسر سوى طائرة واحدة حتى الآن هي طائرة "ستيلث" التي اسقطتها الدفاعات الجوية اليوغوسلافية في ما يبدو، ولم يقع في الأسر من قواته سوى ثلاثة جنود اميركيين. اما البان كوسوفو فقد قتل الصرب منهم حتى الآن آلافاً وهجّروا منهم وشرّدوا نحو مليون انسان. والحرب الجارية في البلقان مرشحة لأن يتسع نطاقها ويطول امدها، الامر الذي يعني تفاقم معاناة اللاجئين وانحسار فرص عودتهم الى ديارهم قريباً. ويمكن القول في الواقع ان هؤلاء سيبقون خائفين على ارواحهم من الاضطهاد الصربي وحملات التطهير العرقي، ولن يعودوا الا في ظل حماية عسكرية دولية كثيفة طويلة الأجل تدوم على الأقل عشرات السنين. ان الأمر الذي يقلق المجتمع الدولي برمته هو مصير لاجئي كوسوفو وسكانها الألبان، وهو مصير بات يتوقف الى حد كبير جداً على ما يمكن ان يفعله "ناتو" او يمتنع عن فعله. هل سيتمكن "ناتو" من تحقيق اهدافه؟ ان الشروط التي وضعها لحل النزاع شروط يصعب على ميلوشيفيتش ان يقبل بها الا مرغماً. ذلك انه علىه ان يكف عن اضطهاد الألبان وأن يسحب قواته وشرطته من كوسوفو، ويوافق على نشر وجود عسكري دولي في الاقليم ويوافق على عودة كل اللاجئين والنازحين ويقبل باقامة اطار سياسي على قاعدة اتفاقات رامبوييه. ويصرّ ميلوشيفيتش حتى الآن على رفض اهم هذه الشروط، خصوصاً ذاك المتعلق بوجود عسكري دولي في كوسوفو. فما الحل؟ يبدو "ناتو" الآن في طور الاستعداد لتكثيف الحرب الجوية على يوغوسلافيا بقصد هدم بنيتها الاقتصادية والعسكرية لحمل ميلوشيفيتش على الاذعان. لكن بوسع الرئيس اليوغوسلافي الذي لا تبدو بعد في وسط شعبه معالم تململ منه او سخط عليه ان يصمد فترة طويلة. وإذا كان هدف حملة "ناتو" الجوية الحالية التمهيد لادخال قوات برية في بيئة اقل خطراً، امكننا ان نستبشر بامكان عودة ألبان كوسوفو الى ديارهم. اما اذا ظل خيار الحرب البرية مستبعداً، فإن من السهل مقارنة مصيرهم بمصير الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات الصهيونية من ديارهم قبل خمسين عاماً. ان حرب كوسوفو التي بدأت كما يفترض بدافع اخلاقي يجب ان تنتهي بنتائج اخلاقية وإلا فان "ناتو" سيعد شريكاً للرئيس اليوغوسلافي في واحدة من ابشع جرائم الألفية الثانية.