يطمح العالم العربي منذ صدامه مع الغرب ووعيه بانحطاطه الحضاري الى تحقيق نهضته واستئناف مسيرته الحضارية. ولقد ادرك رواد الحركة الاصلاحية منذ بواكير عصر النهضة انه لا سبيل لذلك الا بالاقتباس عن الغرب والاخذ بأسباب تمدنه من معارف وعلوم وصناعات. الا ان العالم العربي على الرغم من انتشار التعليم وتأسيس الجامعات ومراكز البحث العلمي وحركة الترجمة ونقل التكنولوجيات الحديثة ما زال مستهلكاً لإنتاج الدول المتقدمة وفي افضل الحالات ناسخاً ومحاكياً، فإسهامات البلدان العربية في الحضارة المعاصرة ضئيلة ان لم تكن منعدمة، وخصوصاً في الميدان العلمي والتكنولوجي. والامر الذي يثير الانشغال ان الفجوة بين العالم العربي والبلدان المتقدمة ما انفكت تزداد اتساعاً من يوم الى آخر نتيجة التطورات العلمية والتغيرات التكنولوجية المتواصلة والتدفق المهول للمعارف والمعلومات، واخيراً التوسع اللامتناهي للتخصصات ومجالات البحث العلمي بحيث اصبح من الصعب ان لم نقل من المتعذر على المؤسسات الجامعية والبحثية والمنظومة التربوية عموماً مواكبة هذا النسق المتسارع للثورة العلمية والتكنولوجية الدائمة فضلاً عن تمثلها او الطموح للاثراء والاضافة. الا ان العالم العربي لم يغادره ذلك الطموح على رغم هذه الحقائق التي تشيع الاحباط واليأس اذ ما يزال يسعى لاستيعاب معارف العصر ويتلمس الطريق لتوطين العلم في بيئته الحضارية والثقافية ثم استباته والمشاركة في صنيعه على غرار ما فعل الاسلاف، لكن السؤال كيف سيتم تحقيق ذلك؟ يجيب المتخصصون عن هذا السؤال بالتأكيد على ان الخطوة الاولى في مسار التقدم العلمي وحجر الزاوية في كل نهضة ثقافية هي انعاش حركة الترجمة لنقل العلوم والتقنيات الحديثة للغة العربية وهذا ليس جديداً فقد تأسست الحضارة العربية الاسلامية على حركة الترجمة وسلك الغرب نفس السبيل في هذا العصر. ويضيف هؤلاء ان الترجمة ستساعد البلدان العربية على تعريب التعليم بمختلف مراحله وأصنافه، ولا سيما تدريس العلوم الاساسية والتطبيقية، والتعريب هو المدخل الذي يبرر طموح العالم العربي للمشاركة في المسيرة العلمية الراهنة لأن التاريخ اثبت انه ليس بإمكان اية امة ان تنتج حضارة بغير لغتها. تسهم الترجمة من جهة اخرى في تعزيز البحث من خلال مواكبة ونقل آخر مستجدات العلوم والتكنولوجيا، كما تسهم في تنمية اللغة العربية والارتقاء بها الى مصاف اللغات الحية من خلال الجهد المتواصل الذي سيبذله المترجمون لوضع مقابلات للمصطلحات العلمية الحديثة وتطويع اللغة لتمثل مناهج وأساليب التأليف العلمية. ويعتبر المدافعون عن التعريب ان الادعاء بأن اللغة العربية غير قادرة على ان تكون لغة علم في هذا العصر وأنه لا مناص من تدريس العلوم باللغات الاجنبية ادعاء باطل. لأن العربية برهنت في الماضي على انها لغة علم وقادرة على اثبات ذلك ثانية. الا ان الهدف المنشود من انعاش حركة الترجمة لا يمكن تحقيقه الا بتجاوز الواقع الراهن للترجمة - الذي يتسم بالعفوية والتشتت وغياب التخطيط، وغموض الاهداف وضعف كفاءات المترجمين - وإدراجها ضمن استراتيجية تربوية وثقافية وعلمية تشمل كل البلدان العربية. وفي هذا الاطار تتنزل الخطة التي اعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" والتي صدرت اخيراً في كتاب بعنوان "الخطة القومية للترجمة". خصص القسم الاول من الكتاب لعرض المبادئ الاساسية، وهو يشتمل على خمسة فصول تناولت بالدرس المنطلقات والاهداف والاسس والوسائل، وأخيراً آليات تنفيذ هذه الخطة. اما القسم الثاني فقد خصص لعرض الخطط التنفيذية الخاصة باختيار الكتب وبترجمة العلوم وتعريب تدريسها كما تضمن مقترحاً لإنشاء معهد انموذجي لتكوين المترجمين وآخر لإنشاء شبكة اتصال عربية حول الترجمة وتوثيق الكتب المترجمة. ومما يستوقف الانتباه في المعطيات الواردة في هذا الكتاب هو النقص الفادح في ترجمة الكتب العلمية الاساسية والتطبيقية، اذ لم يتجاوز عدد الكتب العلمية المترجمة خلال عقد الثمانينات وفي ستة عشر دولة عربية 308 كتب. وانطلاقاً من هذا التشخيص وقع التشديد على ضرورة تعريب تدريس العلوم الاساسية والتطبيقية والتأكيد على ان ذلك هو السبيل لتمثل العلوم الحديثة ثم الارتقاء الى مرحلة الكشف والابداع.