انها واحدة من مفارقات الصراع المرير الدائر على هذه الأرض. فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للناس لا تحتمل وصفاً أقل من أنها متخلفة ومتدنية. ومن الطبيعي إذاً ان مثل هذا التخلف يتناقض مع ما يمثله الكومبيوتر والانترنت من ثورة تكنولوجية عالية التطور. في قطاع غزة يعتبر تداول الاجهزة الالكترونية والاجهزة المتطورة عموماً على هذا النحو الواسع أكثر من مجرد "موضة"، أو تأثر بالمعلومات التي تقدمها وسائل الاعلام العالمية، خصوصاً القنوات الفضائية، التي ترتفع صحونها على سقوف معظم المنازل، بما في ذلك المغطاة بألواح الصفيح. شركات الانترنت موجودة بكثرة في غزة، ومحلات بيع واصلاح الكومبيوتر والأشرطة الليزرية تكاد تساوي عدد محلات بيع الخضروات والفواكه. انها موجودة في كل حي، ومن السهل التعامل مع هذه المهنة. وكان بعض المشتغلين فيها يعملون مقاولي بناء في اسرائيل قبل تعلمهم القليل عن كيفية التعامل مع الكومبيوتر وفتح شركات لاقت رواجاً في البداية ثم أصابها الكساد لكثرة المتعاملين مع هذا الحقل. اجهزة الكمبيوتر في متناول يد الكثيرين، فقد تحصل على جهاز كامل بأقل من مئتي دولار، أما جهاز جديد من نوع "بنتيوم 2" الحديث فإنه يكلف ثمانمئة دولار فقط. العمال الفلسطينيون الذين يعملون في اسرائيل، وتجار الخردة، يدخلون يومياً عشرات بل مئات القطع والاجهزة الصالحة، كلياً أو جزئياً، وهم لا ينتظرون كثيراً عند عرضها للبيع، فأصحاب المحلات والهواة يتلقفون كل شيء. وبالنسبة الى الكثيرين هي تعبير آخر عن المظهرية في المجتمع أو أن الآباء يتباهون باقتناء ابنائهم، خصوصاً الجامعيين بينهم، اجهزة كومبيوتر. لقد عرفوا مقولة ان الكومبيوتر وسيلة لا غنى عنها لأي طالب علم. شركات الإنترنت وفرت لكل من يقتني جهاز كومبيوتر الفرصة لدخول عالم غريب اكثر تطوراً ينطوي على خيارات غير محدودة تستجيب كل رغبة أو ميل أو هواية. كما ان تدني قيمة اشتراك الانترنت، وفرت حافزاً لاقتناء جهاز الكومبيوتر بالنسبة الى من لا يعرف قيمته. الاشتراك الشهري يصل الى 28 دولاراً فقط وهو مبلغ زهيد قد يقتطعه الطالب من مصروفه الشهري، فضلاً عن ان اسعار المكالمات رخيصة، فالساعة في الليل بربع دولار فقط. وغالباً لا يعلم الأهل ما يدور في المساء من علاقة بين ابنائهم والاجهزة التي يتسمرون خلفها لساعات. ذلك ان خدمات الانترنت والاجهزة المكملة للكومبيوتر وفرت فرص التحادث بين الشاب أو الشابة وجاره أو جارتها، من دون التعرض لانتقادات المتطفلين، وكذا عقد جلسات حوار ساخنة لا تخلو من الإثارة العاطفية مع مجموعات وأفراد من كلا الجنسين في أكثر من موقع ومكان من العالم. أما من لا يمتلك الامكانية أو لا يرغب في الخضوع لرقابة الأهل اذا كانت لديه حاجة لاستخدام الانترنت من دون ان يملك جهازاً أو اشتراكاً فما عليه إلا ان يذهب الى غزة أو رفح حيث سيجد محلات لتقديم مثل هذه الخدمة. في مدينة غزة يوجد مركزان مقهيا انترنت وثالث في رفح. والرواد كثيرون وهم من فئة الشباب، ويشكل المراهقون الغالبية. وتجني هذه المراكز ارباحاً جيدة، اذ انها تقدم الساعة بثلاثة دولارات يضاف اليها رسم الاشتراك بواقع 50 دولاراً لكل 20 ساعة، وتتناقص قيمة الاشتراك كلما زادت ساعاته، فال30 ساعة بپ62 دولاراً وال40 ساعة ب80 دولاراً فقط. هذه المقاهي تحصل على خدماتها عن طريق اشتراك مباشر من خلال أقمار اصطناعية. وقبل نحو شهرين استقبل بعض المشتركين في الهاتف، فواتير دورة تشرين الثاني نوفمبر وكانون الأول ديسمبر 1998، وهي تحمل أرقاماً مرتفعة. وشككت الإشاعات التي سرت بين الناس في غزة، في شركة الاتصالات الفلسطينية حيناً وتحدثت عن سرقات الهاتف احياناً اخرى. لا يخلو الأمر من سرقات، لكن آباء كثيرين فوجئوا باعترافات ابنائهم أنهم اتصلوا على الخط الساخن Hot Line على هواتف ومواقع يتم الاعلان عنها في بعض قنوات التلفزة الفضائية، ومن خلال الانترنت. هناك 8 آلاف موقع إباحي على الانترنت، كما يقول أحد المتخصصين. ولا توجد رقابة من قبل اسرائيل أو السلطة الفلسطينية، فالخطوط مربوطة ب"سيرفر" اسرائيلي. ويقول أحد المختصين ان ثمة امكانية لضبط هذا الانفلات غير الاخلاقي وغير العقلاني. ففي بعض دول الخليج أمكن اغلاق هذه المواقع ووضعها على اللائحة السوداء بحيث يصعب أو يستحيل على مستخدمي شبكة الانترنت الاتصال بها.