الحرب، كل حرب، تنتهي بانتصار طرف أو بتوقيع اتفاق صلح. وحتى الآن لم يقر اي من الفرقاء بالهزيمة، واتفاق السلام ما برح وراء الأفق الملبد بسحابات الدخان. لكن ذلك لا يمنع استخلاص نتائج المراحل الاولى للحملة البلقانية التي بدأت بأهداف معلنة تتلخص في حمل نظام بلغراد على وقف التطهير العرقي وسحب قواته من كوسوفو والاقرار بحق سكان الاقليم في الحكم الذاتي، ان لم يكن الاستقلال، والقبول بوجود آلية عسكرية للاشراف على تنفيذ الاتفاقات. أي من هذه الاهداف لم يتحقق، بل ان مأساة اللاجئين غدت كارثة، ونظام سلوبودان ميلوشيفيتش حقق مكاسب في الداخل بتحجيم المعارضة او انضمامها اليه. بل ان عدداً من قادة الألبان في كوسوفو، وفي مقدمهم ابراهيم روغوفا، فتحوا قنوات مع بلغراد تناقض رغبة حلف الاطلسي و"جيش التحرير"، مما يعني ان الصرب تمكنوا من تعميق التصدع داخل الجبهة الالبانية، وتهيئة الارضية لضم الجزء الشمالي من كوسوفو الى الاتحاد اليوغوسلافي و"التنازل" عن الجزء الجنوبي الخالي من الثروات الطبيعية. هل ثمة خطأ أم ان ما يجري يحصل وفق حساب مركب؟ احد الساسة اجاب: "انه حساب خاطئ ان لم يكن خطأ محسوباً"، اي ان ما يجري على الارض في كوسوفو ليس في اهمية الغايات الاميركية الأبعد، ومنها وضع الاممالمتحدة "خارج القوس" وارغام الاوروبيين على السير في الركاب وتكسير ارجل الطين النووية كي تفقد روسيا ما بقي من صورة المارد. هل بلغت هذه السهام مقاصدها؟ جزئياً نعم بالتأكيد، فمجلس الامن لم يعد احد يسمع صوته، والحكومات الاوروبية لا تلتفت حتى الآن الى ضغوط الشارع عليها. الا ان التململ بدأ بطرح الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان مشروع البنود الخمسة، وحتى اذا رُفض فانه اول ايماءة تدل على انزعاج المرجعية الدولية من تهميشها. واصوات اليونان وايطاليا، والى حد ما فرنسا، لم تعد منسجمة مع النغم الاطلسي. وروسيا "حردت" منذ البداية وعارضت الغارات وساندت بلغراد سياسياً ومعنوياً، بل ان الرئيس بوريس يلتسن هدد بحرب عالمية في حال بدء الغزو البري ليوغوسلافيا، ونقل عنه انه قرر اعادة تصويب الصواريخ نحو بلدان الاطلسي، وليس مهماً ان سكرتيره الصحافي قدم "تفسيرات" تلغي تصريح رئيس الدولة. ووافق الكرملين "من حيث المبدأ" على انضمام يوغوسلافيا الى الاتحاد الروسي - البيلاروسي مما يجعل مهمة الوساطة المحتملة بالغة الصعوبة، اذ ان روسيا ستكون في هذه الحال طرفاً اكثر منها وسيطاً. والأرجح ان خطاب يلتسن لا يعدو كونه مبارزة كلامية دولياً، ورسالة داخلية هدفها احتواء محاولة جدية لاصدار قرار برلماني بعزله. الا ان الأكيد ان احياء ذهنية الحرب الباردة وتعزيز مواقع "الصقور" في روسيا هما جزء من الآثار السلبية للحملة البلقانية.