مرحلة أواسط العمر بالنسبة الى الرجل والمرأة على حد سواء مرحلة حرجة وهامة. ففي سن الأربعين يقع الطرفان بين جيلين مختلفين في كل شيء، يطالبانهما بالكثير. ويعتمدان عليهما نفسياً وعملياً. فعلى الرجل والمرأة المتوسطي العمر دعم ورعاية جيلين. جيل صغار السن، وجيل المتقاعدين مع ما يصاحب ذلك من مسؤوليات وتوترات عدة. تعزى اسباب التوتر والقلق النفسي لدى المرأة دائماً الى تغيرات جسمانية تسمى خطأ بپ"سن اليأس". ولأن أي تغيير هورموني مفاجئ لا يطرأ على الرجل، ولأنه قادر على الانجاب حتى سن متأخرة، يختلف الأمر لدى الرجل. ففي هذه المرحلة يعيد الرجل حساباته والنظر في اسلوب حياته وطبيعة عمله ونوعية علاقاته. فيزداد قلقه وتوتره، لكنه لا يصاب بأعراض تماثل تلك التي تشكو منها المرأة. و"أزمة اواسط العمر" لدى الرجل ليست ظاهرة قوية. والمؤكد ان اضطراباً ملحوظاً وعاماً يحدث في هذه الفترة لدى الرجل، غالباً ما يكون نتيجة لظروف حياتية صعبة، لأنه فعلاً في وسط عمره، حيث يكون عرضة اكثر من أي وقت آخر لتغيرات وظروف لا يمكنه الامساك بزمامها بشكل كامل. معظم هذه التغيرات والظروف تحدث في محيط الأسرة. مثل ترك الأولاد للبيت، ومرورهم بفترة المراهقة الحساسة جداً، وولادة الاحفاد وما يحيط بها من إثارة، ودخول ازواج البنات وزوجات الأبناء الى محيط الأسرة. والوفاة المتوقعة. والمرض القاسي معنوياً وبدنياً... الخ. وأي من هذه الاحداث كاف لأن يكون سبباً مباشراً في ازمة حياتية تزيدها سوءاً مرحلة اواسط العمر. غير انه يجب ان نأخذ بعين الاعتبار اختلاف طبائع كل فرد عن الآخر واختلاف القدرة على التكيف والتأقلم مع الظروف. ففي عصر متطور تسير فيه كل الاشياء بسرعة، يفقد الانسان الاحساس بالأمان ويعيش خائفاً من تأثير التطور التكنولوجي عليه ومن امكان ان يمسه بأذى شخصي مثل الاستغناء عن خدماته لصالح الكومبيوتر او لصالح شباب يجيدون التفاهم مع الآلات الحديثة. ويقول بعض العلماء ان مرحلة اواسط العمر هي بداية الحياة. بينما يهمس آخرون، في خبث، بأنها بداية النهاية! بشكل عام تلك المرحلة بين 40 و60 سنة، او الفترة الواقعة في منتصف حياة الانسان، والتي تتميز بالنمو وبالتطور وببعض التغيرات الجسمانية، مثل ازدياد القابلية للاصابة بالأمراض، وانخفاض الاحساس بالطاقة والحيوية، وإحساس عام بالخمول والركود غالباً، ما يكون سببه الكسل، وعدم اللياقة البدنية نتيجة الافراط في تناول الطعام والتدخين، ما يؤدي الى ظهور الكرش، وبطء الحركة. في هذه المرحلة يبدأ وعي الرجل للزمن وإحساسه بالموت وبالحياة، وتتبلور فلسفته وحكمته وبصيرته، وتبرز خبرته الى حيز الوجود العملي. ومن الناحية الاقتصادية، تتمثل المادة في مرحلة اواسط العمر بشكل اساسي، فتعني النقود ما يكسبه الانسان بعرقه وكده او بمهارته وحذقه. في هذه المرحلة يصل البعض الى درجة السأم وعدم الاقتناع بوظائفهم سواء كان ذلك ناجما عن ظروف خارجية تتعلق بالعمل والرؤساء، او بسبب ظروف خاصة بالانسان نفسه: حياته الخاصة، زواجه، الأولاد... الخ. ويرى بعض علماء النفس والفلاسفة ان مرحلة اواسط العمر هي بداية الحياة في معظم المجتمعات، حيث يحقق الانسان اهدافه، ويصل الى ما كان يصبو اليه من قوة ومكانة اجتماعية ونضج عاطفي واجتماعي. وللبعض تكون هذه المرحلة ايجابية جداً بمعنى ازدياد الثقة بالنفس، والاحساس العام بالسعادة وبالقدرة على اقامة علاقات متوازنة وناضجة مع افراد الأسرة ككل، ومع المجتمع وأفراده بشكل عام. وفي المقابل، قد يصاب الرجل في هذه المرحلة بتشاؤم ونظرة سلبية للأمور والانشغال بفكرة الموت والحياة، وبالمرض والصحة الى حد يعطله عن أداء دوره الأسري والاجتماعي. وفي هذه المرحلة، يتعرض الانسان الى سيل، ان لم يكن طوفاناً، من الواجبات والالتزامات العامة والخاصة. يشار الى ان الرجل الذي يكون عرضة للتعب والارهاق قد يصل الى حد الاكتئاب، وهو ما يسمى مجازاً بپ"اكتئاب النجاح". فإذا اخذنا مثال الطبيب المتخرج حديثاً والذي قد يصاب باكتئاب ناتج عن الفرص المحدودة في بلده، ويتوتر سعياً للذهاب الى بلد غربي للدراسة العليا. فإذا نجح وتقدم فانه سيتوتر بحثاً عن عمل مناسب. وإذا نجح وحصل على الشهادة التخصصية، فربما اصيب بپ"اكتئاب النجاح" بحثاً عن الترقي الوظيفي او التمزق ما بين العودة الى بلاده، او الاقامة الدائمة في البلد الذي تعلم فيه. وهكذا... ان الشخصية والسلوك والقدرة على التعبير عن المشاعر وكيفية التعامل مع الآخرين... كلها عوامل تؤثر في مسيرة الانسان بشكل عام، وبالتحديد في مرحلة اواسط العمر حيث يجابه بتحديات قد تخيفه، قد تهزمه او ينتصر عليها بعد مجهود وإرهاق نسبي قد يؤديان الى التوتر والقلق وأحياناً الاكتئاب. للانتصار على هذه الازمة او تجنبها، يفترض بالرجل ان يركز جهوده على هدف محدد بشكل عام، وأن يهتم بمظهره وبصحته وبلياقته البدنية والنفسية. كما عليه معادلة الموازنة بين بين مسؤولياته داخل البيت وخارجه، وألا ينسى ان زوجته رفيقة دربه ترافقه في نفس الموقف، في مرحلة اواسط العمر، وان العلاقات الحميمة بين الزوجين، وبينهما وبين باقي افراد العائلة كافية لأن تحميهما من التوتر. والرجل أقل تعرضاً من المرأة بشكل عام للتوتر النفسي في تلك المرحلة، الا اذا هدد في حياته او مستقبله او وضعه المادي او أصيب بمرض خطير، ثم يجب الا ننسى ان للرجل علاقات عديدة ومتشعبة وحيوية. غير ان حيوية علاقة الزوج بالزوجة هي اهم شيء لحمايتهما معاً من مخاوف اواسط العمر، فإذا كبر الأولاد وتزوجوا، يجب ان يتماسك الزوجان بشكل أقوى حتى لا يصير الصرح هشاً ولا يصير العش مهجوراً. وتعتمد هذه المسألة على كلا الزوجين وعلى فهمهما المتبادل ودعمهما المعنوي وارتباطهما الروحي، حيث ان حبهما وارتباطهما اكبر ما يمكن ان يشد البنيان المرصوص على بعضه البعض. وان تعاونهما وتآلفهما هما الزقزقة والصدح المستمر في عش الزوجية في أوائل العمر وفي اواسطه وفي اواخره. بل في كل وقت. * طبيب استشاري نفسي مقيم في بريطانيا.