سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ملامح المواجهة السياسية بدأت تتضح ... والحريري يطلع الرؤساء الثلاثة على موقفه . لبنان : لحود يعتبر ان لا موالاة ومعارضة في شأن الموازنة والحص يطلب التحقيق في صرف نفقات من دون اعتمادات
بدأت ملامح الصراع السياسي الذي ينتظر ان يدور على مشروع قانون موازنة العام 1999 الذي شرع مجلس الوزراء اللبناني في بحثه في جلسته اول من امس على ان يستكمل مناقشته الاربعاء المقبل، تظهر من خلال المواقف الصادرة عن الحكومة محملة مسؤولية تفاقم العجز والدين العام في البلاد للحكومات السابقة في مقابل تهيؤ المعارضة لمناقشة المشروع والاجراءات التي ترافقه وطرح اعتراضاتها عليها. واذ ينتظر ان يطلق مشروع الموازنة نقاشاً واسعاً خلال الشهرين المقبلين، على الصعيدين السياسي والاعلامي، يفترض ان ينتهي في المجلس النيابي بعد انتهاء مجلس الوزراء من اقراره فان رئيس الجمهورية أميل لحود شدّد، كما نقل عنه نواب زاروه امس، على "أهمية تنقية الأجواء العامة من كل ما يضعف الثقة بالبلاد وخصوصاً من الاشاعات التي تطلق هنا وهناك أو تحت الأضواء"، ودعا جميع الأفرقاء الى التعاون من اجل السير بالبلاد الى شاطىء الأمان والى تضافر الجهود والالتفاف حول الحكومة للمساهمة في انهاض الوضع الاقتصادي لانه من مسؤولية الجميع ولان لا معارضة أو موالاة في شأن الموازنة التي لا تعني الحكومة، بل هي لكل لبنان". ونقل النواب عن لحود "أهمية قيام الجميع بمسؤولياتهم سواء أكانوا موالين أم معارضين، من اجل موازنة فيها توازن لرفد عجلة التنمية التي هي الاساس في مواجهة مشكلة العجز ضمن خطة هادفة". وقال "ان كل بند من بنود الموازنة سيدرس في عمق، وهذا ما باشره مجلس الوزراء"، مشيراً الى "ان القرارات التي اتخذت في شأن خفض الانفاق سيكون لها اثر مباشر في ارقام الموازنة". وأعلن ان "الموازنة ستكون متأنية ومدروسة وان البحث يتركز على موارد لا تلقى تبعتها على الفئات الشعبية، مع التشديد على ضبط الانفاق وترشيده ووقف اهدار المال العام ومتابعة المشاريع الانمائية وغيرها". وأبدى انفتاحه على كل الاقتراحات البناءة لانهاض الوضع الاقتصادي "خصوصاً ان الظروف التي نعيشها جزء من تراكمات ماضية والنقاش الدائر لا يتناول الموازنة في حد ذاتها بل يتعداها الى النظرة الى مستقبل البلد الاقتصادي". كتاب الحص وتزامن هذا الموقف مع طلب رئيس الحكومة سليم الحص من النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة التحقيق في نفقات عقدت من دون الاعتمادات اللازمة لها، ما شكل مخالفة لاحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية، ويرتب مسؤوليات على الذين قاموا بهذا العمل. وجاء في كتاب الحص "تبيّن ان هناك مبالغ طائلة من الاستحقاقات المترتبة على الدولة منها ما لا يقل عن 1130 بليون ليرة على شكل نفقات معقودة من غير توافر الاعتمادات اللازمة لها، وذلك بالتفصيل الآتي كما كانت عليه في 31 كانون الاول ديسمبر الماضي: - استملاكات مجلس الانماء والاعمار 165 بليوناً، صندوق المهجرين 10 بلايين، وزارة الدفاع 60 بليوناً أي ما مجموعه 235 بليوناً. - ديون المتعهدين: مجلس الانماء والاعمار 251 بليوناً. ومجلس الجنوب 144 بليوناً وصندوق المهجرين 70 بليوناً والصندوق البلدي وكهرباء لبنان والهاتف 138 بليوناً أي ما مجموعه 603 بلايين. - الاستشفاء: وزارة الصحة 160 بليوناً والدفاع الوطني 97 بليوناً وقوى الامن الداخلي 21 بليوناً وتعاونية موظفي الدولة 14 بليوناً أي ما مجموعه 292 بليوناً، ليكون المجموع العام 1130 بليون ليرة. واضاف الحص "لما كان عقد النفقات من غير توافر الاعتمادات اللازمة لها مخالفاً لاحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية نطلب منكم التحقيق في هذا الوضع وتحديد المسؤوليات واجراء ما يلزم والافادة بالنتيجة، وهذا من دون اعتبار المستحقات في ذمة الخزينة، لمصلحة البلديات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". مجلس الوزراء وجاء كتاب الحص هذا اثر جلسة مجلس الوزراء التي ناقشت بنود النفقات في الموازنة وتركت بنود الواردات التي تتضمن تعديلاً في الضرائب والرسوم، عبر زيادة بعضها الى الجلسة المقبلة. وكان الرئيس لحود أكد في مستهل الجلسة ان مجمل الدراسات اثبتت ان في الامكان تجاوز الازمة الراهنة شرط تعاون الجميع لمعالجة المشكلة التي ورثتها هذه الحكومة وتتمثل بحجم الدين العام المترتب من الانفاق خلال ولاية الحكومة السابقة. لكنه اعتبر "ان من غير الجائز مطلقاً ان تدخل التجاذبات السياسية في موضوع الموازنة لان ذلك ينعكس سلباً على لقمة عيش المواطن"، مع انه ابدى "استعداداً دائماً لتقبل الاقتراحات البناءة التي تساعد على حملة النهوض من هذا الوضع". وأعلن وزير الاعلام أنور الخليل اثر الجلسة جملة ارقام تتعلق بالموازنة والوضع المالي أهمها: إحالة مشروع قانون على المجلس النيابي للاجازة للحكومة اصدار سندات خزينة خاصة بالدولار بما يوازي 1130 بليون ليرة لبنانية، لتسديد بعض الديون المستحقة على الدولة من بدلات استشفاء وتعويضات استملاك وديون متعهدين ترتبت خلال العام 1998 وما قبل من دون توافر الاعتمادات اللازمة لها في حينه. وهذا الاجراء سيساعد في توفير سيولة جديدة في الاسواق". وهذا المبلغ هو موضوع الكتاب الذي طلب الحص من ديوان المحاسبة التحقيق فيه. وقال الخليل "ان الدولة ستسدد المستحقات للبلديات وللجهات الاخرى، على دفعات"، مشيراً الى "ان تركة الحكومة السابقة ليست بسيطة". وتجنّب الرد على سؤال عن الزيادة على سعر صفيحة البنزين، وأشار الى ان الرئيسين لحود والحص شددا على توفير الضرائب قدر الامكان من الفئات القادرة على دفعها... واستباقاً لاعتراضات المعارضة على التقشف في بعض جوانب الانفاق وزيادة الضرائب، يبدو ان الحكم والحكومة ضمّنا مشروع الموازنة، خفضاً لعدد من البنود كان المعارضون يطالبون بها، منها: الغاء التدبير الرقم 4 في الجيش الذي هو بمثابة استنفار دائم فيه على الا يشمل هذا الالغاء القوى المرابطة قرب الحدود. وهو تدبير يؤدي الى رفع تعويضات العسكريين. والغاؤه يقود الى خفض نفقات وزارة الدفاع. أما البند الآخر فهو المتعلق بالمصاريف السرية في رئاستي الجمهورية والحكومة. والغاء هذين البندين أبلغ لحود مجلس الوزراء به اول من امس، داعياً اياهم الى محاولة خفض موازنات وزاراتهم، بدلاً من المطالبة برفعها. موقف المعارضة وعلمت "الحياة" ان الحكومة ستواجه المعارضة في مشروع الموازنة، بخفض واضح في بعض الضرائب والرسوم مثل تلك التي تؤدي الى تشجيع الصناعة الوطنية والزراعة والسياحة في مقابل رفع الضرائب والرسوم على مواد اخرى مثل البنزين. ويترافق كل ذلك مع قول مصدر رسمي رفيع "اذا فشلت الحكومة الحالية اقتصادياً فان رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري يتحمل المسؤولية. أما مسؤوليتها فتنحصر في حال الفشل في الميدانين الاداري والسياسي". وفي المقابل، فأن المصادر المعارضة تعتبر ان "الأجواء السياسية الراهنة لا تساعد على فتح حوار بين القوى على استحقاق الموازنة على رغم الكلام المنسوب الى رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء ان لقمة العيش لا تعرف المعارضة والموالاة، والذي اعتبر بمثابة دعوة الى اشراك الجميع في مناقشة الوضعين المالي والإقتصادي". ورأت هذه المصادر "ان استمرار إلقاء المسؤولية على عاتق العهد السابق وتحديداً الرئىس الحريري بذريعة التركة الثقيلة، هو مواصلة سياسة محاسبته ومحاكمته بدلاً من الخوض في حوار مفتوح يفترض ان يقود الى بلورة مجموعة من الآراء تسمح بخروج البلاد من حال الإنكماش الإقتصادي من جهة والاقتراب تدريجاً من وضع خطة تنموية، من دون ان يعني هذا الكلام ان هناك من يود التهرّب من المحاسبة". وأضافت "اذا كان المطلوب من شن الحملات على العهد السابق، وضع من هم خارج السلطة في موقع الدفاع عن النفس ومنعهم من ممارسة حقهم الديموقراطي في ابداء وجهة نظرهم في الموازنة تحت ضغط التلويح بفتح المزيد من الملفات، فأن بعض المعارضة لا يتهرّب من المسؤولية لكنه في المقابل يعتبر ان هذا الأسلوب لن يؤدي الى نتيجة ولن يحقق اجماعاً وطنياً يدعم التدابير والإجراءات لإنعاش الوضع الإقتصادي". ونسبت المصادر كلاماً الى الرئيس الحريري وآخر لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عن "استعدادهما للإنسحاب من النقاش الدائر على مشروع الموازنة اذا كان سكوتهما يضمن التخفيف من وطأة الأزمة". وأضافت المصادر ان الحريري "على استعداد للطلب من النواب والسياسيين المقرّبين منه الإحجام عن إبداء رأيهم في الموازنة، لهذا الغرض"، مشيراً الى "ان توسيع رقعة الحوار بدلاً من كيل الإتهامات سيسهم في تحمل الجميع مسؤولياتهم، بصرف النظر عن موقعهم السياسي". ورأت "ان خفض العجز في الموازنة لن يكون إلا بخطة للتنمية، لتحريك العجلة الإقتصادية ولأن لبنان يتمتع بصدقية لدى المجتمع الدولي يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط بها، اضافة الى ان ذلك يزيد من واردات الخزينة، بدلاً من ان نقيّد أنفسنا". جولة الحريري وهذا الموضوع كان مدار بحث بين الحريري والرئيس لحود ورئىس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحص، على هامش زيارته لهم امس ليشكر لهم مواساتهم له بوفاة والده. وتطرق البحث الى قرار مجلس الوزراء احالة قضية إنفاق الحكومات السابقة مبلغ 1130 بليون ليرة من دون اعتمادات ملحوظة، على ديوان المحاسبة، خصوصاً انها عائدة الى وزارات الدفاع والصحة والداخلية والأشغال العامة ومجلس الجنوب. وقال وزير سابق ل"الحياة" ان تسديد هذا المبلغ ناقشته الحكومة السابقة، ولم يذهب الى جيوب الوزراء السابقين بل أنفق لضرورات لا بد من ان يكتشفها ديوان المحاسبة "وبالطبع لن نتهرب من المسؤولية". وكشف "ان الحكومة السابقة عندما طرحت مشروع تأمين موارد لمبلغ 800 مليون دولار، اواخر العام 1997 هدفت الى تسديد المبلغ، بعدما رفضت استدانته واشترطت التوافق بين الحكومة والمجلس على التدابير الآيلة الى توفيره". وتتخوف اوساط المعارضة من ان يؤدي اصدار سندات دين بقيمة المبلغ المستحق على الدولة الى زيادة الدين من دون تأمين واردات له. على صعيد آخر، نقلت مصادر سياسية عن الرئىس بري انه يشكو امام بعض زواره من عدم التنسيق معه ولو من باب التشاور في الامور المتعلقة بالموازنة. وأوضحت "ان بري يعتبر التنسيق امراً ضرورياً باعتبار ان الانقاذ همّ مشترك ولا اظن ان التنسيق في قضايا مهمة مثل الموازنة يعني انبعاث "الترويكا" من جديد، وأنا اقول وأكرر انها دفنت الى الأبد ولا مجال لبعث الروح فيها". ويشدد بري على ان ما يصرح به "يعبّر عن اقتناعي وأنا اقوم بواجبي وأترك للرأي العام اللبناني ان يحكم".