ما العمل عندما "تفرّخ" القطاعات التخصصية من حولك، بينما بقيت سياسة موديلاتك محافظة عموماً، كما عُرِفَت بيجو منذ الثمانينات؟ تتدبّر أمورك بما تيسّر. طبعاً، يمكن فهم دقة وضع مجموعة بي إس أ بيجو وسيتروان عندما إنضم إليها جاك كالفيه في 1982، قبل تسلّم رئاستها من 1984 الى نهاية أيلول سبتمبر الماضي. فعنوان تلك الحقبة كان البناء على مكتسبات عودة النجاح منذ موديل "205" في 1983، وتمتين مواقع كل من الماركتين في قطاعاته العمومية التوجه، من السيارات الصغيرة الى الكبيرة. محاور التقدّم لكن صناعة السيارات لم تنتظر بيجو في تلك الأثناء، بل كانت ولا تزال تتطوّر وتتفرّع منذ منتصف الثمانينات، مقلّصة نفقات الإنتاج ومُهل تطوير الموديلات وسرعة الإستجابة لتغيّرات الأذواق، ومغيّرةً علاقة الصانعين مع مورّدي الأنظمة والقطع، وصولاً الى المنتج الذي دخل مرحلة تنوّع كبير وفي إتجاهات مختلفة، من المينيفان السياحي الشَرِح، الى الرباعي الدفع الترفيهي الخفيف أو العائلي أو الفخم العالي، الى عودة إنتعاش الموديلات الرياضية على إختلافها رودستر وكوبيه وكابريوليه وحتى فئات الواغن والصالون الرياضية الحادة الأداء، وصولاً الى تفرّعات أصبحت تضم اليوم المينيفان المتوسط والصغير كبديل للسيارة السياحية المتوسطة أو المتوسطة-الصغيرة الحجم. الفترة الصعبة لفهم الجانب المحافظ من سياسة بيجو عموماً خلال تلك الفترة، لا بد من العودة الى السبعينات. فبعدما كادت خسائر سيتروان تدفعها الى أحضان فيات منذ 1968، قررت بيجو شراء الماركة الفرنسية في 1974. وقبل مضي أربع سنوات أخرى، عرضت كرايسلر فرعها "كرايسلر أوروبا" صيف 1978 للبيع، بماركاته "سيمكا" الفرنسية والتي تملك "تالبوت" الفرنسية أيضاً، و"روتس" البريطانية، و"باريروس" الإسبانية، مع مصانعها في بريطانيا وإسبانيا وإيران. وخشية دخول صانع أجنبي على الخط، مع خطر إنعاشه ماركة سيمكا مثلاً لإنتزاع قسم من حصص بيجو وسيتروان ورينو من الأسواق الفرنسية والأوروبية عموماً، أقدمت بيجو أيضاً على شراء "كرايسلر أوروبا"، ودمجتها ضمن مجموعة "بي إس أ" PSA منذ مطلع 1979. ومع أن توسّعها بدأ دفاعياً، لا شك في أن ضم سيتروان وكرايسلر أوروبا في مهلة قصيرة أرهق بيجو كثيراً، لا سيما أنه ترافق مع إنعكاسات أزمتَي نفط عالميتين، ومع خضّة نشوء الثورة الإيرانية 1979. وبما أن "عسر هضم" صانعي السيارات ينعكس في ترهّل تشكيلات موديلاتهم تدريجاً، كان إطلاق موديل "205" في 15/2/1983 بدأ مشروعه تحت رمز "إم 24" في 1977، وتأخر إطلاقه من 1982 الى 1983 لإخضاعه لتعديلات تسمح له بإستيعاب محرّكات تزيد سعتها عن 4.1 ليتر أول موديل تطلقه بيجو منذ إطلاق "505" في أيار مايو 1979! وهل تُستغرب اليوم سياسة الشركة الداعية الى تحالفات صناعية في مشاريع محددة مع فورد وميتسوبيشي حديثاً، بعيداً عن أي بحث في موضوع الدمج أو الإندماج مع أي شركة أخرى؟ التمتين الدفاعي لا شك في أن بيجو لم تعبر الثمانينات وهي تتفرّج على تغيّرات صناعة السيارات، لكن خطوات المجموعة الفرنسية بقيت مدموغة بذاكرة "جماعية" دفاعية المنحى. صحيح أن جاك كالفيه إنسان محافظ عموماً، لكن الرجل لم ينقذ بيجو إلا لأن خلفيته مالية درس العلوم السياسية والإقتصادية والإدارية، وعمل مديراً لمكتب وزير الإقتصاد والمال بين 1970 و1979، ثم رئيساً لبنك باريس الوطني بين 1979 و1982، وليست متجذّرة في صناعة السيارات من الناحية الهندسية، كما هي العادة لدى الألمان مثلاً. طبعاً، حسّنت بيجو وسائلها الإنتاجية وأغنت سياراتها بالجودة وبأحدث التقنيات، كما عصرت نفقات إنتاجها وقصّرت مهل التطوير، وأنزلت عدداً من الموديلات "المهضومة" التي تُلقي بعض الفتوة على صورة أسد سوشو، مثل كابريوليه "306" 1993 وكوبيه "406" 1996. لكن السياسة العامة لتشكيلة الموديلات بقيت دفاعية، وموديلان لا يكفيان للقول بأن الصانع يراهن على القطاعات التخصصية جدياً. نعم دخلت بيجو قطاع المينيفان مع موديل "806" 1994، لكن بعد نزول موديل رينو "إسباس" بعشر سنوات !، وبموديل مشترك مع مجموعة فيات، ويسوّق تحت أربع ماركات بيجو وسيتروان وفيات ولانسيا، أي بما يكفي لقتل أي تفنن تصميمي بسبب كثرة التنازلات لتوفيق حاجات الماركات الأربع. وبعدما جاءت رينو "ميغان سينيك" بصرعتها التسويقية الثانية والناجحة جداً منذ 1996، ها هي مجموعة بي إس أ تستعد لإطلاق موديل سيتروان "بيكاسو"... أواخر 1999! بيجو اليوم بعد مرحلة التمتين وإعادة تركيز التخطيط على ماركتَي بيجو وسيتروان، دخلت مجموعة بي إس أ منذ خريف 1997 مرحلة جديدة مع وصول جان مارتان فولز الى رئاستها. ومن خلفية فولز الذي انضم الى الشركة في 1995، بعد وظائف عدّة في قطاعات صناعية مختلفة لدى رون بولان 1978-1984 ثم في مجموعة شنايدر الصناعية 1984-1987، ثم في بيشيني 1987-1991 وأخيراً في بيغين ساي 1991-1995، تظهر مؤشرات واعدة بمزيد من التوازن بين مفهومَي الأداء الإقتصادي من جهة، وتشجيع جرأة المنتج ذاته من جهة أخرى. وقد بدأت تلك البوادر تظهر من تقارير مطبوعات فرنسية عدة وتتحدّث كلها عن مضي المجموعة في خطة إعتماد قواعد مشتركة لموديلات بيجو وسيتروان المقبلة مع بعض الإستثناءات، مثل موديل بيجو "606" أو "607" الذي سيُطلق أواخر السنة الجارية، والذي تخطى برنامجُه إمكان الرجوع لبحث إعتماده أيضاً لوريث موديل سيتروان "إيكس إم" الحالي سينزل جيله المقبل في 2001 على قاعدة ممدودة من "كزانتيا"/"406" المقبلتين. وإن لم تكتشف بي إس أ البارود مع مفهوم القواعد المشتركة المعروف منذ عقود ولدى ماركات عدّة، تبقى الإشارة الى أن المجموعة الفرنسية ذاتها طبّقته أيضاً منذ سنوات وفي جوانب عدّة، من القطع المشتركة بين بيجو وسيتروان، خصوصاً في المحرّكات والعلب وبعض أنظمة التعليق، إضافة الى القاعدة المشتركة بين كل من بيجو "106" وسيتروان "ساكسو" من جهة، و"806" و"إيفازيون" من جهة أخرى. لكن أهم ما تعد به المجموعة هو توجيه سيتروان نحو قطاعات أكثر تخصصاً، مثل موديل "بيكاسو" الذي لن ينزل لدى بيجو مثلاً، أو الموديل الذي سيصنّع من نموذج سيتروان "سي 3" الجريء، وإبقاء بيجو في القطاعات العمومية التوجه والواسعة الإنتشار، مع موديل فخم يكللها كلها. الى أن تظهر وقائع تلك الخطط، وإمكان تحقق المستهلك من مدى إختلاف صيغ سيتروان عن بيجو في الموديلات المبنية على قواعد مشتركة، لا يزال الواقع الحالي يشير الى تفوّق رينو في جرأة التصميم وخصوصاً في جرأة إبتكار قطاعات جديدة، من "إسباس" الى "توينغو" ثم "سينيك" و"أفانتايم" في السنة المقبلة. ولا بد من الإشارة أيضاً الى نجاح رينو في الوقت ذاته في توفيق دورها الإبتكاري مع موديلاتها العمومية التوجه. "بارتنر" وماذا يفعل "بارتنر" اليوم وسط هذه الزحمة؟ لعله خير مثال على المرحلة الإنتقالية، بين برامج موديلات "حل وسط" وافق عليها الرئيس السابق، وأخرى يقررها اليوم الرئيس الجديد لكننا لن نراها قبل سنوات قليلة. ف"بارتنر" ليس في النتيجة الا موديلاً خدماتياً خفيفاً، وإشتقت بيجو منه فئة سياحية بسيطة ورخيصة، تسد بعض الثغرة المفتوحة في قطاع سيارات المينيفان الصغيرة الواصلة الى السوق. فهل يخفف فولز وطأة السياسة الإحترازية، ويطلق عنان جرأة إبتكار القطاعات الجديدة قبل إزدحام المنافسة فيها