إن كان لمعرض فرانكفورت الدولي الأخير للسيارات 16 - 26 أيلول/سبتمبر الماضي أن يختم قرناً من صناعة السيارات برسالة، فلا بد أن تُستهَل بأن إحترام المستهلك يبدأ من إحترام المنتج من أساسه، قبل الوصول الى الإنشائيات التسويقية الحريصة على رضاه، وحتى قبل بلوغ رضى "الباب العالي": حملة الأسهم. لنلقي البروشورات وعباراتها من يدنا لحظة. ليست في عالم الأعمال طوباوية، بل ربح وخسارة. يمكن لأي شركة أن تصنع أجمل وأجود سيارة العالم، لكن إن لم تكن منها جدوى إقتصادية، لن تكون بعدها سيارات أخرى بجودتها وغناها، بل قد لا تكون هناك شركة تصنعها من الأساس. خلافاً لتقلّبات كثيرة عرفتها صناعات العالم من حين الى أخرى، ثمّة مفارقة محيّرة: لماذا لم يخسر الألمان ثقة المستهلك لا في أقوى أيام نموهم ولا في أضعفها، لا في بلادهم ولا خارجها؟ هل لديهم "سر خطير"؟ ربما، إن كان "عشق الجودة" سراً يمكن تناقله بين الأجيال. لكن آخرين قد لا يجدون لا سراً ولا شائعة، بل مجرّد متانة تجدها في كل قطعة مركّبة على منتوج يحمل عبارة: "صنع في ألمانيا". صراحة، لا أعرف إن كان الألمان يشغلون بالهم كثيراً بعبارات الإحترام والتحيات. فالأرجح هو أن الموضوع يطرح في أذهانهم قبل ذلك بكثير، لأن الإحترام الذي يكنّه الألمان لجودة منتوجاتهم، يسبق إحترامهم للمستهلك. ألا يسبق تصميمُ المنتوج وصولَه الى المستهلك؟ ليس إحترام الأخير إذاً إلا نتيجة حتمية لما وُضِعَ في المنتج تصميماً وتنفيذاً، ليأتي بعدها رضى المستهلك تلقائياً... ثم رضى حملة الأسهم. في الواقع، يمكن الإنطلاق من موقعَين: - إما من التركيز أساساً على هدف إرضاء حملة الأسهم أولاً وأساسياً بهوامش ربح عالية، وبمنتوجات محترمة لكن من دون إدعاء الريادة التقنية أو النوعية حكماً، فيصبح رضى الزبون وسيلة مشروعة لبيع المنتوجات بهوامش الربح المغرية لحملة الأسهم. هل تلمع هذه المنتوجات بصورة نخبوية؟ ليس بالضرورة، ولا هو هذا هدفها أصلاً، لكن المبيعات جيّدة والمستهلك راضٍ، وحملة الأسهم سعداء. - أو الإنطلاق من فلسفة الجودة كهدف أول للشركة، قبل تقريب الكلفة ما أمكن من أسعار السوق، مع شيء من الإعتزاز بريادة تقنية تبرر ما يتبقى من فارق السعر عن المنتوجات العمومية التوجه. عندها يصل المنتج الى مستهلك مستعد لدفع ثمنه أغلى من العمومي بقليل، والأهم من ذلك، تحظى ماركة المنتج بثقة بناها المستهلك خلال عقود وعقود من التجارب المتكررة أو التي سمع عنها من سواه. وهنا أيضاً سيرضى حملة الأسهم. هل في أي من السياستين عيب؟ طبعاً لا. لكن السياسة الثانية وحدها قادرة على تفسير بريق الإعجاب الإضافي الذي ستجده في عيون المستهلك عند سماعه: "صُنعَ في ألمانيا". ليست لدى الألمان أسرار، بل لدى زبائنهم نتاج عقود وعقود من المنتوجات التي إحتُرِمَت منذ ما قبل إنتاجها، وقبل إسعاد زبائنها بعبارات التسويق الطبيعية. ماذا أعاد ألمانيا الى صدارة الدول الأوروبية التي هزمتها قبل خمسة عقود، الصدفة أو منهجية التفكير وجدّية التنفيذ؟ هذا لا يعني أن الألمان وحدهم يحترمون زبائنهم بل قد يحترمون تحديداً نظرتهم الى مستوى منتوجاتهم في الأساس. فسيارات كثيرة أخرى أوروبية، أو أميركية ويابانية وكورية تُسعد مالكيها بخدمة ومستويات جودة ممتازة التجانس مع أسعارها. كل ما في الأمر هو ذاك البريق المختلف في عيون المستهلك، أوروبياً كان أو أميركياً أو يابانياً أو شرق أوسطي وما عداه، عندما تُتاح له السيارة الألمانية. كم من المقالات "دفَنَت" صناعة السيارات الألمانية أوائل العقد الحالي، متأسفة على إصابتها بما سُمّيَ وقتها بال "مبالغة في هندستها" Over-engineered، معتبرة أن شروط البقاء لم تعد تقاس بالجودة الضمنية، بل بالجودة المرئية والملموسة، وخصوصاً، بربح يُطمئن حملة الأسهم كل ثلاثة أشهر؟ هل خسرت الصناعة الألمانية من تضخّم ال "مبالغة في هندستها"؟ بورشه على الرغم من صغر حجمها بين العمالقة، لا تزال بورشه مستقلة ومبيعاتها في أحسن أحوالها، إذ تخطى إنتاجها للسنة المالية التي إنتهت في 31 تموز يوليو الماضي، 45 ألف سيارة، بنمو 18 في المئة عن السنة المالية السابقة 38 ألف وحدة. وفي فرانكفورت عرضت بورشه فئتَيها الجديدتين "بوكستر إس" 252 حصاناً و"911 توربو" 420 حصاناً التي ستنزل السنة المقبلة، في إنتظار توسيع تشكيلتها بموديل الجيب الرباعي الدفع المطوّر شراكة مع فولكسفاغن، والذي سيُنتج في براتسيلافا في سلوفاكيا، قبل تجميع بورشه وحداتها 20 ألف وحدة/سنة مبدئياً في مصنع جديد في لايبزيغ، على أن يبدأ الإنتاج أواخر 2001 والتسويق في 2002 تنوي فولكسفاغن إنتاج 80 ألف وحدة لها. بي إم ف لم توحِ عروض بي إم ف بأي "إرهاق" من إستمرار جهود إعادة تمتين روفر، بل بمتانة التصميم الذي قد ينقض هذه المرّة أيضاً أخبار ملل عائلة كوانت أصحاب 46 في المئة من مجموعة بي إم ف وإستعدادهم للبيع إن لم تتحسّن أسعار الأسهم في مهلة معيّنة. لذلك لم تكتفِ بي إم ف بعرض رودستر "زد 8" الذي سيُطلَق السنة المقبلة، بل دعمت صورتها بنموذج "زد 9 غران توريسمو" الجديد الذي يعتمد، مثل "زد 8"، بنية داخلية من الألومينيوم، لكن مع ألواح خارجية من ألياف الكربون التي قد لا تجد سبيلها الى الإنتاج الفعلي... إذا تقرر فعلاً إنتاج النموذج ذي البابين الفراشيين اللذين يفتحان الى أعلى، مع تضمّنهما بابين آخرين يفتحان بطريقة عادية في حال تعذّر فتح البابين علوياً بسبب ضيق المساحة، وخصوصاً بمحرّك توربو ديزل يشير الى عزم الألمان هذه المرّة على إيصال نُبل التقدم التقني للديزل الى أرقى مستويات الرياضية لا الفخامة فحسب. وكان هناك طبعاً "إكس 5" الرباعي الدفع الذي سيُطل أيضاً أوائل السنة المقبلة، ليفتح أمام المجموعة الألمانية باباً جديداً يتكامل مع عروضها من موديلات لاند روفر، من دون أن تتآكل تلك العروض بالضرورة. ديملركرايسلر حدّث عن النجاح بلا حرج لدى ديملركرايسلر. فالموضوع لا يتوقّف عند نموذج رودستر "سي إل آر" المشتق عن كوبيه "سي إل آر" 557 حصاناً من 8 أسطوانات V الذي سيُنتج لدى ماكلارن في إنكلترا، لمنافسة ماركات فيراري ولامبورغيني في أعلى القطاعات الرياضية، وفي خط موازٍ لتقدّم مايباخ المقبلة في 2003 لمنافسة ماركات مثل رولز رويس ستنتقل من فولكسفاغن الى بي إم ف في 2003 وبوغاتي تابعة لفولكسفاغن. ومن الناحية المالية للشركة التي نعاها بعضهم أوائل التسعينات تحت إسم مرسيدس-بنز آنذاك، ضمن مجموعة ديملر-بنز السابقة، بسبب "مبالغتها في هندسة" وجودة منتوجاتها Over-engineered، رفعَت ديملركرايسلر كما تُعرَف منذ ضمّها لكرايسلر كوربورايشن الخريف الماضي توقّعاتها بنمو إيراداتها للسنة الحالية من 140 الى 146 بليون يورو 151 بليون دولار، مع تجاوز مرسيدس-بنز وحدها عتبة إنتاج ال950 ألف وحدة. وفي المناسبة ذاتها، أعلنت المجموعة أنها ستُطلِق 64 موديلاً جديداً قبل حلول العام 2004، وستستثمر 46 بليون يورو 48 بليون دولار في التطوير والأبحاث خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع تأكيد بقاء قواعد موديلات مرسيدس-بنز مختلفة ومستقلة تماماً عن قواعد موديلات الماركات الأخرى في المجموعة. ومن جناحها الأميركي عرضت ديملركرايسلر نموذج "جافا" الذي ستسوّق صيغته الإنتاجية في 2003، في قطاع السيارات المتوسطة-الصغيرة C segment. أي فولكسفاغن؟ بعضهم يهوى جمع الطوابع، وبعض آخر يهوى، مثل فردينان بيش، رئيس مجموعة فولكسفاغن، جمع الماركات: فولكسفاغن وآودي وسيات وسكودا ولامبورغيني وبوغاتي وبينتلي ورولز رويس الأخيرة حتى نهاية 2002. لكن أبرز ما عرضته المجموعة كان نموذج "دي 1" الذي ستنتقل معه فولكسفاغن من مضمونها الإسمي سيارة الشعب بالألمانية، الى آخر مختلف تماماً لتنافس موديلات قطاع السيارات الفخمة العليا، لا أكثر ولا أقل. وهل "إس كلاس" والفئة "7" وكاديلاك ولنكولن تعصى على بيش؟ أليست لدى فولكسفاغن خبرة كافية في هذا القطاع من موديل آودي "آي 8"؟ ستُنتج فخمة فولكسفاغن العليا في مصنع جديد في درسدن، ليبدأ تسويقها أواخر السنة المقبلة، مع توافرها بمحرّكات تتدرّج من 8 الى 12 أسطوانة. وكأن دنيا أكبر مجموعات أوروبا إنقلبت رأساً على عقب، تناظر أفخم عروض ماركة فولكسفاغن الشعبية حتى أمس قريب، مع أصغر عروض ماركة آودي، أفخم ماركات المجموعة أيضاً حتى أمس قريب! فقد عرضت آودي موديل "آي 2" الصغير طوله 82.3 متر المصنوع من الألومينيوم داخلياً وخارجياً، والذي سيتضمّن عند بدء تسويقه قريباً وسادات هوائية مواجهة ومجانبة في المقدّم حتى في تجهيزه الأساسي. أما أعلى مستويات صناعة السيارات فقد خصّته فولكسفاغن بنموذج بوغاتي "18/3 شيرون" ذي محرّك ال18 أسطوانة W 555 حصاناً، ويجمع ثلاثة محرّكات كل منها بست أسطوانات الذي يُلقي ضوءاً إضافياً على طموحات المجموعة الألمانية للسنوات القليلة المقبلة. ويُذكر أن إنتاج ألمانيا من السيارات السياحية والخدماتية نما في الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية 7.3 مليون وحدة 3 في المئة عن الفترة ذاتها من 1998، بينما نمت صادراتها في الفترة ذاتها سبعة في المئة 35.2 مليون وحدة. عروض أخرى لدى الأوروبيين الآخرين برز لدى الفرنسيين موديل "607" الذي ستوجهه بيجو السنة المقبلة الى قطاع السيارات الكبيرة E segment المصنّفة "تنفيذية" Executive، أي في منافسة موديلات مثل جاغوار "إس تايب" ولنكولن "إل إس" وأوبل "أوميغا" وساب "5-9" وفولفو "إس 80" وبي إم ف فئة "5" ومرسيدس-بنز "إي" وغيرها. وكانت مجموعة بي إس أ بيجو وسيتروان أعلنت نمو ربحها الصافي في الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية الى 543 مليون يورو، مقارنة ب 339 مليون يورو في الفترة ذاتها من 1998 نمو 60 في المئة. كذلك تدرس المجموعة الفرنسية أيضاً مع ديملركرايسلر إمكانات التعاون لإنتاج موديل جديد لماركة سمارت، على أن يتسع لأربعة ركاب. وكانت سمارت شكّلت حتى الآن خيبة أمل للمجموعة الألمانية لعدم إنتاج أكثر من 43 ألف وحدة في سنتها الإنتاجية الأولى، مقارنة بتوقعات 140 ألف وحدة. وستطلق سمارت فئة "سيتي كابريو" الربيع المقبل بسقف قابل للكشف، علماً بأن عرض نموذج سمارت رودستر أيضاً أوحى بتطوّر قد يضيف بعداً رياضياً فتياً الى الصورة المدينية التي طغت على سيارات سمارت حتى الآن. لدى رينو أطلّ نموذج "أفانتايم" Avantime الذي ستطلقه الماركة الفرنسية السنة المقبلة لشق قطاع جديد يجمع بعض مواصفات المينيفان هيكلياً، مع بابَي كوبيه ومواصفات سيارة فخمة تتسع أساسياً لأربعة ركاب.