بع نيويورك ولندن وميلانو، قدّمت باريس نحو ستة آلاف قطعة من الأزياء الجاهزة لشتاء العام الفين من خلال 200 عرض او جلسة عمل، واستقبلت على مدى أسبوع ألفي صحافي و400 مصوّر فوتوغرافي من 47 بلداً، وألف مشترٍ. وحمل موسم هذه السنة مفاجآت عدة، خصوصاً مع الأسماء الجديدة التي دخلت الدور الشهيرة وبدأت تصمّم الثياب لتؤمن الإنتقال من الالفية الثانية الى الثالثة، وتؤمن، بالدرجة الأولى، بقاء واستمرار توقيعات خُلقت منذ أربعين سنة. فبعد جون غاليانو عند ديور والكساندر ماكوين عند جيفنشي وستيلا ماكارتني عند كلوي، قدّم ألبير الباز ازياءه عند سان لوران وجيل دوفور عند بالمان وناتالي جرفيس عند ريتشي... حاول المصمّم الأميركي البير الباز ان يحافظ على أناقة ودقّة خطوط ايف سان لوران خصوصاً في "الانسامبل" الذي يجمع البنطلون والسترة، والذي أصبح، مع الوقت ميزة أزياء سان لوران الجاهزة، ولكنه أدخل الألوان الساطعة وجمع بين الزهري والبرتقالي بطريقة ناجحة في التنانير والكنزات، وركّز على الفساتين الخفيفة والبسيطة المصنوعة من الساتان والكريب، إضافة الى الكنزات السوداء المزركشة بالشّذر والبرق. أما ستيلا ماكارتني، ابنة مغنّي ال"بيتلز" السابق بول ماكارتني، فقدّمت أزياء تمزج بين القديم والجديد ولقيت إعجاب صديقة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، كاميلا باركر باولز، التي علّقت على العرض، في نهايته، بكلمة واحدة: "رائع". وركّزت ستيلا على بنطلونات الجينز المطرّزة بالحرير وعلى القمصان المقصوصة في الدانتيل القديم من جهة، ومن جهة اخرى على تنانير البرق والترتر مع سترات التويد وحقائب يد الجدّة المطرّزة باللؤلؤ الصغير والزركشات المختلفة، وكأن كل شيء بات مسموحاً في القرن الواحد والعشرين. وابتكر البريطاني الكساندر ماكوين أزياء "مستقبلية" لحساب دار جيفنشي، مستوحياً من الفضاء وعلم التحكّم، فساتين مزيّنة برموز الكومبيوتر، وبزّات فلكية بيضاء تقطعها خطوط سوداء أو حمراء، وسترات مصنوعة من البلاستيك ومخصّرات مصنوعة من زجاج الوقاية! وقدم البريطاني الثالث في هذا العالم الباريسي، جون غاليانو، أمام 250 مدعوّا فقط في صالونات دار ديور كنزات جميلة مريحة من الصوف والموهير، وتايورات تذكّر بأزياء الثلاثينات مطرّزة بالدانتيل، وابتكر للمساء فساتين فاخرة ذات الوان وهّاجة: أحمر، أزرق، أخضر... وكان عدد كبير من المصمّين اختاروا اللون الأخضر لشتاء العام 2000 مثل كريسيان لاكروا وهرميس وايسي مياكي، وحتى يوشي يماموتو الذي يعمل منذ سنوات طويلة بلونين اساسيين، الأبيض والأسود. كما لقيت مادة الجلد مكانا واسعا في ثياب كبار المصّمين، من شانيل الى لاكروا مرورا بسان لوران، في حين يبدو أن المنتصر الأكيد في أزياء الشتاء المقبل هو الطويل. والى جانب المصمّمين الكبار، جاء الشباب بعروض مثيرة، وكانت "غرفة نقابة الموضة الفرنسية" أعطتهم فرصة فريدة هذا الموسم، إذ أجّرتهم صالة في "كاروسيل دو لوفر" حيث تجري العروض عامة، بثمن 30 ألف فرنك فرنسي فقط، عوضاً عن 110 آلاف الى 160 ألف فرنك، بشرط اختيارهم ساعات غير مطموع فيها وتجميع بعضهم في عروض مشتركة. ويصمم هؤلاء الشباب تشكيلاتهم من دون دعم مموّلين، ويعوّضون عن ذلك بنفحة من الإبداع والمهارة. ومن بينهم، جيروم دريفوس وهو في الثالثة والعشرين من عمره وكان سبق له أن عرف نجاحاً اعلامياً لافتاً، وقدّم تشكيلته تحت إسم "جيروم دريفوس... أزياء تُرتدى" لإبراز اختلافه عن "مشاهير" دور الأزياء، وعرضت ناعومي كامبل نموذجين من تصاميمه، وتوالت موديلاته، على وقع موسيقى الديسكو، من فساتين قصيرة لاصقة تبرز القامة، وكنزات مطّرزة تنسجم مع بنطلونات سوداء، وقمصان مشدودة على الخصر مزخرفة بالألوان وتلبس مع تنورة طويلة من الكريب. أما ستيلا كاديني فتبرز في أزيائها رومانسيتها، وفي كل موسم تركز على قصة. وتطل قصة شتاء 2000 على ملكة الثلج وساحرات طيّبات أو سيئات في كنزات من الصوف الناعم وتنانير وشالات قصيرة من ريش الديك الملون. ومن جهته، وجد المصمّم الاسكتلندي الشاب ديفيد بيرفس خطّه من خلال صناعة ملابس من قماش واحد ولون واحد هو الأسود. والمادة التي يستخدمها مدهشة، مظهرها لامع، تقي من السوائل والبقع والجراثيم، وتحافظ على الحرارة نفسها لجسم مرتديها إن كان الطقس باردا أم حارا.