هل يمكن أن تحقق الهجمات الجوية لحلف شمال الأطلسي ناتو على القوات الصربية في كوسوفو الغاية المنشودة منها؟ وما هو رأي الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين الغربيين وتقويمهم لمدى نجاح خطة "ناتو" في تحقيق الهدف السياسي من ورائها، في ضوء ميزان القوى العسكرية المتقابلة؟ لقد اتفق الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وزعماء آخرون لدول "ناتو" على ضرورة وقف الاعتداءات الصربية على المدنيين الألبانيي الأصل الذين هم غالبية سكان كوسوفو وذلك بعد فشل المبعوث الأميركي ريتشارد هولبروك في إقناع الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش بقبول خطة السلام التي قبل بها الألبان. قال الرئيس كلينتون أول من أمس: "إن حلف شمال الأطلسي متحد ومستعد لتنفيذ تحذيره. إذا كان الرئيس ميلوشيفيتش غير مستعد لقبول السلام، فإننا مستعدون للحد من قدرته على شن الحرب على أهالي كوسوفو". وقال بلير: "إن هدف الضربات الجوية هو وقف القوات الصربية عما تمارسه من اضطهاد عنيف في كوسوفو يشرد الآلاف من منازلهم. إن العمل وحده هو الذي يمكن أن يؤدي إلى تجنب كارثة إنسانية". قال مراسل صحيفة "ذي تايمز" البريطانية في واشنطن إن قادة حلف شمال الأطلسي ناتو أعدوا خطة ذات ثلاث مراحل لتدمير قدرة صربيا على شن حرب في كوسوفو. وتقضي المرحلة الأولى بقصف مكثف لشبكة الصواريخ والمدفعية الصربية بصواريخ كروز من نوع "توماهوك" الموجهة بالأقمار الاصطناعية، ويحمل كل منها رأساً زنته ألف رطل من المتفجرات ويجري اطلاقها من سفن حربية وغواصات أميركية والغواصة الأميركية "سبلندد". وتشارك في هذه المرحلة الأولى أيضاً القاذفات "بي - 52" الثقيلة المرابطة في بريطانيا والمجهزة بصواريخ كروز لها رؤوس حربية زنتها ألفي رطل من المتفجرات. وقد تستخدم الطائرات النفاثة ل "ناتو" لإبطاء حركة الوحدات الصربية العاملة داخل كوسوفو. وتدعو الخطة بعدئذ إلى "فترة تنفس" لاعطاء الرئيس ميلوشيفيتش فرصة لوقف حملة الجيش اليوغوسلافي وقبول خطة السلام القاضية بمنح كوسوفو حكماً ذاتياً محدوداً. وإذا رفض التزحزح، فستشن المرحلة الثانية من الهجوم التي ستكون حملة أوسع نطاقاً وأطول مدة وتشمل ضرب 300 هدف تشكل البنية التحتية العسكرية الصربية في كوسوفو ومحيطها. أما المرحلة الثالثة من الخطة، فتأتي بعد النجاح المفترض للمرحلتين السابقتين، وهي تدعو - مع استعداد الرئيس ميلوشيفيتش لقبول التسوية وبعد أن تفقد آلته العسكرية القدرة على الانتقام أو الاضطهاد - إلى ارسال قوة من "ناتو" للمحافظة على السلام في كوسوفو قوامها 28 ألف عسكري. ولكن خطة "ناتو" تعتمد كلياً على الضربات الصاروخية والغارات الجوية وتستبعد مشاركة قوات برية من "ناتو" في الهجمات. وقد عبرّ محللون عسكريون عن شكوكهم بشأن الاستراتيجية الكامنة وراء خطة "ناتو". ونقلت صحيفة "ذي غارديان" عن مصدر قريب من المخططين في وزارة الدفاع البريطانية قوله إن "الضربات الجوية في هذا الوضع هي سلاح سياسي، لكنها لن توقف الصرب عن قتل الألبان في كوسوفو، ولن توفر حلاً عسكرياً". والسؤال المطروح في الدوائر العسكرية هو: ماذا بعد هذه الضربات؟ وتقول "ذي غارديان" إن القادة العسكريين المعتادين على التخطيط للحملات العسكرية من بداية الاستراتيجية المعتمدة إلى نهايتها قال لهم رؤساؤهم السياسيون ألا يسألوا عما سيحدث بعد الضربات الجوية. ويقول الجنرال السير مايكل روز، القائد السابق البريطاني لقوات الأممالمتحدة في البوسنة: "في الوقت الحاضر أشك في ما إذا كان القصف سيحقق الهدف المطلوب. لا يمكن تحقيقه إلا بمقارعة جيش على الأرض". وحذر الجنرال السير مايكل من "خطر كبير" ينذر بأن عملاً حربياً من "ناتو" ضد صربيا سينتشر إلى البوسنة وربما مقدونيا. وحذر قادة عسكريون بريطانيون من الخطر المحتمل على القوات البريطانية المرابطة هناك. ونقلت "ذي غارديان" عن جين شارب، وهي باحثة زميلة في مركز دراسات الدفاع في كلية كنغز بجامعة لندن، قولها: "إذا كان الهدف هو حماية الألبان من الاضطهاد، فإن الحاجة تدعو إلى وجود قوات على الأرض". وذكرت الصحيفة ان قادة "ناتو" حذروا الزعماء السياسيين من أن الدفاعات الجوية اليوغوسلافية تشكل "تهديداً خطيراً" لطياري الحلف بالنظر إلى كون الصواريخ اليوغوسلافية أرض - جو يمكن تحريكها ونقلها من أماكنها بسرعة عالية، وبسبب امتلاك يوغوسلافيا مدافع متطورة مضادة للطائرات وكون كميات كبيرة من أسلحتها مخبأة في مخازن حصينة. يضاف إلى هذه قدرة يوغوسلافيا على توجيه ضربات انتقامية لقوات الأطلسي في البوسنة ومقدونيا، وهي القوات التي تنتظر للتحرك إلى كوسوفو موافقة الرئيس ميلوشيفيتش على خطة السلام المقترحة.