اجتمع المجلس التشريعي الفلسطيني في مقره في غزة يوم الاحد في السابع من هذا الشهر بكامل اعضائه الثمانية والثمانين، بادئاً بذلك دورة جديدة من دورات اعماله. واعاد انتخاب احمد قريع ابو علاء رئيساً له. ويفترض ان تمتد مدة الدورة الجديدة للمجلس حتى آذار مارس من العام الفين. اما استحقاق انتهاء المرحلة الانتقالية في الرابع من ايار مايو المقبل، اي بعد اقل من شهرين، فان رئيس المجلس اعتبر امر البت به متروكاً ل "القيادة الفلسطينية" مغيباً مرة اخرى المجلس التشريعي عن احدى اهم القضايا الفلسطينية. وعلامات غياب المجلس التشريعي عن مسرح الاحداث الفلسطينية، وعجزه عن لعب اي دور مقرر في حياة المواطنين الفلسطينيين الذين انتخبوه في كانون الثاني يناير من العام 1996 كثيرة ويصعب على المرء احصاؤها. اذ فشل المجلس في مهمته الرئيسية المتمثلة في فرض الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية التي يترأسها ياسر عرفات، وفي مساءلتها ومحاسبتها هيئة وأفراداً على حسن ادائها والقيام بواجباتها. وحتى عندما صدر تقرير الهيئة العامة للرقابة عن اعمال مجلس وزراء السلطة السلطة التنفيذية متضمناً فضائح الفساد ونهب المال العام واهداره، عجز المجلس عن محاسبة اي من الوزراء المعنيين، على رغم انه شكّل لجنة تحقيق نيابية للتدقيق في صحة تقرير هيئة الرقابة. والطريف ان اللجنة البرلمانية كشفت ان هيئة الرقابة لم تَغُصْ كما يجب في ثنايا ملفات الفساد في اروقة السلطة، لذا جاء تقرير اللجنة البرلمانية يحمل المزيد من فضائح الفساد بالاسماء وبالارقام ويدعو لمحاسبة المتورطين ومحاكمتهم. ولا تقف مأساة المجلس التشريعي عند حدود فشله في محاسبة الوزراء المعنيين، وفي منع رئيس السلطة الفلسطينية من اعادتهم الى مناصبهم الوزارية في التشكيل الجديد للوزارة الفلسطينية منتصف العام الماضي، بل ان رئيس لجنة الرقابة البرلمانية نفسه، الذي وقّع بقلمه تقرير كشف الفساد، والمطالبة بالمحاسبة، رضي ان يعين وزيراً في تشكيلة سبق له ان اقرّ ان معظم اعضائها هم من المتورطين في قضايا الفساد والهدر المالي. كما فشل المجلس في الزام السلطة الفلسطينية الاستجابة لتوصياته وقوانينه وقراراته التي يتوّج بها مناقشاته لقضايا المجتمع الفلسطيني. ولعل آخرها مسألة المعتقلين السياسيين في سجون السلطة. فقد دعا المجلس الى اطلاق سراحهم فوراً خصوصاً انهم كلهم موقوفون من دون تهمة توجه اليهم، وبالتالي يعتبر اعتقالهم عملاً غير شرعي. ويبدو ان هيبة المجلس في نفوس الناس تدهورت كثيراً، وكلنا يذكر كيف تعرض اعضاء في المجلس - لهم احترامهم في الشارع - لاهانات وضرب على ايدي عناصر في الامن الوقائي بقيادة جبريل الرجوب من دون ان يُحاسب الفاعلون عن فعلتهم ودون ان يُساءل رئيس الجهاز على ما ارتكبت عناصر جهازه من تعديات على من يعتبرون أنفسهم نواب الشعب ويتمتعون بالحصانة النيابية - كما هو مفترض - وعلى غرار ما يجري في باقي الانظمة البرلمانية والرئاسية على السواء. ورئيس الجهاز بدل ان يقف في قفص الاتهام، وجد الجرأة ليوزع شتائمه على اعضاء المجلس مهدداً ان في حوزة جهازه ملفاً لكل من اعضاء المجلس وانه على استعداد لفتح هذه الملفات في كل حين. سُقنا هذه المقدمة المطوّلة على حال المجلس التشريعي لنخلص الى التأكيد ان لا نعول على هذه الهيئة ان تتولى مسؤولية اعلان قيام الدولة ذات السيادة في الرابع من ايار مايو المقبل. وموقفنا هذا مردّه اولاً ادراكنا ان المجلس عاجز عن القيام بهذه المهمة. وثانياً لان مثل هذه المهمة هي من صلاحيات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وليست من صلاحيات سلطات وهيئات سقفها القانوني هو اتفاق اوسلو. لذا - وفي السياق - من المفترض ان تنتهي ولاية المجلس التشريعي، وبموجب اتفاق اوسلو يوم الرابع من ايار المقبل، لأن صلاحياته القانونية مرهونة بالمرحلة الانتقالية التي تنتهي في الموعد المذكور آنفاً. الملاحظ ان المجلس افتتح دورة جديدة من دورات اعماله بإعادة انتخاب احمد قريع ابو علاء رئيساً له من دون ان يشير الى موعد انتهاء ولايته. وهو، بحسب هذا الاجراء، يكون، كما اوضحنا، وضع لولايته سقفاً زمنياً ينتهي في آذار مارس من العام المقبل، وفي هذه الخطوة مخالفة صريحة وفاضحة لاتفاق اوسلو. وهي مخالفة، بطبيعة الحال، لمصلحة الاحتلال الاسرائيلي. اذ في تمديد المرحلة الانتقالية تمديد للاحتلال، وتحويل المرحلة الانتقالية الى مرحلة نهائية، اذ ما الفرق بين مرحلة نهائية متعارف على انها كذلك، وبين مرحلة مسماة انتقالية، لكنها في حقيقة الامر مفتوحة ولا سقفاً زمنياً يحدّها. نتفق من حيث الشكل مع ابو علاء في قوله ان البتّ بالمرحلة الانتقالية وبمصير المجلس هو من صلاحية القيادة الفلسطينية، لكن هذا لا يعفي المجلس من ان يقول كلمته، وبالتالي من ان يتبنى قراراً يعلن فيه انتهاء ولايته القانونية يوم 4/5/1999، واضعاً بذلك جميع الاطراف امام مسؤولياتهم، وفي محاولة منه لقطع الطريق على من يرغب في تمديد المرحلة الانتقالية بخطوة ستُسجل له يتوّج اعماله ويمحو الكثير من اخطائه. ولا نستطيع في المقابل، ان نتجاهل موقف رئاسة السلطة الفلسطينية التي كما يبدو، تعمّدت ابقاء الموقف يلفه الغموض، املاً منها في استحضار المزيد من العروض من واشنطن والعواصم الغربية، تقايض بها قرارها بشأن نهاية المرحلة الانتقالية. والمدة التي تفصلنا عن موعد الاستحقاق هي اقل من شهرين، وعلى السلطة ان تحزم امرها وان تستجيب للارادة الشعبية التي اكدت تمسكها بموعد الاستحقاق للخلاص من اتفاق ثبت للمرة المليون عجزه عن تلبية الحد الادنى من حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه. أقل من شهرين على استحقاق المرحلة الانتقالية… وهي فترة قصيرة نسبياً نظراً لحجم القضايا الواجب حلّها لمواجهة ما سيستجد. * كاتب فلسطيني.