هل كان المجلس الدستوري الجزائري مضطراً حقاً لرفض أربعة مرشحين إلى الرئاسة؟ هذا يفترض أن كل شيء في الجزائر دستوري مئة في المئة، أي لا غبار على دستوريته، وبالتالي فإن هذه الترشيحات الأربعة أخلّت بالشروط فكان لا بد من تحكيم الدستور في شأنها. لم تكن هذه الانتخابات بحاجة إلى ما يزيد التشكيك فيها حتى قبل اجرائها، وإنما كانت ولا تزال في أشد الحاجة إلى ما يمدها بأقل جرعة مصداقية ممكنة. لماذا؟ لأن المطلوب من هذه الانتخابات هو أن تزيل علامات الاستفهام الكثيرة التي رسمتها الاستقالة المبكرة للرئيس الحالي اليمين زروال. كذلك يطلب منها أن تشكل انطلاقة جديدة ومختلفة للحكم، أما إذا كان الرئيس المقبل سيوضع تحت القيود والاكراهات ذاتها فهذا يعني ان آليات الحكم وأساليبه غير مرشحة لأي تغيير، بل لعل القصد هو ترسيخ "وضع اليد" العسكري عليها بدل التمهيد لدور محدود للعسكر، وفقاً للتمني الذي ينقله بعض المصادر عنهم مع تأكيد انهم "تعبوا" من الاضطرار للتدخل وحتى لتعريض أنفسهم إلى الواجهة والأضواء وما يرافقها من أضواء وانتقادات، ومن تحميلهم مسؤوليات لا يرغبون فيها بل لا يحبذون أن تنسب إليهم. قبل البحث في "دستورية" رفض الترشيحات، يصح التساؤل عما إذا كانت مبررات الرفض وشروط الترشيح دستورية أصلاً. ومجرد وجود شك، بل مجرد التظلم من الرفض، أو قبوله بمرارة، يعني ان القرار سياسي أكثر مما هو قانوني. كيف يمكن ان يترشح الشيخ محفوظ نحناح - دستورياً - للرئاسة في انتخابات 1995 ويحصل على 25 في المئة من أصوات المشاركين في الاقتراع، ثم يصبح ترشيحه غير دستوري في 1999؟ بالطبع هناك إجابة، بل اجابات، تتذرع جدلاً فقهياً - دستورياً حول تعديلات ادخلت إلى الدستور عام 96. ولكن، بعيداً عن أي جدل، ومع أخذ الخصوصيات الجزائرية في الاعتبار، لم يعد يؤخذ أي رفض لأي ترشيح في أي مكان في العالم إلا على أنه سياسي، بمعنى كيدي محكوم بأغراض لا علاقة لها بالاقتراع. فأي مرشح في أي مكان يمكن أن يرفض إذا كان معروفاً بعدم احترامه القانون والنظام أو بكونه مخلاً بالأمن ومرتكباً جرائم. وما يقال في شأن نحناح يسري أيضاً على رئيس الحكومة السابق سيد أحمد غزالي، كذلك على نورالدين بوكروح ولويزة حنون. ومن حق العسكر ان يقولوا ان لا شأن لهم بقرارات المجلس الدستوري، لكن اللافت ان قرارات هذا المجلس تذهب في اتجاه يريده العسكر الذين يسعون إلى انتخابات تحت السيطرة، وإلى الحد من تفتيت الأصوات وتوزعها. وهم يعملون لحصر المعركة في الدورة الثانية بين عبدالعزيز بوتفليقة وأحمد طالب الإبراهيمي، وليس مستبعداً ان يرتبوا انسحاب اثنين أو ثلاثة من المرشحين المقبولين إلا إذا ضمنوا ان استمرارهم لن يعقد الحسابات. اعتبرت "حركة مجتمع السلم" ان رفض ترشيح زعيمها نحناح استمرار ل "منطق التزوير المسبق" للانتخابات. والواقع ان العسكر يخشون ان تتكرر تجربة انتخابات 1991 بشكل أو بآخر، وبالتالي فإنهم يفضلون التدخل الهادئ والمموّه الآن على أن يتدخلوا لاحقاً بفظاظة، خصوصاً أنهم يحاولون منذ سبع سنوات أن يغيروا مزاج البلد، وهو تغيّر فعلاً، لكنهم غير متأكدين من الطريقة التي يمكن أن يعبُر بها الشعب عن تغيره. لذلك يلح السؤال: ... والعسكر هل تغيروا بدورهم بفعل المأساة الوطنية التي عاشتها الجزائر طوال هذه السنوات