رفض الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي يقوم حالياً بزيارة لمصر، اتهام القاهرة ب "الانتهازية" ومحاولة "قطف ثمار حل أزمة لوكربي الذي تحقق عبر وساطة" السعودية وجنوب افريقيا. وقال ان مصر بذلت جهوداً كثيفة لحل الازمة "لكنها لم تجد آذاناً صاغية من الاميركيين والبريطانيين". وعزا ذلك الى وجود بعض الخلافات بين واشنطنوالقاهرة بخصوص ملفات العراق وعملية السلام وليبيا. ولمح القذافي، في لقائه امس بمثقفين مصريين ورؤساء تحرير صحف محلّية، الى ان حل قضية لوكربي "أصبح وشيكاً"، يبقى "بعض الامور البسيطة المتعلقة بالضمانات"، في إشارة الى تأكيده الموافقة على تسليم الليبيين المشتبه في ضلوعهما بتفجير الطائرة الأميركية فوق لوكربي عام 1988، للمحاكمة في هولندا امام محكمة اسكتلندية. وتابع الزعيم الليبي الذي ارتدى زيّاً شعبياً عباءة وغطاء رأس، ان رئيس جنوب افريقيا نلسون مانديلا "وجد آذاناً صاغية" لدى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الاميركي بيل كلينتون "لعلاقته المميزة معهما". وأضاف ان "هذا ليس انتقاصاً لدور مصر". ورفض منظمو لقاء القذافي مع المثقفين تغطية الصحافيين للقاء بحجة انه "فكري"، وان الزعيم الليبي سيعقد لقاء مع الصحافة اليوم. ونقل وزير الاعلام المصري السيد صفوت الشريف، عقب اللقاء الذي استمر نحو ساعتين، عن القذافي إشادته بدور مصر في الدفاع عن القضايا العربية خصوصا قضية لوكربي، وان الرئيس حسني مبارك "وقف الى جانب ليبيا" منذ اللحظة الاولى لانفجار الازمة عبر دعوته "الى حل سلمي يحفظ لليبيا حقوقها ومصالحها". واضاف ان "الافكار التي طرحها الرئيس مبارك لحل القضية تمثل الأسس التي يجري اليوم التفاوض حولها لوضع نهاية لقضية لوكربي". ونسب الى القذافي ان "القضية تسير في طريق الحل وان جميع الاطراف اتفقت على الاسس". وانتقد القذافي، خلال اللقاء الذي عقد في الخيمة التي نُصبت في قصر القبة مقر اقامته، الواقع العربي. وقال ان "استمرار هذا الوضع سيؤدي الى كارثة". وعزا توجهه الافريقي الى البحث عن "قاعدة صلبة" في مواجهة الواقع العربي. وتابع: "اذا كان العرب يريدون القومية فعليهم انشاء دولة عربية واحدة للتعامل مع عالم التكتلات ... كل القوميات لها دولة. هناك الطورانية في تركيا والكنفوشيسية في الصين والفارسية في ايران والبوذية في الهند. لكن العروبة بقيت مصطلحاً معلقاً في الهواء". وجدد عرض مشروعه لإنشاء "اتحاد عربي". وقال: "نحن معرّضون لخطر المشروع الاسرائيلي - الاميركي لتفتيت المنطقة، وقدمنا مشروعاً الى القمة العربية التي انعقدت في القاهرة في حزيران يونيو 1996، لكننا العرب ندفن رأسنا في التراب كالنعامة. وسأكون اول الموقعين على اقامة الدولة العربية الواحدة". واعتبر الحديث عن العروبة والقومية العربية نوعاً من "العنصرية" لم يعد مقبولاً عالمياً الآن. وقال: "الانتماء الحقيقي يجب ان يكون للارض الافريقية التي نحن جميعاً جزء منها، ومسموح بالتوجه العربي والقومية العربية اذا اقمنا الدولة العربية الموحدة التي تمثل كياناً ننتمي اليه جميعاً وليس كيانات صغيرة تتجذر عزلتها كل يوم بينما تردد هي كلمات كبيرة كالوحدة العربية والقومية العربية. العصر هو عصر عمل وتطبيق، لا عصر شعارات وعواطف". ودافع عن توجهه الافريقي ورفض وصفه ب "الحاكم" او "الرئيس". وقال: "لست حاكماً. فأنا قائد ثورة". وانتقد الحديث عن الوحدة الاقتصادية، قائلاً: "لدينا اتفاق منذ العام 1957 وآخر للدفاع العربي المشترك لكنهما لم ينفذا". وقال: "هذا شيء مشين: نحن نتحدث عن العروبة ولم نُقم الدولة العربية الواحدة ونمارس سياسة التمييز العنصري. فليس لدينا وجود سياسي يربط بين موريتانيا في أقصى الغرب والعراق في اقصى الشرق، ونقرأ عن القبض على صيادين مصريين دخلوا المياه الليبية من دون إذن، ونرى المواطنين العرب يقفون امام منافذ الجوازات العربية بجوازات سفر مختلفة". وتابع: "ضربنا الأميركان بسبب وقوفنا الى جانب الفلسطينيين، وهاجموا مصر بالعدوان الثلاثي ... علينا ان نقف على أرض صلبة نعمل من فوقها بعد ثلاثين عاماً من العواطف". ورفض مشاركون طروحات القذافي نحو الأفرقة وأبلغوه انه كان أحد المعبرين عن "ضمير الامة الحي". فرد عليهم: "انني احاول ان انقذ العروبة من مصير اسود، لإنقاذ أنفسنا من كارثة ستكون كالطوفان". وأضاف انه في حال خرجت ليبيا من المعادلة العربية "سيحدث انفصام حاد بين الشرق والغرب، ستجد مصر نفسها وحدها. فنحن على غربها والسودان في الجنوب، أما بقية حدودها ففي الشمال فهناك عدو دائم - الشر - هو اسرائيل، ونحن لا نرضى ان تكون مصر معزولة، ونكون اداة لتنفيذ المخطط الصهيوني في المنطقة ... هم يحاولون بلقنة مصر واعادة النظر في بلاد الشام ولبنان، وتقسيم العراق الى ثلاث دويلات ... والجسد عندما يضعف كما هو الحال العربي تنشط فيه الجراثيم وتفترسه ... واخشى الا يبقى من العروبة وبلادها الا الجزيرة العربية" التي قال انه يخشى ان يتم الاستيلاء عليها. وعن امكان الوحدة بين مصر وليبيا، قال: "الشعب الليبي جزء من الشعب المصري وعلاقات الدم والتواصل لم تتوقف والحركة مستمرة في الاتجاهين، وسمحنا لليبيين أن يحملوا اموالهم الى مصر لاستثمارها كيفما شاءوا". ولفت الى ان "المشكلة تكمن في ان ليبيا بلد طارد لقلة موارده، اما مصر فهي بلد جاذب للعرب". ودافع عن مشروع الرئيس المصري "توشكى" للخروج من الوادي الضيق. ووصفه بأنه "مهم للغاية" بالنسبة الى مصر. وقال "من يسمحون لأنفسهم بانتقاد هذا المشروع اقول لهم انتم لا تفكرون في المستقبل وحديثكم عن الكلفة العالية للمشروع يفتقد الجدية ... فهذا المشروع لا بديل عنه على غرار مشروع النهر العظيم في ليبيا الذي لا يجب النظر اليه أيضاً من منظور الكلفة ولكن بمنظور المستقبل".