حظيت السياحة دوماً باهتمام المستثمرين العرب في المغرب على امتداد العقود الماضية بحيث يمكن القول استناداً الى التجارب السابقة ان المستثمر العربي يفضل السياحة على سواها من القطاعات. وربما كان مرد ذلك ان الاستثمار السياحي يحمل في طياته اقل قدر من المخاطر المالية، ويحتاج الى ادارة توافرت للمستثمر العربي واكتسبها من خلال تجارب دولية عدة. كما ان تنوع المعطيات في المغرب تجعل الاستثمار السياحي يقترب من بيئة تكاد تكون متكاملة في عنصرها الجغرافي، كون المغرب بتنوعه يتوافر على بحار وجبال ووديان وصحراء وكأنه شبه قارة مصغرة على مرمى حجر من اوروبا. وهي بيئة مرغوبة للزائر العربي تمنحه ثنائية في المشاهد والعادات. وتدر السياحة العربية حالياً نحو 45 بليون دولار او ما يمثل 3 في المئة من اجمالي نشاط السياحة العالمية، ما يعني ان السائح العربي ينفق نحو عشرة في المئة من مجموع ما تنتجه السياحة الدولية وهو بالتالي سائح مطلوب ومرغوب خاصة في المناطق الدولية التي تستأثر في العادة ب 80 في المئة من انفاق السائح العربي. ونتيجة ذلك ظل جزء مهم من حملات الدعاية السياحية للمغرب يوجه اولاً الى الجمهور العربي ولمحاولة الاستجابة الى طلباته. وفطن المغرب لهذه الحقائق منذ عقود وشجع مستثمرين عرباً وشركات عربية عدة على اقامة مشاريع سياحية اختلفت في حصيلة تجاربها اذ واصل بعضها فيما اختفى الآخر لاسباب متنوعة. وكانت الكويت سبّاقة الى الاستثمار السياحي في المغرب في نهاية السبعينات من خلال مجموعة "سافير" التي توزعت فنادقها في عدد من مدن المغرب. لكن التجربة في بدايتها لم تكن في حجم الطموح واعتراها بعض الصعوبات، فرافقها تغيير في تركيبة رأس المال ماهيته تراجع المستثمر العربي لفائدة مستثمرين محليين بعد ان فضلت صناديق الاستثمار الكويتية تركيز نشاطها في اسبانيا التي ظلت تستهوي السائح العربي لتراثها الاندلسي. استثمار اماراتي وفي نهاية الثمانينات دخلت الامارات العربية المتحدة بقوة الى سوق الاستثمارات السياحية في المغرب عبر مجموعة "سوميد" الاماراتية - المغربية المشتركة التي انشئت عام 1983 لدعم التعاون الثنائي بين البلدين وتشجيع القطاع الخاص على ولوج قطاعات واعدة في مجالات عدة من بينها قطاع الصيد البحري والمحافظ المالية والاتصالات. وقامت المجموعة باستثمار ضخم في مجال الفنادق من فئة خمسة نجوم فأقامت فندق "شيراتون الدار البيضاء" في منتصف الثمانينات وهو احد اجمل واضخم فنادق العاصمة الاقتصادية في المغرب. وتولى وزير الطاقة والثروة المعدنية الاسبق سعيد العتيبة الذي وطد علاقاته مع المسؤولين المحليين، قيادة الاستثمارات السياحية الاماراتية في المغرب من خلال شركة "لوا السياحية" وعبر تملك فنادق كانت تابعة لشركة "الخطوط المغربية" خاصة "قصر البديع" في مراكش، واخرى في فاس واغادير. وانضمت تلك الفنادق في ما بعد الى مجموعة "شيراتون" السياحية التي اهتمت منذ نشأتها بسياحة النخبة وسياحة المؤتمرات الدولية. والواقع ان نجاح الاستثمارات السياحية الاماراتية في المغرب اثار اهتمام جهات عربية عدة في تلك المرحلة لمساهمتها في حركة تدفق السياح العرب وللتفوق المالي للشركات الاماراتية. وهي شجعت مستثمرين آخرين على دخول سوق المغرب في التسعينات مع بدء برنامج تخصيص شركات القطاع العام التي تضم نحو 60 فندقاً من مختلف الفئات. وقامت مجموعة سعودية بشراء فندق "حياة ريجنسي" في الدار البيضاء منتصف التسعينات في صفقة قدرت بنحو 20 مليون دولار ضمن برنامج التخصيص المغربي. واعتبر الاستثمار وجهاً لتحول مهم في مسيرة السياحة العربية نحو المغرب بالنظر الى حجم الفندق ونشاطه في قلب الدار البيضاء. وكان موضوع فندق "حياة ريجنسي" انتقل الى مناقشات البرلمان عندما ادعى رجل اعمال مغربي اسمه ميلود الشعبي ان الحكومة فضلت عليه مستثمرين عرباً وانه كان قدم عروضاً "جيدة" لحيازة الفندق. وكان رد وزير التخصيص السابق عبدالرحمن السعيدي حاسماً في التأكيد على ان تشجيع الاستثمار السياحي العربي خيار مغربي وان المجموعة السعودية تنسجم في مشاريعها مع خطة الحكومة. ودفع الامر بميلود الشعبي الى الذهاب الى مصر للاستثمار هناك كردّ فعل على الموقف. وتقوم شركة "مالباطا" السعودية حالياً باستكمال بناء فندق من فئة خمس نجوم على مستوى راق جداً من العمارة في طنجة، يضم كازينو يطل على البحر الابيض المتوسط. وتقدر الكلفة الاجمالية للمشروع بنحو 83 مليون دولار. وكانت المجموعة السعودية اشترت فندق "مالباطا" ب 50 مليون دولار ضمن برنامج تخصيص قطاع السياحة والفنادق المغربية. وقال رئيس مجلس ادارة شركة "مالباطا انترناشيونال كوربريشن" عماد مهانة ان الفندق في حلّته المرتقبة يتكون من 228 غرفة و38 مكاناً للاقامة الخاصة وثلاث فلل فاخرة. ويشمل قصراً للمؤتمرات يستوعب الف شخص ما يجعل الفندق موجهاً كذلك لاحتضان التظاهرات والمؤتمرات الدولية. وسيوفر المشروع 700 فرصة عمل وسيكو جاهزاً في الربيع المقبل. وقال السيد عماد مهانة ان "طنجة تتمتع بشهرة عالمية خاصة في اوروبا والولايات المتحدة وهي تقع على مفترق بحار ومحيطات وقارات ما يجعل فندق "مالباطا" مرشحاً للاستفادة من شهرة المدينة دولياً". ومن الاستثمارات العربية المدرجة في الحقل السياحي مشروع آخر تعتزم شركة "ماجستيك هوتلز" السعودية المسجلة في لندن انجازه في منطقة الصخيراتجنوب العاصمة الرباط كلفته نحو 50 مليون دولار. وكان الشركة تملكت فندق "انفتريت" على المحيط الاطلسي في الصيف الماضي بقيمة خمسة ملايين دولار بنية تحويله الى مركب سياحي. وقال مدير عام الشركة السيد ميكايل هيل ان المشروع يشمل بناء فندق من فئة خمسة نجوم بسعة 200 غرفة وتشييد فلل فاخرة ومراكز تجارية ومسابح اضافة الى قصر للمؤتمرات بكلفة اجمالي قدرها نحو 55 مليون دولار. ومن جهته قال ممثل المساهمين السعوديين في الشركة السيد عثمان العمير ان المشروع "يحمل طموحاً حضارياً ويعزز روابط الشراكة المغربية - السعودية". ومن جهتها تنوي شركة "المملكة" السعودية القابضة، اقامة مشاريع سياحية في المغرب. وكان الامير الوليد بن طلال زار المغرب العام الماضي واجتمع بمسؤولين محليين واعرب عن النيّة لانجاز مشروع سياحي ضخم في المغرب لم يكشف النقاب عنه. وقالت مصادر من شركة المملكة القابضة ل "الحياة" ان المشاريع السياحية المرتقبة في المغرب تشمل ادارة وتسيير فنادق قائمة بالاستعانة بالتجربة الدولية ل "المملكة" اضافة الى مشاريع جديدة يجري درسها. 30 ألف سعودي ومن جهة اخرى ذكرت احصاءات وزارة السياحة المغربية للشهور الاحدى عشر الاولى من عام 1998 ان عدد السياح السعوديين زاد بنسبة 10 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 1997. وبلغ عددهم 30.5 ألف سائح وصلوا الى المغرب عبر الجو في الفترة التي سبقت شهر رمضان المبارك الشهور 11 الاولى من العام. واحتل السعوديون في 1998 المرتبة الاولى في قائمة زوار المغرب من منطقة الشرق الاوسط اذ وصل عددهم الى 43 الف سائح فيما احتل المصريون المرتبة الثانية بنحو عشرة آلاف سائح اي بزيادة كبيرة قياساً بالاعوام السابقة انسجاماً مع ارتفاع حركة المبادلات التجارية بين البلدين وزيادة عدد الرحلات الجوية التي تقوم بها كل من الخطوط المغربية وشركة مصر للطيران. ويمثل السعوديون احد اكثر فئات السياح انفاقاً في المغرب ويملك بعضهم مساكن في المدن المغربية. وقالت احصائيات وزارة السياحة ان عدد السياح السعوديين في المغرب يفوق السياح النمساويين 21 ألفاً والبرتغاليين 18.2 الف والايرلنديين 12.3 الف والروس 3.5 الف سائح. وكان نحو 30 ألف مغربي زار السعودية خلال شهر رمضان المبارك في 1998 لاداء مناسك العمرة.