كلما دقّ "كوز" الثوّار الافريقيين ب"جرّة" الحكم في بلادهم، كان للبنانيين المقيمين في تلك الدول التي وطأوها قبل قرن من الزمن، "حصة" كبيرة من المعاناة والتهجير والتخريب في ارزاقهم واملاكهم فيسعون خوفاً وهلعاً، هاربين وتاركين وراءهم "جنى العمر". وينتهي بهم مطاف الهرب المتكرر الى لبنان ليقصّوا روايتهم المتشابهة في تلك الدول التي طالما وجدوا فيها استقرارهم وفضّلوها على وطنهم الذي "لا يجدون فيه فرص عمل واستقراراً". واللبنانيون، في كل ثورة تقع في بلد افريقي، يدبّرون حالهم بحالهم ويحسدون الجاليات البريطانية والاميركية والفرنسية وغيرها التي ما ان "تشتم حكوماتها رائحة ثورة تفوح حتى ترسل طائرات لتجلوها في هدوء وسلام"، بينما يدفع اللبنانيون ومثلهم الهنود ثمن الثورة ارزاقاً ودماء وذلاً. وبالأمس، اندلعت الاحداث في سييراليون، بعدما شهدت قبل نحو عامين احداثاً مماثلة غادر على اثرها اللبنانيون ثم عادوا اليها عندما عاد الهدوء. لكن عدد ابناء الجالية اللبنانية في سييراليون راح يتناقص مع الاحداث المتتالية واصبح اخيراً نحو اربعة آلاف بعدما كان في الماضي يربو على العشرين ألفاً. وأوائل الشهر الماضي استيقظ الناس ليجدوا الثوار مسيطرين على معظم البلد وخصوصاً العاصمة فريتاون، وفيها منطقتان تجارية وسكنية، وكان دخول الثوار الاول الى المنطقة التجارية، على ما قال ل"الحياة" محمد خليل، من بلدة جويا الجنوبية. واضاف "المنطقة السكنية كانت آمنة نوعاً ما، اما المنطقة الأخرى، وفيها مساكن ايضاً، حيث يقيم لبنانيون كثر بجوار محالهم، فكانت الكارثة الحقيقية اذ تعرضوا للتعذيب والخطر والنهب والسلب ولم يترك المهاجمون لهم شيئاً وانقطعت اخبارهم نحو اسبوع وظلوا مقيمين من دون ماء او كهرباء او هاتف. وبعدما تدخّلت قوات حفظ السلام النيجيرية، استطاعوا المغادرة، سيراً الى النادي اللبناني ومنه الى مطار داخلي لتقلهم طوافة الى المطار الدولي ومنه الى كوناكري فبيروت، في سرعة من دون ان يحضروا اوراقهم ومستنداتهم. فكان مبتغاهم في تلك الاثناء انقاذ الروح ولا شيء سواها، خصوصاً بعدما قتل ثلاثة لبنانيين جنوبيين هم مصطفى امين خليل ويوسف حريري وعبدالله شبلي، اضافة الى الجرحى. وهناك مفقودان من آل حاوي لم يعرف عنهما شيء حتى الآن". وعلى رغم المعاناة يبدو محمد خليل عازماً العودة الى سييراليون، ومثله كثر، عندما تهدأ الامور لأن له ولدين باقيين هناك اضافة الى مصدر رزقه. والناجون معظمهم من الجنوب ويقيم بعضهم في منازلهم وبعضهم الآخر لدى اقارب لهم ولا يأملون من الحكومة اللبنانية بسوى تأمين الطبابة لهم، من خلال بطاقات صحية او سواها من التدابير، لان لا مال لديهم "لندفعه للمستشفى اذا مرض احد اطفالنا". ويقول احد الناجين من سييراليون امتنع عن ذكر اسمه "ليس لشيء بل كي لا يضرّني الامر عندما اعود"، في غضب شديد، "كأن المهاجرين اللبنانيين في افريقيا درجة ثالثة او رابعة، فالدولة لا تهتم بنا علماً اننا مساهمون في شكل كبير في بناء لبنان اضافة الى ما نقدمه هناك من تبرعات، واخيراً قدمت الجالية اللبنانية في فريتاون مبنى للسفارة اللبنانية بنحو مليوني دولار وعندما تقع المصيبة لا نرى احداً ونجلى على حساب أهل الجود". واوضح ان "نحو 2500 لبناني لايزالون هناك ومعظم المغادرين من الشيوخ والنساء والاطفال". ويسأل احد اعضاء لجنة طوارئ، ألّفها مغتربون لبنانيون جاءوا الى لبنان قبل الاحداث لمناسبة الاعياد، رفض ذكر اسمه "ما نفع وزارة المغتربين ولمَ أُسست؟ فمن فيها مغتربون اكثر من المغتربين ولا يقدمون شيئاً". واضاف "لم تدفع الوزارة ليرة واحدة لمساعدة اللبنانيين على العودة الى لبنان، علماً اننا زرنا رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سليم الحص، لهذه الغاية، وقالا: ولا يهمكم هاتوا لنا عدد اللبنانيين هناك ونرسل طائرة لاحضارهم". وتابع "لكن الوعود بقيت وعوداً وتبرع المغتربون والجالية في غينيا وحكومتها، وأمنّوا طائرة العودة". واضاف عاتباً "حين وصلت الطائرة ليل الاحد الماضي، منعنا من دخول المطار كلجنة، لملاقاتهم وتنطح مسؤولون في وزارة المغتربين ليظهروا مهتمين بالمغتربين، ويقولوا انهم دفعوا اموالاً وهم لم يدفعوا شيئاً، خصوصاً في الاحداث السابقة قبل عامين اذ قالوا انهم دفعوا مليون دولار، وهم لم يدفعوا شيئاً، في حين ان أميراً سعودياً انقذ الجالية اذ وضع ثلاث طائرات في تصرفها وهو صاحب الفضل بذلك وليس سواه". وسأل "لماذا تدفع الحكومة 400 ألف دولار سنوياً إيجار مبنى لوزارة المغتربين ولا تخصص تلك الاموال لحالات طوارئ مثل هذه؟". وختم ان "المغتربين لا يريدون العودة الى لبنان ويريدون البقاء في المغتربات حيث يجدون الاهتمام".