مشروع قانون تحريرالعراق الذي قدمه بالاصالة عن نفسه زعيم الغالبية الجمهوري السناتور لوت بالتضامن مع عدد من السناتورية هم كيري ومكين والسناتور ليبرمان وهلمز وشلبي وبراون باك وكيل، ويحمل الرقم 15 كونغرس2دي.مجلس.أس2525، ووقعه الرئيس الاميركي بيل كلينتون يتضمن7مواد تقتصر الاولى على اسم المشروع وهو"قانون تحرير العراق لسنة 1998". وتتضمن المادة الثانية 11 فقرة تعدد انتهاكات نظام صدام حسين في قضايا داخلية وخارجية. فالفقرة الاولى تشيرالى الحرب العراقية-الايرانية واستخدام النظام العراقي للاسلحة الكيمياوية والصواريخ البعيدة المدى وذات القدرة التدميرية ضد المدن الايرانية. وتشير الثانية الى قتل مابين 50 الى180 ألفاً من المدنيين الاكراد العراقيين في حملات الانفال في شباط فبراير 1988، بينما تشير الفقرة الثالثةالى استخدام النظام العراقي الاسلحة الكيمياوية ضد المدنيين الاكراد في حلبجة في 6 آذار مارس 1988 ومقتل 5 آلاف مواطن كردي. وتشير الفقرة الرابعة الى غزو النظام العراقي للكويت في2 آب اغسطس 1990 وقتله المدنيين وتفجيره آبار النفط في الكويت. وتشير الفقرة الخامسة الى قبول العراق شروط وقف اطلاق النارفي 28 شباط وشروط القرار687 في 3 نيسان ابريل 1991 وقبوله تدمير اسلحته الاستراتيجية تدميراً كاملاً. وتشير الفقرة السادسة الى محاولة النظام العراقي اغتيال الرئيس الاميركي السابق جورج بوش اثناء زيارته للكويت في نيسان 1993. وتذكر الفقرة السابعة تحريك النظام العراقي لأكثر من 80 الف جندي باتجاه حدود الكويت في تشرين الاول اكتوبر 1994. كما تشير الفقرة الثامنة الى اجتياح قوات صدام حسين لمدينة اربيل في 31 اب 1996. وتركز التاسعة على محاولات نظام صدام حسين منذ آذار 1996 عرقلة عمل لجان التفتيش والمراقبة الطويلة الامد وعرقلة اعمال "اونسكوم" واخفائه الوثائق الخاصة ببرامج التسليح وبعض التجهيزات. اماالمادة العاشرة فتذكر ان العراق اوقف التعاون مع اونسكوم منذ5 اب 1998وهدد بوقف عمليات المراقبة الطويلة الامد من قبل وكالة الطاقة الذرية الدولية واونسكوم. وتشيرالفقرة الحادية عشرة الى ان الرئيس الاميركي وقع في 14 اب قانوناً عاماً برقم 235-105 يعلن نقض العراق التزاماته تجاه المجتمع الدولي وطلب اعادة العراق الى الالتزام بتعهداته. هنا تنتهي المادة الثانية لتبدأالثالثة تتألف من فقرة واحدة تحدد سياسة الولاياتالمتحدة تجاه العراق والقاضية بازالة النظام الحالي لتحل محله حكومة ديموقراطية. وتتألف المادة الرابعة من عدة فقرات تتعلق بالمساعدات لدعم التحول الديموقراطي في العراق وذلك باعطاء الرئيس صلاحية تحديد القوى الديموقراطية في المعارضة العراقية، كما سيرد في المادة الخامسة وتقديم العون للانتاج الاذاعي والتلفزيوني وحددت النقطة ب من هذه الفقرة تخصيص 2 مليون دولار لوكالة الاعلام الاميركية لهذا الغرض. وتخول الفقرة الثانية الرئيس الاميركي تقديم الدعم العسكري من مخازن وزارة الدفاع الاميركية واعطاء التدريب والخدمات العسكرية لعدة تنظيمات عراقية. وحددت النقطة ب من هذه الفقرة استنادا الى المادة 644 من قانون المساعدات الخارجية لسنة 1961ان لا تتجاوز قيمة هذه المعدات والتدريبات مبلغ 97 مليون دولار اميركي. كما حددت النقطة ب صغيرة من الفقرة نفسها تخويل الرئيس تقديم مساعدات انسانية استناداً الى نفس المادة السابقة نفسها من قانون المساعدات الخارجية، لدعم الحالة المعيشية للافراد في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المعارضة. اما النقطة سي من الفقرة فإنها تؤكد على عدم سريان المساعدات، التي في هذه المادة، على اي جماعة او تنظيم يتعاون عسكرياً مع نظام صدام حسين، وتنص النقاط الاخرى في هذه الفقرة على بعض الاجراءات للرئيس الاميركي فيما يخص تقديم التدريب والمساعدات وفق قوانين المساعدات الخارجية لتأتي المادة الخامسة التي تنص على تحديد التنظيمات الديموقراطية وتعطي الرئيس الاميركي صلاحية تحديد تنظيم او اكثر خلال 90 يوما من توقيع القانون لتلقي الدعم الوارد في المادة الرابعة وتضع المادة الخامسة شرطين على التنظيمات التي تتلقى الدعم التمتع بهما وهما: ان يكون معارضاً على نطاق واسع لنظام صدام حسين، وان يكون ملتزماً بقيم الديموقراطية وحقوق الانسان والتعايش بسلام مع الجيران ويحافظ على وحدة العراق ويتعاون مع القوى الديموقراطية المعارضة لنظام صدام حسين. وتشير المادة السادسة، مستندة على عدة مواد وقوانين وحيثيات وقرارات اميركية الى امكان دعوة الرئيس الاميركي للامم المتحدة لاجراء محاكمة دولية لصدام حسين واركان نظامه باعتبارهم مجرمين ضد الانسانية ومنفذي مذابح جماعية واعمال عنف اجرامية ضد القانون الدولي. المادة الاخيرة وهي السابعة تعبر عن امل الكونغرس في ان يشهد ذات يوم سقوط صدام وعلى الولاياتالمتحدة مساندة عملية التحول الى الديموقراطية بتقديم المساعدات الانسانية الى الشعب وتقديم العون الى القوى والاحزاب والحركات ذات الاهداف الديموقراطية واعادة الصدقية للعراق في المجتمع الدولي التي فرط بها نظام صدام. هذا بشكل تفصيلي تقريباً المواد والفقرات التي يتضمنها "قانون تحرير العراق". والقانون من الناحية القانونية هو شغل المختصين القانونيين. ولكنه من حيث القراءة السياسية يقع في افخاخ عديدة نصبتها له السياسة الاميركية نفسها. ان هدف اسقاط النظام العراقي يبدو امراً واقعاً، واذا كان هذا الهدف مطلبا للعراقيين منذ سنوات طويلة من دون ان يتحقق فهو يبدو اليوم رغبة اقليمية ودولية ايضاً، ولكن هل اصبح هذا القانون، من حيث الاسلوب، بديلاً عن خيارات وطنية واقليمية اخرى؟ ان اسم القانون يوحي كما لو ان العراق ولاية اميركية محتلة ويجب تحريرها. او انه يفترض ان السياسة الاميركية تجهل موقع العراق بالنسبة للولايات المتحدة جغرافيا. فهو على الاقل أبعد من كوبا بالنسبة لواشنطن. غير ان هذه مشكلة عاطفية يمكن عبورها لنصل الى حقائق السياسة الاميركية التي يفصح عنها القانون. فمن الصعب اقناع العراقيين ببعض مبررات القانون. فالعراقيون يعرفون ان الولاياتالمتحدة ساعدت نظام صدام حسين في الحرب العراقية - الايرانية مساعدات اقتصادية وعسكرية ولوجستية واستخباراتية ليظل واقفا على قدميه مواصلاً الحرب ضد ايران. واكثر من ذلك دعمت ترسانته العسكرية وسمحت له بتطوير اسلحة الدمارالشامل ليدك المدن الايرانية على بعد اكثر من 700 كم بصواريخ سكود مطورة عراقياً وغضت النظر عن استخدامه الاسلحة الكيمياوية في معارك الفاو التي كان للاستخبارات الاميركية دور فعال فيهاعبر تزويد النظام العراقي بصور لتحركات القوات الايرانية واماكن تجمعها التقطتها الاقمارالاصطناعية الاميركية. ولذلك لا يعد العراقيون اكتشافاً ما تعتبره الولاياتالمتحدة ذريعة لقانون تحرير العراق. اذن فكل ما فعلته الولاياتالمتحدة هو نقل موقع سفيرها ريتشاردوني من سفير لدى نظام صدام الى سفير لدى معارضة صدام. فضلاً عن ذلك يعرف العراقيون، والاكراد خاصة، ان مقتل 5 آلاف مدني بينهم شيوخ واطفال ونساء باسلحة كيمياوية لم يحرك عواطف السياسة الاميركية في حينها بل ان المؤتمرات الدولية الخاصة بحقوق الانسان كانت تغلق ابوابها امام الاكراد الذين يحاولون الحديث عن مأساة حلبجة المرعبة التي تدين التواطؤ الغربي برمته مع نظام صدام آنذاك. هذه الذريعة ايضاً لا تقنع العراقيين باكتشاف السياسة الاميركية لانتهاكات نظام صدام واعتبارها اليوم ذرائع لإصدار القانون. وهذا ينطبق على ابادة الآلاف من الاكراد في حملات الأنفال السيئة الصيت التي ظلت في احسن الأحوال تتداول كأخبار صحافية اكثر مما يتم تداولها كمذابح جماعية وسياسة تطهير عرقي جماعي. غزو الكويت اذن يشكل بداية الاختلاف. ثم تأتي موضوعة العلاقة مع "اونسكوم" وموقف النظام العراقي تجاهها. وهي جوهر القانون ومضمون التوتر بين الولاياتالمتحدة والنظام العراقي. وواقع الحال ان تدمير اسلحة الدمار الشامل ليس قضية بالنسبة للشعب العراقي. فتدميرها او عدم تدميرها لا يحل مشكلته ولا ينهي عذابه الطويل. وتشكل هذه النقطة مصدر خلاف على الاهداف بين الشعب العراقي والادارة الاميركية. فإسقاط النظام يتشابه شكلاً بين ارادة العراقيين وسعي الادارة الاميركية لذلك، لكنه يختلف في مضمونه وشرعيته الوطنية ويختلف مع مبدأ حق تقرير المصير وحكم الشعب نفسه بنفسه ومع مبدأ حق الاختيار. فتحديد مصلحة الشعب العراقي خضعت هنا للوصاية التي تحدد ما هو صالح او غير صالح للعراقيين. وهذا يعيدنا الى مبدأ الوصاية والانتداب الذي انتهى به العمل منذ اكثر من نصف قرن. بطبيعة الحال يعرف العراقيون اكثر من غيرهم مصائب نظام صدام حسين. هذه المصائب التي كانت بالنسبة للولايات المتحدة آنذاك اوراق اعتماد يقدمها النظام العراقي لها لكي ترعاه وتسنده. سواء اجراءات التطهير السياسي والفكري والقومي والمذهبي في داخل العراق او شن الحرب ضد ايران. فأول مافعلته الولاياتالمتحدة بعد اعادة العلاقة مع العراق هو منحه القرض الزراعي المشهور بقيمة اكثر من بليون دولار عام 1984. اما اليوم فهي تواصل فرض استمرار الحصار عليه. والنظام العراقي في الحالين هو الذي اختار مثل هذه العلاقة مع زعيمة العالم الحر. فالنظام كان "حراً" في الحالين حين ألقى نفسه في حضن الولاياتالمتحدة وحين استدفئ هذا الحضن الى حد التصور بأن غزو الكويت مدعوم اميركياً. ولأجل اسقاط هذا النظام الذي برر "قانون تحرير العراق" اسقاطه ببضع ذرائع وضعت 97 مليون دولار للتدريب والمعدات العسكرية التي تدعم بها عددا من تنظيمات المعارضة العراقية مع رصد مليوني دولار لقضايا الانتاج الاذاعي والتلفزيوني لاحدى مؤسسات الاعلام الاميركية. مشكلة الدعم العسكري هي ان الفصائل التي تملك رصيداً مسلحاً غير محتاجة لمثل هذا الدعم لأنها تملكه ولم يحل مشكلة اسقاط النظام حتى الآن. وبعض هذه الفصائل المسلحة مثل المجلس الاسلامي الاعلى رفض هذا الدعم. اما الفصائل التي ليس لها رصيد مسلح او تنظيم واسع فضلت عليه الدعم السياسي مثل دعاة الملكية اذ ماذا تفعل بمعدات عسكرية ليس عندها من يستعملها او ان طبيعة الحركة لا تعتمد على استخدام السلاح. تبدو هذه الظاهرة بداية ازمة لقانون تحرير العراق اذ ستواجه الولاياتالمتحدة مشكلة التعامل معها مستقبلاً. واكثر من ذلك فإن بعض التنظيمات التي سميت ضمن التي تتلقى الدعم تعتقد ان تحالفاً مع الجيش أنفع وأجدى واكثر فعالية، وهذا رأي حركة الوفاق الوطني وهو رأي ليس وليد القانون وتعمل الحركة وفقه منذ سنوات. اضافة الى ذلك فإن سياسة الولاياتالمتحدة تجاه العراق ترسم للعقل الاميركي. واكبر دليل على ذلك رصد مليوني دولار لتغطية القانون اعلامياً. واعتقد انه مبلغ كبير بالنسبة لدور الاعلام الغربي لكنه لا يساوي قيراطاً في دور الاعلام العربي. فالاعلام الغربي وخصوصاً الاميركي حوّل صدام حسين الى بطل في حربه ضد ايران ببضعة اسابيع ومن دون مبالغ. ثم حوّله الاعلام الغربي من بطل منتصر على ايران الى طاغية في بضعة ايام بعد غزو الكويت ومن دون صرف مبالغ. ومنذ ثماني سنوات لم تستطع اكثر من 40 مليون دولار صرفت لبعض تنظيمات المعارضة التأثير على صورة صدام كبطل يتحدى الامبريالية الاميركية في مخيلة كثير من العرب أو في اجهزة اعلام وكتابات فكرية موالية لصدام او كارهة لدور اميركا وسياستها في العالم العربي. فهل تستطيع مليونا دولار لانتاج بضعة مقابلات وافلام وثائقية وبضعة تعليقات رنانة عن ديكتاتورية صدام التأثير على صورة بناها اعلامياً منذ اكثر من عشرين عاماً وبكلفة بلايين الدولارات. فصدام يصرف على شراء دبابة وصاروخ كما يصرف على شراء كلمة في صحيفة او مجلة. انه يقاتل بسلاحين في مستوى واحد.انه ينهزم في الحرب لينتصر في الاعلام. هذا ما يكشف الفارق بين تصور اميركي وبين واقع ملموس للوضع في العراق. بعد ذلك تأتي مساعدة الولاياتالمتحدة للتحول الديموقراطي في العراق، وهي موضوعة تحتاج الى كثير من التدقيق. فالمساعدة يمكن ان تتحول الى فرض شروط ويمكن ان يكون ثمنها باهظاً في وضع واهن من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالعراق ممزق بمعنى الكلمة. واذا لم ينشأ السلام الداخلي للبلاد فان سلاماً مفروضاً من الخارج يمكن ان يثير ازمات اخرى. والحديث هنا ليس عن مخاطر التقسيم التي يتحدث عنها اعلام عربي بحجج وذرائع شتى، وانما الحديث عن روسيا وبعض الدول الاشتراكية السابقة، على رغم ان وضع روسيا كان اكثر رسوخاً في انهيار الاشتراكية من وضع العراق مع انهيار نظام صدام الذي هيأ وضعاً اليوم يحتاج الى صمامات امان كثيرة تنبع من داخل العراق لا من خارجه. ولعل المادة السادسة من القانون القاضية بالحث على محاكمة النظام واركانه اكثر مشروعية وفائدة وفاعلية من المواد الاخرى فهذه المحاكمة يمكن ان تمنح الشعب العراقي فرصة التحرك ضد نظام مطالب قانونياً وتجريده من اسلحة داخلية فتاكة فضلاً عن عزله دولياً واقليمياً اكثر فأكثر وتوفير اغطية لتحركات عسكرية ومدنية داخلية ضده. "قانون تحرير العراق" هو غطاء بصيغة قانونية لعملية اسقاط اميركية لنظام صدام حسين لإكمال حرب الخليج التي جرى تمديد العمل بخياراتها ونتائجها ثماني سنوات، وربما كان سقوط صدام حسين آخر حدث في هذا القرن؟ * كاتب عراقي.